• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحشد الشعبي: احتمالية الصراع ما بعد الانتصار

د. أسعد كاظم شبيب

الحشد الشعبي: احتمالية الصراع ما بعد الانتصار

قضية مداهمة مقر فصيل مسلح واعتقال قائده المباشر، بعد توجيهه نقد لممارسات وسلوكيات ينتهجها أعضاء وأشخاص يحسبون أنفسهم على بعض الفصائل المكونة لهيئة الحشد الشعبي، أثارت مجموعة من علامات الاستفهام حول مستقبل توازن القوى للمجموعات المنضوية تحت عنوان هيئة الحشد الشعبي، على الصعد السياسية والعسكرية، واحتمالية تصاعد الصراعات الداخلية.

 فبعد أن ظهرت هذه المجموعات كقوى عقائدية منسجمة خاضت أشرس المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي، واكتسبت الشرعية الشعبية والدينية أثر صدور فتوى الدفاع المقدس من قبل المرجعية الدينية المتمثلة بأية الله العظمى السيِّد علي السيستاني رغم أنّ بعض فصائلها تقلد وتتبع مرجعيات دينية أخرى في إطار جغرافي وسياسي، واستطاعت هذه القوى إلى جانب القوات العسكرية العراقية من جهاز مكافحة الإرهاب، والشرطة الاتحادية، والقوات الأمنية الرسمية الأُخرى، وبدعم جوي من قوات التحالف الدولي من دحر تنظيم داعش الإرهابي من مناطق غرب وشمال بغداد.

وبعد ذلك، خاضت أغلب المجموعات المكونة لهيئة الحشد الشعبي بعناوين حزبية وعقائدية وسياسية الانتخابات النيابية منتصف عام 2018 في تكتل واحد تحت مسمّى تحالف الفتح المتكون من منظمة بدر، وعصائب أهل الحقّ، وحقّقت تقدّم ملحوظ بعد تحالف سائرون المتكون من بعض القوى المدنية والتيار الصدري، الذي بدوره فضّل أن يرفع شعار مكافحة الفساد والمطالبة بالإصلاح بطُرق مختلفة ومنها: الاحتجاجات الشعبية رغم أنّ لديه فصيل مسلح شارك في عمليات عسكرية متعدّدة ولا يزال متواجد في سامراء، كما أنّه سبق وأن بدأ تعارضه مع الرؤى والتوجهات التي تسلكها بعض الفصائل التابعة للحشد الشعبي، وإذا تركنا هذا الخلاف على جانب، لاسيّما بعد محاولات احتوائه، آخرها التفاهم السياسي بين تحالف الفتح بقيادة السيِّد هادي العامري، وسائرون بقيادة السيِّد مقتدى الصدر، وركّزنا فقط على الخلاف الأخير الذي بدا واضحاً ما بين فصائل كانت تحسب في هيئة الحشد الشعبي منسجمة مثلما أشرنا.

من هنا، هل التقدّم العسكري الذي حصل في العراق وسوريا له علاقة بعزل بعض القوى التابعة للهيئة وبالتالي الاستغناء عن خدماتها والتنكر لجهودها؟، أم أنّ هذه القوى المستغنى عنها اليوم عملت مراجعة ذاتيه لوجودها العسكري لاسيّما في المواقع الحربية خارج العراق؟

لا يبدو كلا الاحتمالين وارد بسبب أنّ الأوضاع في العراق وسوريا لا تزال تواجه خطر التنظيمات الإرهابية، كما أنّ الصراع الإقليمي لم ينتهِ، خاصّة احتمالية التصادم بين حلفاء إيران كحزب الله من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين أو معارضة ما تعده التواجد العسكري الأمريكي في العراق، لاسيّما بعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أنّ تواجد قواته العسكرية في العراق الغرض منها مراقبة تحركات إيران، وبالتالي فإنّ القوى التي تربطها علاقات روحية وسياسية بإيران عارضت بشده هذا التصريح ووعدت الرئيس الأمريكي ترامب بإجراءات سياسية سريعة، وعسكرية إذا اقتضى الأمر.

أمّا عن المراجعة الذاتية لتواجد بعض من قوات الحشد الشعبي خارج العراق فهي غير واضحة أيضاً ولا يوجد بيان أو تصريح أو أثر عملي يؤشّر على ذلك، خاصّة وأنّ بعض هذه القوى كانت من الطليعة التي خاضت الحرب إلى جانب النظام السوري ضد التنظيمات الإرهابية طيلة سبع سنوات.

أمّا الاحتمال الآخر، فيتعلق بالثقل السياسي لكلّ فصيل مسلح في التمثيل البرلماني والوزاري بعد الانتخابات النيابية العامّة، فهناك قوى احتلت مكانة متقدّمة كقوى منظمة بدر والعصائب، ممّا يجعل هذه القوى تلعب دوراً مؤثراً ليس فقط في الجانب السياسي، وإنّما في مفاصل هيئة الحشد الشعبي، وترى نفسها هي مَن تمتلك حقّ التمثيل السياسي والشعبي للجمهور الذي تسميه بجمهور المقاومة، وتريد أن تعمل على تصفية باقي رموز بعض المجموعات التي قد تشكّل عنصر إزعاج بتصريح أو ممارسة مثلما أبعد القيادي في منظمة بدر كريم النوري، والحديث أيضاً عن إبعاد وزير الداخلية في حكومة العبادي قاسم الأعرجي، واعتقال الشيخ أوس الخفاجي قائد فصيل لواء أبو الفضل العباس مؤخراً.

أمّا القول من أنّ هذه المجموعات خارجة عن القانون فيبدو إدعاء واهم بنظر مراقبين، فكيف يكون هناك مقر وهمي على سبيل المثال، أو أنّ قائده لا ينتمي للحشد، وقادة الحشد تجتمع به وتُطلعه على مجريات المعارك، وأنّ له صور يظهرُ فيها مع عدد من كبار قادة الحشد يتوسطهم، والجانب الأهم إذا كان هناك توجه بالعمل على ربط كلّ المنتسبين لسلطة القوانين الانضباطية سواء كان قانون العقوبات العسكرية أو قانون هيئة الحشد الشعبي فهو أمر مستحسن، ويعضد من مكانة هذه المؤسّسة التي بذلت جهود وتضحيات لا تنكر، ويجعلها بعيدة عن الاتهامات التي قد تطالها من جراء بعض التصرّفات التي قد تعدّ فردية.

ارسال التعليق

Top