• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حين تزهق أرواح نصف مليون إنسان لأجل النفط!!

د. أماني القرم

حين تزهق أرواح نصف مليون إنسان لأجل النفط!!

تسنى لي مؤخراً مشاهدة فيلم «Vice» أو «نائب»، وهو أحد أكثر الأفلام جدلاً ومشاهدة في الأيام السابقة ومن بين الأفضل ترشيحاً للجوائز العالمية مثل الجولدن جلوبو الأوسكار. وأنا لست من النقاد الفنيين أو بالأصح لا أمتلك هذه الموهبة لأكتب عن الفيلم، ولكن ما استفزني هو مدلولات قصته وأبعادها التي تمس وبصورة مباشرة واقعنا العربي.

يتناول الفيلم قصة صعود ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، منذ أن كان شاباً سكّيراً مقامراً مستهتراً فاشل دراسيّاً وحتى أصبح أحد أهم الشخصيات في تاريخ أمريكا وربما في العالم. الفيلم يركز على دور تشيني  الأساسي في صنع السياسة الأمريكية إبان تلك الفترة، وتحديداً قرار الحرب على العراق 2003 الذي خطّ فاصلاً زمنياً بين ما بعده وما قبله، وغيّر مساراً للتاريخ جالباً معه فوضى وتردي أخلاقي وسياسي ستبقى آثاره تعصف بالمنطقة العربية حتى زمن قادم.

 والمعروف أنّ وظيفة نائب الرئيس في الدستور الأمريكي - رغم أنّها ثاني أرفع منصب - هي وظيفة رمزية لا يملك مَن يتولاها أية صلاحيات تنفيذية إلّا تلك التي يوليها إليه الرئيس. بمعنى أنّ النائب شخصية الظل إذا غاب الرئيس لسبب أو لآخر مثل الموت أو الخيانة أو الاستقالة يحل محله النائب بفعل الدستور.

لكن تشيني حالة مختلفة، فهو بلا منازع أقوى نائب رئيس عرفه تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق. ويظهر الفيلم في مشهد كوميدي  كيف أن تشيني استطاع انتزاع الصلاحيات من رئيسه مستغلاً غباءه وتهوره وضحالة خبراته السياسية ومعلوماته الخارجية. بوش الابن يتناول الدجاج المقلي،  فيما تشيني يشترط عليه للموافقة على المنصب إعطاءه صلاحيات الاشراف على أُمور الطاقة والبيروقراطية والسياسة الخارجية ليصبح المتنفذ رقم 1 في كافة شئون الولايات المتحدة.

لا يركز الفيلم على تشيني وحده كحالة سياسية، بل يتناوله كرجل له حياة عائلية وزوجة. وبرأيي أنّها الدافع الرئيسي وراء صعوده حيث يظهر الاثنان معاً كالزوج الحديدي الذي لا يقهر أبداً.. في المقابل يظهر تشيني كأب حنون يراعي ابنته مثلية الجنس رغم قناعاته المختلفة للدرجة التي رفض فيها الترشح للرئاسة الأمريكية خوفاً مما قد تتعرض له هذه الابنة من تشهير ومضايقات!!

ذروة الكوميديا السوداء في الفيلم تكمن في أمرين:

الأول: مشاهد الاجتماعات التي تظهر من ناحية تشيني وفريقه الخاص بالطاقة وقد اتخذوا مسبقاً قرار السيطرة على حقول النفط في العراق قبل أحداث 11 سبتمبر 2001. وتشيني وقادة واشنطن في المكتب البيضاوي من ناحية أخرى مع الرئيس الأمريكي يتناقشون في قرار الحرب على العراق. وحين بدا تردد وعدم رضا البعض مثل كولن بأول وكوندليزا رايس التي نقلت وجهة نظر إسرائيل التي كانت ضد الحرب واعتبرت صدام لا يمثّل تهديداً، إلّا أنّ تشيني توجه مباشرة إلى بوش الابن قائلاً: دعني أقضي على صدام! وقد كان!

أمّا الثاني: فهو مفارقة شديدة السخرية تتمثّل في البحث عن أي سبب لتبرير قرار الحرب. بمعنى أنّهم لا يكتفون بشن الحرب فحسب، بل ويحاولوا تجميلها أيضاً لتوائم سياق قانوني دولي أو فكري سخيف! مثل الادعاء بعلاقة النظام العراقي بالقاعدة، وامتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل وجميع هذه الأسباب الواهية ثبت كذبها الفاضح. ولكن مثل ما يقول المثل: «بعد خراب مالطا»!

شعرت بكثير من الأسف والحزن والغضب وأنا أشاهد الفيلم، فرغم أنّ المعظم منّا يعلم هدف الحرب على العراق إلّا أنّ عرض الاستهتار بنا والطريقة المهينة التي يتم فيها وزن المنطقة العربية في حسابات المسؤولين الأمريكان وكأنّها لعبة شطرنج يحركون قطعها ويقضون على الآخر كيفما شاءوا دون اعتبار لقيمة الأرواح التي أزهقت وللبلاد التي دمرت وعاثوا فيها فساداً.

ديك تشيني لم يفكر أن يرشح نفسه للرئاسة لأنّه خاف على مشاعر ابنته الشاذة مما قد تتعرض له من هجوم، ولكنّه أطاح هو ومجرمو الحرب ببلد وبمئات الآلاف من البشر وخلّف مصائب وويلات كثيرة دون أدنى ندم كما جاء في نهاية الفيلم .

أنصح الجميع بمشاهدته فهو مرآه لضعفنا وذكرى لبلد كان يوماً ما عامراً.

ارسال التعليق

Top