• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المراهقة.. المرحلة الحرجة في حياتنا

المراهقة.. المرحلة الحرجة في حياتنا

◄يواجه الأهل كثيراً من المشاكل مع أبنائهم في مرحلة المراهقة، ويشعرون بالحيرة أمام الكثير من تصرفاتهم، وأحياناً يجدون صعوبة في التفاهم معهم.. فكيف يجتاز الأبناء خطورة هذه الفترة في هدوء وسلام؟

كثيرة هي الإعترافات، ولا يكاد يخلو منها بيت، وقد حاولنا أن نجمع بعضها فماذا كانت النتيجة.. الكل يحكي تفاصيل.. ولكنّه يتوقف كثيراً عن ذكر الأسماء، فالأمر في النهاية يمس أباً وابنة.. أو يتعلق بأب وأُم.

تقول.. بدأت ألاحظ أن ابنتي تقلدني في كلّ شيء حتى عندما أتألم لسبب أو لآخر.. وكلما حاولت أن أناقش معها هذا.. ترفع حاجبيها وتقول انّها كبرت وصارت مثلي، وتتألم لأشياء خاصة مثلي تماماً.

ويقول... والدي لا يمنحني فرصة للتعبير عن رأي أطرحه في قضية ما أو أي موضوع يثار للمناقشة، وفيما يتعلق بشئوني فإنّه يسمع مني ثمّ يقول ببساطة هل ستفهم أكثر منّا نحن والديك؟.

وتشكو:... منذ بدأ صوت ابني يتغيّر وشاربه ينمو وهو يثير لي كلّ يوم مشكلة مع جيراني حول معاكسة فتياتهم، وكلما حاولت أن أفهمه بأنّ الرجولة أن يتحلى الإنسان بالعلم والأخلاق، ويتميّز بالتفوق والقدرة على تحمل المسؤولية.. فإنّه يبتسم ويقول ببرود أعصاب: وأضيفي إلى معلوماتك أنّها تتأكّد بهذا أيضاً!

وتحكي عن أيام عصيبة عاشتها مع ابنتها التي أصبحت شديدة الإنطواء بعد بلوغها. وتجلس وحيدة في غرفتها طوال الوقت، ولم تُجدِ معها كلّ محاولات كسر هذه الدائرة إلاّ بالذهاب للطبيب، ورغم ذلك ظلت لفترة طويلة تالية شاحبة.. تائهة تتعامل مع الناس كالنائمة الشاردة.

هذه عينات من إعترافات أُمّهات وأبناء.. وكثير منها نعايشه ونعيشه كلّ يوم في بيوتنا أو بيوت الأهل والأصدقاء والأقارب.. وعندما نسأل، لا نملك سوى كلمة واحدة.. مراهقة.. فما هي حقيقة هذه المرحلة!؟

 

- عندما نغادر الطفولة:

    تؤكِّد الدراسات النفسية أنّ أهم ما يجب أن يعرفه الآباء عن مرحلة المراهقة في حياة أبنائهم وبناتهم، هو أنّها بداية الإنتقال من الطفولة إلى الشباب.. سواء إلى الرجولة أو الأنوثة، ويصحب ذلك مظاهر جسدية وعاطفية وعقلية واجتماعية، وأي خطأ في مواجهتها يسبب الكثير من الحرج الذي قد يؤثِّر في مستقبل الأبناء بعد ذلك.

    وكثيراً ما تواجه المراهق صعوبات تزيد من مشكلاته في تلك المرحلة، فتذبذب معاملة الوالدين له مرّة كطفل ومرّة كرجل من أسباب مشكلاته وعدم إستقراره، فسلوكه وتصرفاته تكون أحياناً كسلوك الأطفال وتصرفاتهم، رغم أنّه قد بلغ من النضج مبلغاً يكفي للنظر إليه كرجل، وكذلك الأمر بالنسبة للفتاة.

    واختلف علماء النفس في العمر الزمني لبداية المراهقة عند الإنسان بسبب إختلاف البيئة والمناخ، فالبلوغ في البلاد الحارة يبدأ مبكراً لدى الفتيات في التاسعة أو العاشرة، بينما يبدأ في البلاد الباردة متأخراً في عمر قد يصل إلى السابعة عشرة أو أقل قليلاً.

    والبلوغ عند الفتيات يكون بعد ذلك بعام أو عامين.

    واتفق علماء النفس على أنّ الأمر ليس قاعدة.. لأنّ هناك أناساً مراهقين في التفكير والسلوك رغم بلوغهم الخمسين أو الستين من العمر، بينما هناك الذين يبدون نضجاً في أفعالهم رغم عمرهم الذي يوافق زمن المراهقة.

