يطرح الكثير من أنصار العلاجات الطبيعية، تساؤلات حول الانتشار الواسع جدّاً لظاهرة تناول أدوية خفض مستويات "الـ"كوليسترول" في صفوف الملايين في العالم. وهم يدعون إلى معالجة المشاكل المؤدية إلى ارتفاع مستويات الـ"كوليسترول"، قبل الإسراع في الصيدلية.
الـ"كوليسترول" مادة شَمعيّة طرية بيضاء موجودة في خلايا الجسم كافّة. وهو ينتقل في مجرى الدم على متن جزيئات من نوعين، الأوّل هو البروتين الدهني ذو الكثافة المتدنية (LDL) المعروف بالـ"كوليسترول" الضار، والثاني هو البروتين الدهني ذو الكثافة العالية (HDL) المعروف بالـ"كوليسترول" الجيِّد. ويستخدم الجسم الـ"كوليسترول" لأغراض مهمة وحيوية مختلفة، منها إنتاج وترميم أغلفة الخلايا، خاصة الخلايا العصبية، التواصل بين الخلايا، امتصاص الفيتامين "D"، إنتاج الصفراء، وإنتاج الهرمونات، بما فيها هرمونا الـ"أستروجين" والـ"تستوستيرون". ويُعتبر الـ"كوليسترول" أيضاً مادة مهمة للترميم، فهو يتركز في أي مكان في الجسم يتعرض لإصابة، أو جرح، أو خمج، أو التهاب، ومن دونه يتعطل العديد من وظائف الجسم. والواقع، أن أي مشكلة متعلقة بالـ"كوليسترول" لا تظهر الا عندما يتعرض للأكسدة، وعندما ترتفع مستوياته العامة، وخاصة مستويات الـ"كوليسترول" الضار، وعندما تنخفض مستويات الـ"كوليسترول" الجيِّد. وبشكل عام، يُستحسن أن يكون معدل الـ"كوليسترول" الإجمالي أقل من 200، والأمثل أن يكون مُعدل الـ"كوليسترول" الضار أقل من 100، ومعدّل الـ"كوليسترول" الجيِّد أكثر من 40 لدى الرجال، وأكثر من 50 لدى النساء.
تجدر الإشارة، إلى أنّ الشخص العادي يتناول ما بين 200 و300 ملغ من الـ"كوليسترول" في اليوم، من الأطعمة ذات المصدر الحيواني، مثل الجبن، صفار البيض، واللحم. لكن هذه الكمية هي مجرد جزء صغير من تلك التي يحتاج إليها الجسم. ويتولى الكبد مهمة إنتاج فرق كمية الـ"كوليسترول" التي يحتاج إليها جسم الفرد المتمتع بصحة جيِّدة، نحو 1000 ملغ يومياً، مستخدماً مجموعة مختلفة من الدهون، البروتينات، الكربوهيدرات المتوافرة في مجرى الدم، وهو يُنظّم مستويات الـ"كوليسترول" في الدم. فعندما نتناول الكثير من الـ"كوليسترول" عن طريق الأطعمة، يقوم الجسم بخفض كمية ما يُنتجه هو من الـ"كوليسترول". وفي المقابل، وعندما نتناول كمية قليلة، يزيد كمية ما ينتجه. وهذا يعني أن تركُّز الـ"كوليسترول" في الدم يعتمد على حاجات الجسم إليه. وأحد العوامل التي تُقرّر مدى حاجة الجسم إلى الـ"كوليسترول"، وجود الجزيئات الحرّة والالتهابات والخمج في الجسم، فكلما ازدادت الالتهابات والتأكسدات والتهيّجات في الجسم، ازداد إنتاج الجسم للكوليسترول في محاولة لحل هذه المشاكل. وتُعلّق المتخصصة الأميركية البروفيسورة شيري روجرز قائلة، إنّ الـ"كوليسترول" كما نرى هو عنصر جيِّد، أكثر من كونه سيئاً. وهو مُجرّد ساعي بريد، يحمل إلينا رسالة تحذير بوجود مشاكل في الجسم. وعلينا عوضاً عن قتل ساعي البريد، لمجرد حمله إلينا هذه الرسالة، أن نسعى إلى حَلّ مشاكلنا الصحية.
