• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رمضان من سُبل الرحمة

عمار كاظم

رمضان من سُبل الرحمة

تضمّنت كثير من الروايات وصف شهر رمضان بأنّه شهر الله وذلك تبياناً لرفعته ومكانته وعظيم الجزاء الذي أعده فيه لعباده، فحينما تنسب مناسبة لدعوة أو وليمة لشخصية سياسية مهمة كرئيس دولة أو مقام سياسي رفيع، أو شخصية اجتماعية ذات شأن بارز، فإنّ الناس تتوقع منها ما يناسبها من حفاوة وتكريم وخصوصية في البذل والعطاء والتي تتناسب مع شأن الداعي وقدرته السلطوية أو الشأنية المتميزة، فكيف إذا كانت هذه الدعوة هي من خالق الخلق ومالك الملك ومدبّر الأمور ومجريها بإرادته وأمره وهو على كلّ شيء قدير؟ فلا شكّ أنّها ستكون بما لا يتصوره العقل من العطاء والفضل والهبات الإلهية العظمى فإنّ الهدايا على قدر مهديها، وهكذا كان الواقع فقد جعل الله من كرمه وفضله خصوصية من الثواب العظيم لكلّ ثانية من الشهر وليست لكلّ ساعة أو يوم وهو ما تحدّثت عنه الروايات الكثيرة في أهمية هذا الشهر. خطب رسول الله (ص) في آخر جمعة من شعبان فقال: «أيُّهَا النّاسُ، إنَّهُ قَد أقبَلَ إلَيكُم شَهرُ الله بالبَرَكَةِ وَالرَّحمَةِ وَالمَغفِرَةِ، شَهرٌ هُوَ عِندَ اللهِ أفضَلُ الشُّهورِ، وَأيّامُهُ أفضَلُ الأَيّامِ، ولَياليهِ أفضَلُ اللَّيالي، وساعاتُهُ أفضَلُ السّاعاتِ. هُوَ شَهرٌ دُعيتُم فيهِ إلى ضِيافَةِ اللهِ، وجُعِلتُم فيهِ مِن أهلِ كَرامَةِ اللهِ، أنفاسُكُم فيهِ تَسبيحٌ، ونَومُكُم فيهِ عِبادَةٌ، وعَمَلُكُم فيهِ مَقبولٌ، ودُعاؤُكُم فيهِ مُستَجابٌ .فَاسأَلُوا الله رَبَّكُم بِنِيّاتٍ صادِقَةٍ وقُلوبٍ طاهِرَةٍ أن يُوَفِّقَكُم لِصِيامِهِ وتلاوَةِ كِتابِهِ؛ فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَن حُرِمَ غُفرانَ الله في هذَا الشَّهرِ العَظيمِ .وَاذكُروا بِجوعِكُم وعَطَشِكُم فيهِ جوعَ يَومِ القِيامَةِ وعَطَشَهُ، وتَصَدَّقوا عَلى فُقَرائِكُم ومَساكينِكُم، ووَقِّروا كِبارَكُم، وَارحَموا صِغارَكُم، وصِلوا أرحامَكُم، وَاحفَظوا ألسِنَتَكُم، وغُضّوا عَمّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيهِ أبصارَكُم، وعَمّا لا يَحِلُّ الاِستِماعُ إلَيهِ أسماعَكُم، وتَحَنَّنوا عَلى أيتامِ النّاسِ يُتَحَنَّن عَلى أيتامِكُم، وتوبوا إلَى الله مِن ذُنوبِكُم، وَارفَعوا إلَيهِ أيدِيَكُم بِالدُّعاءِ في أوقاتِ صَلَواتِكُم؛ فَإِنَّها أفضَلُ السّاعاتِ، يَنظُرُ الله ُ عزّ وجلّ فيها بالرَّحمَةِ إلى عِبادِهِ، يُجيبُهُم إذا ناجَوهُ، ويُلَبّيهِم إذا نادَوهُ ويَستَجيبُ لَهُم إذا دَعَوهُ .