 

   - المراهقة.. ليست مفاجأة:

    وحول مراهقة الأبناء ودور الآباء في معالجة مشاكلها كان لنا لقاء مع د. عزت سيد إسماعيل أستاذ علم النفس، يقول: في البداية.. أحب أن ألفت نظر الوالدين إلى أن إنتقال صغارهم إلى مرحلة المراهقة لا يتم فجأة، ولكن يتم التغيير تدريجياً، وقد لا يلحظه الأهل بسبب التفاوت في معدل نمو الأبناء. وحتى يسهل فهم فترة المراهقة يمكن تقسيمها إلى عدة خصائص:

    أ‌) نشاط الغدد الصماء.. وسرعة في نمو الجسم.

   ب‌) سرعة في النمو العقلي.

   ت‌) اتساع في الإتجاهات الإنفعالية.

    فمن حيث التغيّرات الهرمونية (إفراز الغدد)، نجد من هذه الهرمونات ماله أهمية خاصة بالنمو الجسمي، حيث يطرأ على المراهق تغيّر ملحوظ، من زيادة الوزن والطول وخشونة في الصوت ونمو الشعر.. كما تبدو علامات الأنوثة واضحة على جسد الفتاة أيضاً.

    أمّا الذي يجب أن نهتم به حقيقة فهو ما يصحب بلوغ الأبناء – مبلغ الرجولة أو الأنوثة – من إضطراب في توازنهم النفسي، فأهمية تأثير نشاط الغدد في النمو العاطفي والعقلي لدى المراهق لا يقل عن أهميته في النمو الجسمي، وهو ما يجب أن يتنبه له الأهل في البيت والمربون في المدرسة، وهنا أؤكِّد على ضرورة أن يقوم كل من الأب والأُم بتعليم أبنائهم شيئاً من تلك التغييرات التي سوف تطرأ عليهم، حتى لا يفاجأوا بمرحلة البلوغ. أنّ التربية الجنسية المبسطة هامة جدّاً في تلك الفترة، فالخطر الحقيقي للمسألة الجنسية في حياة الفرد يكون في زمن المراهقة.

 

   - كيف ينظر المراهق لنفسه..؟

    يتابع د. عزت حديثه فيقول: "يتزايد إهتمام المراهقين بذواتهم وما يجري في نفوسهم، فيهتمون بزينتهم ويتبع ذلك إهتمام بالجنس الآخر. ويحدث أن يشعر المراهق بالكآبة والميل إلى الإنتحار، أو التجمع في جماعات خاصة، ويرجع ذلك إلى ما يستشعره أحياناً من أحاسيس النقص، وانّه مرفوض ممن حوله ولكن بشكل عام تظهر روح الجماعة لدى المراهقين في تلك المرحلة أكثر من أي وقت مضى، وهو أمر أحبّ أن أؤكد على أهميته، وعلى الأهل ان يستغلوا تلك الحماسة في توجيه المراهقين الوجهة الصحيفة بتشجيعهم على الإنضمام إلى الجمعيات الثقافية والرياضية والعلمية بدلاً من الإتّجاه إلى العصابات أو الجماعات التخريبية.

    ويحرص كلّ من الفتى والفتاة في بداية تلك المرحلة على عقد صداقات جديدة مع أقرانهم.. وقد أجمع علماء النفس بعد دراسات وأبحاث كثيرة على أنّ الصداقة الصحيحة مع نفس الجنس من أهم ما تتميّز به فترة المراهقة.

    أمّا فيما يتعلق بالعلاقات بين الجنسين فكثيراً ما تبدأ بالتجنب وعدم ميل أحدهما إلى الآخر.. ويحدث ذلك في مطلع المراهقة، ثمّ يبدأ الميل إلى الجنس الآخر، ومن مظاهر هذا الإنجذاب أن تقع الفتاة في حب معلمها مثلا، كما قد يتعرض الفتى لحب امرأة تكبره سناً..

    ونحن نرى أنّ تلك المظاهر غير المتوازنة تعبير عن حالة عدم الإستقرار التي يمر بها المراهق".

 

- العلاقات مع الأهل..

    يستمر د. عزت في حديثه قائلاً: "بعد كلّ هذه التغيّرات التي تلحق بالمراهق نجده يرغب في الإستقرار فكراً وعملاً، والإبن الذي كان يتقبل في السابق المعلومات دون نقد يبدأ الآن في الشك والتحدي، وتزول تقريباً فكرة الخضوع الكامل للأهل، ويصبح المعلم كمصدر للسلطة محل شك أو تساؤل، ورغبة المراهق في أن يكون له كيانه المستقل، غالباً ما تؤدي به إلى أن يصدر أحكاماً قد تبدو بالنسبة للكبار غير واقعية في حين أنّها منطقية تماماً بالنسبة له على أساس من خبرته المحدودة. ويساعد المراهق على الرغبة في التحرر والإستقلال أنّه قد أصبح بإمكانه الإستغناء عن العناية التي كان يتلقاها خلال طفولته، وبهذه الطريقة تنمو لديه ميول ومستويات طموح جديدة.