- ماذا يحدث في الشرايين؟
يُسهم اضطراب مستويات سكر الدم، ازدياد نشاط الجزيئات الحرة، وجود مواد سامة في الجسم، التدخين، إضافة إلى العوامل الأخرى المسببة للالتهابات، في إلحاق الضرر بجدران الشرايين وإحداث تمزقات مِجْهَريّة فيها. ويحاول الجسم ترميم هذه التمزقات وشفاءها عن طريق وضع طبقة رقيقة من الـ"كوليسترول" عليها، تلعب دَور الضمادة. ولكن إذا لم تُحل المشكلة الأساسية التي تسببت في الالتهابات، يزداد سُمك طبقة الـ"كوليسترول" هذه وتصبح قاسية، ما يتسبب في تضييق الشرايين وتصلبها. وإذا تعرضت طبقة الـ"كوليسترول" القاسية هذه لأيّ تهيّج، يمكن أن تنفجر وتسد الشرايين بحطامها، ما يمهّد الطريق للإصابة بالنوبة القلبية، أو السكتة الدماغية.
- التغلب على ارتفاع مستويات الـ"كوليسترول":
أفضل طريقة لخفض مستويات الـ"كوليسترول"، هي التخفيف من الالتهابات المختلفة في الجسم، وفي ما يلي 9 طُرق لتحقيق ذلك:
1- التخفيف من تناول السكر والدقيق الأبيض:
لا يُسهم تناول السكر والدقيق المكرر الأبيض، في التسبب في الالتهابات المختلفة فحسب، بل يعمل أيضاً على خفض مستويات الـ"كوليسترول" الجيِّد، ورفع مستويات دهون الـ"تريغليسيريدز" الضارة. وارتفاع مستويات هذه الدهون في الدم، يعوق انسياب الـ"كوليسترول" الجيِّد، الذي يُعيد الـ"كوليسترول" غير المستخدم إلى الكبد، حيث يُعاد تدويره. وإزالة الـ"كوليسترول" الزائد من الأوعية الدموية، يخفف من خطر الإصابة بتصلب الشرايين. وينصح المتخصص الأميركي في التغذية بايرون ريتشاردز، بتفادي رقائق الحبوب المحلاة بالسكر، والبسكويت والجاتوه والحلويات، والتخفيف من تناول المعكرونة والخبز، المحضّرين من الدقيق الأبيض. يقول، إنّ السكر الذي نتناوله، الذي لا يتم حرقه كمصدر للطاقة خلال ممارسة الرياضة، يتم تحويله إلى دهون في الجسم، ويُسهم مع الوقت في رفع مستويات الـ"كوليسترول" الضار.
2- التقليل من تناول اللحوم المشوية والدهون الضارة:
تبيّن أنّ الإكثار من تناول اللحوم المشوية والمبالغ في شيّها، والأطعمة المقلية يمكن أن يتسبب في أكسدة الـ"كوليسترول". ومع التقدم في السن تزداد سرعة هذا التأكسد. لذلك، من الضروري زيادة نسبة مضادات الأكسدة التي نأكلها. كذلك، يجب التخفيف من كمية الملح التي نضيفها إلى الطعام. فعلى الرغم من أنّ الملح لا يؤثر مباشرة في مستويات الـ"كوليسترول". إلا أنّه يزيد من إمكانية الإصابة بارتفاع ضغط الدم، ويؤثر سلباً في مرونة الأوعية الدموية. ويتوجب الامتناع التام عن تناول دهون ترانس (الزيوت المهدرجة) الموجودة في المنتجات الغذائية المصنّعة، وتجنُّب الأطعمة المقلية وتلك المصنّعة والغنية بالدهون غير الصحية.
