• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صفات رسالية في شخصية الحوراء زينب (عليها السلام)

عمار كاظم

صفات رسالية في شخصية الحوراء زينب (عليها السلام)

نتوقّف أمام نموذجٍ من النِّساء، استحقّت، وبجدارة، أن تكون قدوةً للرجال والنِّساء، قدوةً للعابدين والزاهدين والصابرين والأحرار والثائرين، وهي السيِّدة زينب (عليها السلام)، التي تمرّعلينا ذكرى ولادتها في الخامس من شهر جمادي الأوّل، فهي وُلِدت في رحاب بيتٍ أذهب الله عنه الرِّجس وطهَّره تطهيراً، وهي منذ خرجت إلى الوجود، تنفّست نسائم النبوّة والإمامة، فنعمت برعاية جدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طوال السنوات الخمس التي عاشتها معه، وحظيت بتربية أبيها الإمام عليّ (عليه السلام) وأُمّها الزهراء (عليها السلام).. فكانت العابدة، وهي التي سُمِّيت بعابدة آل محمّد لكثرة عبادتها، فقد عبدت الله عبادة أُمِّها الزهراء (عليها السلام) حتى كانت قدماها تتورّمان، وكان وقت الصلاة أحبّ الأوقات إليها. وتذكر سيرتها، أنّها ما تركت قيام الليل طوال دهرها، حتى في ليلة الحادي عشر من المحرَّم، رغم كلّ الظروف الصعبة التي أحاطت بها في تلك الليلة، وهي في ذلك تمثّلت بأبيها الإمام عليّ (عليه السلام)، الذي افتقده جيشه في ليلة الهرير في معركة صفّين، فبحثوا عنه، فوجدوه يقف بين الصفوف يصلّي، وبأخيها الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي وقف في قلب المعركة يصلّي رغم تساقط الرماح والنبال.

السيِّدة زينب (عليها السلام) هي من نسبٍ وشرفٍ وعلمٍ وتقوى وجهاد، حيث شكّلت الامتداد الطبيعي والرسالي لأُمِّها الزهراء (عليها السلام)، في صبرها وجهادها وتقواها، بما جعلها مدرسةً للأجيال في سيرتها، التي لم تكن إلّا تضحيةً وفداءً للإسلام المحمّدي الأصيل، ولتأكيد الحقّ وشرعيّته، والوقوف بكلِّ ما أمكنها من قوّة في الخندق المواجه للباطل والظلم والانحراف.

شخصية السيِّدة زينب (عليها السلام) التي مثَّلت كلَّ فكر الزهراء (عليها السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، وشكّلت الامتداد للتجربة الإسلامية الرائدة المستنهضة لروح الأُمّة، وتعزيز وعيها وحضورها. والزهراء (عليها السلام) عاشت في زينب، فزينب (عليها السلام) بالرغم من أنّنا حصرناها في الدائرة البكائية، فإنّنا من خلال ما ندرسه من مسيرتها في كربلاء، وبالرغم من أنّ التاريخ لم يحدِّثنا عن سيرتها قبل كربلاء، وعن سيرتها بعد كربلاء تفصيلاً، ولكنّها كانت القائد في غياب القائد، وكانت الصابرة كأعمق وأرحب ما يكون الصبر، وكانت البطلة أمام المأساة، وهي القائلة: «اللّهُمّ تقبّل منّا هذا القربان»، فأيّ أُختٍ تعيش هذه المأساة التي تمثّلت في كلّ هذه الوحشية الأموية في حصد الأطفال والشيوخ والشباب وبعض النِّساء، وهي لا تتوجَّه إلّا إلى الله، وهي تفكِّر في أنّ المسألة ليست مصيبةً شخصية في داخل الذات، وإنّما هي جهاد في سبيل الله.

لقد عاشت السيِّدة زينب (عليها السلام) كلّ فكر الإمام الحسين (عليها السلام) وكلّ روحيته، ولهذا، كانت الصابرة في كربلاء، بحيث لم يسمع منها حالة بكائية إلّا في بعض القضايا التي كانت تريد أن تحتوي آلام الحسين (عليه السلام) في عليّ الأكبر (عليه السلام)، وما عدا ذلك، كانت في أقسى الحالات الصامدة، كصمود الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد تجلّى ذلك في عدّة مواقف. ومَن تربّى في بيت الزهراء (عليها السلام)، الذي هو بيت الإمام عليّ (عليه السلام)، يصلح لأن يكون القدوة، فقد قدَّم هذا البيت الذي شكّل امتداداً للنبوّة والرسالة، الأنموذج الحي والعملي لأخلاقيات الإسلام، وروح شريعته ومفاهيمه التي تفتح عقول الناس وقلوبهم على الحقّ والخير والبرّ والعطاء، وعلى الوعي والمسؤولية تجاه الحياة والمصير والوجود. ففي ذكرى ولادتها الشريفة، نعيش كلَّ أجواء العنفوان، والصلابة، والعظمة الروحانية، والعِلم، والحركة، والانفتاح على الواقع وعلى الله، بكلِّ شموخٍ وبطولةٍ وشجاعةٍ ومسؤوليةٍ ووعي.

ارسال التعليق

Top