• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دبلوماسية تويتر أو «تويبلوماسي»... الشفافية أفضل للجميع!

د. أماني القرم

دبلوماسية تويتر أو «تويبلوماسي»... الشفافية أفضل للجميع!

يبدو أنّه مقدّر للعرب أن تلعب الرسائل دوراً في صياغة تاريخهم وحاضرهم وتكون وسيلة لخداعهم أيضاً. في أوائل القرن الماضي كانت هناك رسائل شهيرة غيّرت مسار التاريخ ومعالم الشرق الأوسط أبرزها: مراسلات حسين/ ماكماهون العشرة خلال العامين 1915 و1916 بين الشريف حسين والسفير البريطاني ماكماهون التي وافقت فيها بريطانيا على الاعتراف باستقلال العرب. ثمّ تبيّن أنّ بريطانيا كاذبة بتوقيعها اتفاقية سايكس بيكو وإرسالها رسالة أُخرى كاتبها وزير الخارجية  اللورد جيمس  بلفور إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الصهيونية في العام 1917 عرفت باسم «وعد بلفور» المشئوم علينا.

ومع تقدّم الزمان وتراجع الورقة والقلم وطول المسافات أمام الموبايلات الذكية وشبكة التكنولوجيا الرقمية احتلت رسائل الواتس آب وتغريدات التويتر وبوستات الفيس بوك هرم التواصل بين البشر وقادتهم من المشرق إلى المغرب. وربّما بعد سنوات سينسى الناس كيف كانت تُكتب الرسائل فلم يعد هناك وقت لكتابة  عزيزي فلان أو علان!

يعد تويتر هو قناة التواصل الاجتماعي المفضلة لمعظم قادة العالم. وأصبح  الآن ما يعرف بدبلوماسية تويتر أو «تويبلوماسي» والتي هي فن استخدام هذه الوسيلة الحديثة من قبل الحُكّام لتوصيل الرسائل والتعبير عن المواقف وللتفاعل مع الجماهير ولتوطيد العلاقات من منطلق قاعدة أنّ كسب العقول والقلوب هو المفتاح لبناء التحالفات. كما هي منصة أيضاً لتوتير الأجواء وللخلافات والسجالات فيما بينهم، ولإدارة شؤون البلاد ولا مانع من عزل الوزراء وتغيير الحكومات بتغريدة أو تويتة..

وفي حين أنّ 97% من حكومات العالم ورؤسائها يغردون عبر تويتر ويتابعهم حوالي نصف مليار إنسان حول العالم، فإنّ 3% الباقين يعتبرون في حسابات الدبلوماسية الرقمية متخلفين  وخارجين عن ركب الديبلوماسية الحديثة وهم ستة حكومات: نيكاراغوا وموريتانيا وكوريا الشمالية ولاوس وسوازيلاند وتركمنستان. الجدير بالذكر أنّ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الوحيدة أوروبيّاً التي تملك حساباً غير نشط على تويتر!!.. وطبعاً يعدّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرائد في استخدام هذه الدبلوماسية الغير تقليدية منذ انتخابه، والأوّل عالمياً في عدد المتابعين له الذين يبلغ عددهم حوالي 53 مليون، وبلا شكّ الأجرأ  فتغريداته تطيح يميناً وشمالاً دون علاقة بالديبلوماسية. وقد نالنا نحن الفلسطينيون منه كمية لا بأس بها من التغريدات المهددة والمتوعدة.

ولأنّ التشاركية والتشبيك هما سمتا هذا العصر، لذا تجد أنّه من الصعب جدّاً أن تقطع إحدى الدول علاقاتها كلّية بالأُخرى. فتويتر كفيل بجمعهما معاً! وعليه ليس من الغريب أن تصطدم بعدوك وأنت تطلق تغريدة. فالرئيسان الأمريكي والإيراني يهددان بعضهما على تويتر!

جيسون جرينبلات أحد مهندسي صفقة القرن المزعومة اكتشف أنّه يمكن الحديث والتفاوض  مع الفلسطينيين عبر تويتر رغم الرفض القاطع من الجانب الفلسطيني لقاء المسؤولين الأمريكان. حيث شهدت الأيّام السابقة سلسلة تغريدات لجرينبلات تعليقاً ورداً على تغريدات لحنان عشراوي ونبيل أبو ردينة تتمحوّر حول صفقة القرن ووقف المساعدات الأمريكية للفلسطينيين.. ويبدو أنّ جرينبلات سعيداً بهذا الاختراق فقد غرد قائلاً: «مَن قال إنّنا لا نتحدث.. نحن نتحدّث علانية أمام الجميع كي يفهم فالشفافية أفضل!» حسب قوله.

وقد انتبهت السيِّدة حنان عشراوي بفطنتها للأمر فهاجمت  دبلوماسية تويتر قائلة بأنّها دبلوماسية العقول الضيِّقة والمفكرات الضعيفة ومَن يقتنع بأنّها ناجعة وقادرة على صنع شراكات وتفاعلات فهو يخدع نفسه..

وما بين تغريدات عشراوي وأبو ردينة وردود جرينبلات، تبقى المسائل عالقة على أرض الواقع أو على الأقل في هذا القرن.. ربّما في القرن القادم ستحل التغريدات مشكلة اللاجئين والمستوطنات والقدس وتبنّي الدولة!!

ارسال التعليق

Top