3- زيادة كمية ما نتناوله من خضار، فواكه وأطعمة كاملة:
تُسهم مضادات الأكسدة والعناصر النباتية المغذية، الموجودة في الخضار والفواكه والبقوليات والحبوب الكاملة، في حماية الـ"كوليسترول" في الدم من أضرار الجزيئات الحرة. فضلاً عن ذلك، فإنها غنية بالألياف الغذائية التي تساعد الجسم على التخلص من الصفراء المحمّلة بالـ"كوليسترول". وكانت دراسة أميركية واسعة النطاق أظهرت، أنّ الأشخاص الذين يأكلون 5 حصص أو أكثر من الخضار والفواكه يومياً، ينجحون في التخفيف من خطر إصابتهم بالنوبة القلبية، وبالسكتة الدماغية بنسبة 25 في المئة، مقارنة بأولئك الذي يأكلون أقل كمية منها. ومن المفيد أيضاً، الإكثار من تناول المنتجات الطبيعية التي تُعزز وظائف الكبد، مثل الخرشوف، الشمندر، الجزر، البطاطا الحلوة، الخضار الورقية الخضراء، والحمضيات.
4- اختيار أنواع الدهون الصحية:
ينصح ريتشاردز بتناول الأطعمة الغنية بأحماض "أوميغا/ 3" الدهنية، مثل الأسماك الدهنية (السردين، السالمون، التونة) والمكسّرات النيئة وعلى رأسها الجوز، البذور، مثل بذور الكتان ودوار الشمس والسمسم، فهي تساعد على خفض مستويات الـ"كوليسترول" الضار. كذلك، يجب تناول الأطعمة الغنية بالأحماض الدهنية الأحادية غير المشبعة. فالجسم يتوق إلى هذه الدهون ويحتاج إليها لكي تؤدي خلايا الدماغ والأعصاب وظائفها بشكل جيِّد. فضلاً عن ذلك، فإنّ الحرمان الذي يشعر به الناس عندما لا يلبّون رغباتهم المتعلقة بتناول الدهون المشبعة، يدفعهم إلى التعويض عنها بتناول الكربوهيدرات المصنّعة، ما يُسهم في زيادة وزنهم والتسبب في الالتهابات في الجسم. وعند شراء اللحوم والألبان، يجب اختيار الأنواع التي خضعت لأقل قدر من التصنيع، والأفضل أن تكون ناتجة عن مزارع، تعتمد طريقة تربية الدجاج والمواشي في الطبيعة. وتقول المتخصصة الأميركية في التغذية سالي فالون، إنّ لحوم مثل هذه المواشي والدجاج، تحتوي على نسبة عالية من العناصر المغذية التي يحتاج إليها الجسم، ونسبة أقل من الدهون التي تُسبب الالتهابات. كذلك يمكن تناول البيض الكامل. وقد أظهرت الأبحاث التي نشرتها المجلة الأميركية للتغذية العيادية، أنّ الأشخاص الذين يأكلون البيض في حدود 7 بيضات في الأسبوع، لا يكونون أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية، أو السكتات الدماغية من أولئك الذين يأكلون أقل من بيضة في الأسبوع.