يا أيُّهَا النّاسُ، إنَّ أنفُسَكُم مَرهونَةٌ بِأَعمالِكُم فَفُكّوها بِاستِغفارِكُم، وظُهورَكُم ثَقيلَةٌ مِن أوزارِكُم فَخَفِّفوا عَنها بِطولِ سُجودِكُم، وَاعلَموا أنَّ الله - تَعالى ذِكرُهُ - أقسَمَ بِعِزَّتِهِ ألاّ يُعَذِّبَ المُصَلّينَ وَالسّاجِدينَ، ولا يُرَوِّعَهُم بِالنّارِ يَومَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ .أيُّهَا النّاسُ، مَن فَطَّرَ مِنكُم صائِماً مُؤمِناً في هذا الشَّهرِ كانَ لَهُ بِذلِكَ عِندَ الله عِتقُ نَسَمَةٍ ومَغفِرَةٌ لِما مَضى مِن ذُنوبِهِ». فَقيلَ: يا رَسولَ الله، ولَيسَ كُلُّنا يَقدِرُ عَلى ذلِكَ! فَقالَ (ص): «اِتَّقُوا النّارَ ولَو بِشِقِّ تَمرَةٍ، اِتَّقُوا النّارَ ولَو بِشَربَةٍ مِن ماءٍ .أيُّهَا النّاسُ، مَن حَسَّنَ مِنكُم في هذَا الشَّهرِ خُلُقَهُ كانَ لَهُ جَوازاً عَلَى الصِّراطِ يَومَ تَزِلُّ فيهِ الأَقدامُ، ومَن خَفَّفَ في هذَا الشَّهرِ عَمّا مَلَكَت يَمينُهُ خَفَّفَ الله عنهُ حسابَهُ، ومَن كَفَّ فيهِ شَرَّهُ كَفَّ الله ُ فيهِ غَضَبَهُ يَومَ يَلقاهُ، ومَن أكرَمَ فيهِ يَتيماً أكرَمَهُ الله ُ يَومَ يَلقاهُ، ومَن وَصَلَ فيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ الله برَحمَتِهِ يَومَ يَلقاهُ، ومَن قَطَعَ رَحِمَهُ قَطَعَ الله عنهُ رَحمَتَهُ يَومَ يَلقاهُ، ومَن تَطَوَّعَ فيهِ بِصَلاةٍ كُتِبَ لَهُ بَراءَةٌ مِنَ النّارِ، ومَن أدّى فيهِ فَرضاً كانَ لَهُ ثَوابُ مَن أدّى سَبعينَ فَريضَةً فيما سِواهُ مِنَ الشُّهورِ، ومَن أكثَرَ فيهِ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيَّ ثَقَّلَ الله ميزانَهُ يَومَ تَخَفَّفُ المَوازينُ، ومَن تَلا فيهِ آيَةً مِنَ القُرآنِ كانَ لَهُ مِثلُ أجرِ مَن خَتَمَ القُرآنَ في غَيرِهِ مِنَ الشُّهورِ .أيُّهَا النّاسُ، إنَّ أبوابَ الجِنانِ في هذَا الشَّهرِ مُفَتَّحَةٌ، فَاسأَلوا رَبَّكُم ألاّ يُغلِقَها عَلَيكُم، وأبوابَ النّيرانِ مُغَلَّقَةٌ فَاسأَلوا رَبَّكُم ألاّ يَفتَحَها عَلَيكُم، وَالشَّياطينَ مَغلولَةٌ فَاسأَلوا رَبَّكُم ألاّ يُسَلِّطَها عَلَيكُم». قالَ أميرُ المُؤمِنينَ (ع): فَقُمتُ فَقُلتُ: يا رَسولَ الله، ما أفضَلُ الأَعمالِ في هذا الشَّهرِ؟ فَقالَ: «يا أبَا الحَسَنِ، أفضَلُ الأَعمالِ في هذَا الشَّهرِ الوَرَعُ عَن مَحارِمِ الله عزّ وجلّ». ثُمَّ بَكى، فَقُلتُ: يا رَسولَ الله، ما يُبكيكَ؟ فَقالَ: «يا عَلِيُّ، أبكي لِما يُستَحَلُّ مِنكَ في هذَا الشَّهرِ، كَأَنّي بِكَ وأنتَ تُصَلّي لِرَبِّكَ، وقَدِ انبَعَثَ أشقَى الأَوَّلينَ والآخِرينَ، شَقيقُ عاقِرِ ناقَةِ ثَمودَ، فَضَرَبَكَ ضَربَةً عَلى فَرقِكَ (قَرنِكَ) فَخَضَّبَ مِنها لِحيَتَكَ». قالَ أميرُ المُؤمِنينَ (ع): فَقُلتُ : يا رَسولَ الله وذلِكَ في سَلامَةٍ مِن ديني؟ فَقال (ص): «في سَلامَةٍ مِن دينِكَ». ثُمَّ قالَ (ص): «يا عَلِيُّ، مَن قَتَلَكَ فَقَد قَتَلَني، ومَن أبغَضَكَ فَقَد أبغَضَني، ومَن سَبَّكَ فَقَد سَبَّني؛ لأَنَّكَ مِنّي كَنَفسي، وَروحُكَ مِن روحي، وَطينَتُكَ مِن طينَتي... ». فهذا الفضل العظيم الذي أوضحه الحديث النبوي هو بعض من عطاء الله ورحمته في هذا الشهر بالإضافة إلى الأحاديث الأخرى عن النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام) التي أوضحت بعض الخصائص الأخرى لهذا العطاء الإلهي العظيم الذي لا يقدر عليه سواه، ومن ذلك ما يلي: عن النبيّ (ص) أنّه قال: "مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه". فكأنّ الشهر يعدل حجّاً آخر لعباده إذ يعود الإنسان كيوم ولدته أُمّه عند أداء الصوم بشروطه الكاملة في شهر رمضان. عن أمير المؤمنين (ع) في شرح بعض فضائل الشهر المبارك قال: "لما حضر شهر رمضان قال رسول الله (ص) فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيُّها الناسُ كفاكُمُ الله عدوَّكُم من الجنِّ والإنس، وقال: (رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، ووعدكُم الإجابة، ألا وقد وكَّل الله بكلِّ شيطانٍ مريدٍ سبعةً من ملائكتِهِ، فليس بمحلولٍ حتى ينقضي شهركم هذا، ألا وأبواب السماء مفتَّحة من أوّل ليلةٍ منه، ألا والدُّعاء فيه مقبولٌ". وعن الإمام الصادق (ع) قال: "الصائم في عبادةٍ وإن كان نائماً على فراشه ما لم يغتب مسلماً". وعن الإمام الباقر (ع) قال: "إنّ لله ملائكةً موكّلين بالصائمين يستغفرون لهم في كُلِّ يومٍ من شهر رمضان إلى آخره وينادون الصائمين في كُلِّ ليلةٍ عند إفطارهم ابشروا عباد الله (الحديث)". أمّا الجائزة العظمى والورقة الفائزة في هذا الشهر فهي ليلة القدر التي جعل الله الثواب فيها خير من ثواب ألف شهر فيما سواها، أي ما يزيد على عبادة ثلاثة وثمانين سنة (ليلَةُ القَدْرِ خَيرٌ من ألْفِ شَهرٍ)، هذا فيما إذا كان الألف رقماً حقيقياً، أما إذا كان الألف رقماً نسبياً للدلالة على الكثرة كما يقال في الأربعين والسبعين، وكما يقول النّاس في وصفهم (لو توسل بي ألف مرة لما أجبته لما يريد)، فعند ذلك يمكن أن نتصور كم ألف تعدل هذه الليلة المباركة إذا توفّق الإنسان لأدائها بشروطها التي يريدها الله، وكم هو مدى عطاء الله وكرمه وفضله على عباده.

ارسال التعليق

Top