    وأحبّ أن يعلم الأهل أنّ المراهقة فترة تستلزم التخلي عن الإعتماد الطفولي عليهم ويتبع ذلك إنفصال إنفعالي للإبن ثمّ محاولة إستقلال إقتصادي عن الأسرة، وهو شاق على الفتى، لكنّه أشق على الفتاة، فالإلتصاق بالآباء الذين يقدمون الحماية الزائدة، أو الخضوع لآباء مسيطرين هي مواقف يصعب التخلص منها".

 

    - طريقة معاملة المراهق:

    إنّ قدراً متزايداً من الحرِّية أمر مرغوب فيه كلما اقترب الطفل من سن النضج، وبهذا الأسلوب يمكن أن نساعده كثيراً، إذ يجب على الصغير أن يمارس تدريجياً هذه الأمور من الإعتماد على النفس. قبل أن يصل مرحلة المراهقة: وأحبّ أن أشير هنا إلى نقطة هامّة وهي أنّ العلاقات السيِّئة بين الأبوين سبب هام من أسباب السلوك السيِّئ لدى أطفالهما.

    ولا يعني تفهم تلك المرحلة في حياة الأبناء أن يخضع الأهل لجميع الرغبات والطلبات. بل إنّ الحزم مع التسامح، والتوجيه دون الإلحاح في النضج، أمور تدعو المراهق إلى الإحترام الشديد للوالدين.

    وينهى د. عزت سيد إسماعيل حديثه قائلاً: "وقد يقع الأهل في حيرة عظيمة فلا يعرفون أنسب الوسائل في تربية ابنهم المراهق، وهل يجوز التحدث إليه صراحة في أمر تلك الفترة أم يترك ذلك لعوامل كالظروف أو المدرسة؟ وإنني أقول لهم: إنّ خير وسيلة هي فتح حوارات ومناقشات مع الأبناء، لأنّ هذا النوع من الحديث يشبع رغبتهم في حبّ الاستطلاع، ويزيد من معلوماتهم، ويعرف المراهق أن ما يمر به لا يجعله مختلفاً عن غيره، فينمو لديه قدر كبير من الثقة بالنفس تمكنه أن يتعامل مع الآخرين بسهولة ودون أن يفقد ذاته وشخصيته. إنّ تلك الصراحة مع المراهقين إحدى دعائم التربية وأنّه من المفيد ان نطلعهم على ما سيتعرضون له من الأزمات العاطفية. ومرّة أخرى أؤكد على ضرورة أن يتحدث الأب مع ابنه والأُم مع ابنتها عن الحقائق البسيطة للنضج الجنسي، إذ تؤكِّد الدراسة أنّ الإنحرافات والعقد النفسية لدى هؤلاء تنشأ أساساً من الجهل بتلك الحقائق. وحتى يبوح الأبناء بكل أسرارهم يجب أن يعاملوا معاملة لينة هادئة يحكمها الصبر أساساً".

    يتأكّد لنا – عزيزي القارئ – بعد كلّ ما سبق أن مشكلة المراهق الأساسية تتبلور في بحثه عن هويته.. فهو كثيراً ما يواجه صعوبات قد تزيد من مشكلاته في تلك الفترة. وصورة المراهق عن نفسه تتوقف على نظرة الآخرين، والوالدين في البداية، من حيث تقبلهم أو رفضهم له، ويكون تمرده دليل محاولته للإستقلال الذاتي.

    وغالباً ما يلجأ المراهق إلى أساليب وسلوكيات تكشف عن قلقه وبحثه عن هويته، ويتمثل لنا ذلك في الألوان الصارخة التي يرتديها، وإطلاق الشعر أو تصفيفه بطريقة ملفتة للنظر، وإتّخاذ بعض الأشخاص مثلاً أعلى وتقليد الأبطال. كما يكون الصراع حول الحاجات الجنسية واضحاً.. ومن ناحية أخرى تتناقض أفكار وعواطف المراهق بين الإيمان والإلحاد، وقد يجهد الكثيرون الحل في اللجوء إلى الدين، كما يشكل إهتمام ابنك بمهنته ومستقبله جزءاً أساسياً من تفكيره، وهو دليل الخطوة الأولى على طريق النضج.

    وعلى الآباء أن يتجنّبوا نظرات عدم الإرتياح لتصرفات المراهق والادفعوه دفعاً لممارسة تلك التصرفات خارج البيت بعيداً عن أعينهم، ويصبح بذلك عرضة للإنخراط في جماعات السوء، أو الإنحراف بأية صورة من الصور.►

ارسال التعليق

Top