5- التركيز على تناول الألياف الغذائية:
تؤكد المتخصصة الأميركية في علوم التغذية، البروفيسورة سوزي كوهين، أن تناول كمية أكبر من الألياف الغذائية القابلة للذوبان، هو إحدى أسهل الطرق الطبيعية لخفض مستويات الـ"كوليسترول" ويعود ذلك إلى أنّ الألياف تندمج مع الصفراء، المؤلفة من الـ"كوليسترول" ودهون الـ"تريغليسيردز"، وتنقلها مع مجموعة من المواد السامة المسببة للالتهابات إلى خارج الجسم، ثمّ يقوم الجسم بإنتاج كمية جديدة من الصفراء، مستخدماً الـ"كوليسترول" والـ"ترغليسيريدز" التي كانت ستبقى وتتجمع في مجرى الدم. وتقول كوهين، إن مجرد تناول حصتين من الأطعمة الغنية بالألياف الغذائية في اليوم، يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملحوظة. ومن الأطعمة الغنية بالألياف: المكسرات، الحبوب الكاملة، الخضار، ثمار العلّيق، لكن البقوليات مثل الفاصولياء، تُعتبر أفضل مصادرها. ويقول ريتشاردز، إنّ البقوليات تتمتع بخصائص منظِّمة للهرمونات، تساعد على تنظيم مستويات الأنسولين والـ"كوليسترول". وتنصح المتخصصة الأميركية في التغذية كارين هيرد كل مرضاها الذين يعانون مشاكل صحية سببها الالتهابات، بتناول نصف كوب من البقوليات 3 مرات في اليوم. أمّا الأشخاص الذين لا يحبون الفاصولياء، فيمكنهم الاستعاضة عن حصة أو أكثر منها، بتناول ملعقتين صغيرتين من بذور السيليوم المسحوقة، ممزوجة في كوب من الماء. كذلك تنصح هيرد، في بداية النهار، بتناول طبق من الشوفان الدافىء مع اللوز المحمص، وملعقة صغيرة من بذور الكتان، فالجمع بين الألياف الغذائية القابلة للذوبان، وأحماض الـ"أوميغا/ 3" المكافحة للالتهابات، يُسهم في خفض مستويات الـ"كوليسترول" العام، والـ"كوليسترول" الضار ودهون الـ"تريغليسيريدز"، بما يتراوح بين 10 و30%.
6- الاستعانة بالثوم والأعشاب:
يساعد الثوم على خفض مستويات الـ"كوليسترول"، ويُستحسن تناوله يومياً. ومن المفيد تناول الزنجبيل عن طريق إضافته إلى الطعام أو تناوله على شكل نقيع. وكذلك، ينصح الخبراء بتناول بذور الحِلْبة، والدردار وشوك الجمال.
7- ممارسة الأنشطة البدنية:
ممارسة التمارين الرياضية، تُسهم في خفض المستوى العام للكوليسترول، وفي رفع مستوى الـ"كوليسترول" الجيِّد. كذلك، فإنّ الرياضة تساعد على تخفيف الوزن الزائد، وتخفف من تأثيرات التوتر السلبية والمسببة للالتهابات. وكانت دراسة أجريت في العام 2006 في "جامعة دوك" الأميركية، أظهرت أنّ ممارسة الرياضة، سمحت للمشاركين من أصحاب الوزن الزائد، الذين كانوا يعيشون نمط حياة خاملاً، بأن يخففوا من الكثير من العوامل التي تزيد من خطر إصابتهم بمرض القلب، وذلك بعد 6 شهور من ممارسة الرياضة.
وتَبيّن في دراسة أميركية حديثة أخرى، أن صعود الدرج بسرعة لمدة دقيقتين، ما بين مرة وخمس مرات يومياً، يساعد على خفض مستويات الـ"كوليسترول" الضار بنسبة 8 في المئة، وذلك في فترة 8 أسابيع.
8- ممارسة رياضة اليوغا والتأمّل:
أظهرت مراجعة لعدد كبير من الدراسات، أنّ اليوغا التي تخفف التوتر، أو تمارين التنفس العميق أو التأمّل، التي يمارسها الأشخاص تساعدهم على خفض مستويات الـ"كوليسترول" العام، بما يتراوح بين 6 و25 في المئة.
9- الضحك:
في دراسة أميركية شملت مجموعتين من المصابين بالسكري، الخاضعين لعلاج تقليدي، طلب البحّاثة من أفراد المجموعة الأولى، تمضية نصف ساعة في اليوم في مشاهدة برنامج فكاهي، بينما اكتفى أفراد المجموعة الثانية بتناول العلاج. ومع نهاية العام، تَبيّن أن 26 في المئة من أفراد المجموعة الأولى، نجحوا في رفع مستويات الـ"كوليسترول" الجيِّد لديهم، مقارنةً بنحو 3 في المئة فقط من أفراد المجموعة الثانية.
ارسال التعليق