• ١٨ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١١ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مجالس المحافظات: بين الهدف السياسي والبعد القانوني

علي مراد العبادي

مجالس المحافظات: بين الهدف السياسي والبعد القانوني

 إذا عدنا إلى ما شهده العراق من مركزية مفرطة سبقت عام 2003 وما نتج عن هذه المركزية من مشاكل متعدّدة، جعلت القوى السياسية بأغلب انتماءاتها تأخذ بمبدأ اللامركزية من دون الاتفاق حول آلية تطبيقها والتوقيت المناسب لها، ومن جهة أُخرى فقد توجه جانب آخر من القوى السياسية نحو المطالبة بالفدرالية كأساس للمرحلة القابلة، في حين طالبت قوى سياسية بالأقاليم على غرار كردستان التي أصبحت واقع حال، إذ إنّها أصغر من دولة وأكبر من إقليم.

 وفي ظل اختلاف الرؤية في الطرح جرى التعامل مع اللامركزية الإدارية عن طريق زيادة صلاحيات المحافظات غير المرتبطة بإقليم، ولا سيّما قانون رقم (21) لسنة 2008 والذي لا يزال محل جدل حتى بعد نقل صلاحيات قرابة ثماني وزارات إلى المحافظات، ومع ذلك لا تزال تشهد المحافظات مشاكل وعلى المستويات كافة، إذ انحرفت المجالس عن الهدف المرسوم لها وبدا عليها النزاع السياسي أكثر من دورها الخدمي، ومع تصاعد المطالب بحلها أو تسوية أُمورها لكنّها ظلت تواجه واقعين هما: الواقع القانوني والواقع السياسي ومثلما يأتي:

الواقع القانوني:

الدستور العراقي منح صلاحيات إدارية ومالية كبيرة للمحافظات غير المرتبطة بإقليم لتتمكن من إدارة شؤونها وتنظيمها على وفق اللامركزية الإدارية مثلما موجود في المادّة 122 من الدستور العراقي الدائم لعام 2005، فضلاً عن المادّة 123 والتي بموجبها يحقّ للحكومة الاتحادية أن تتنازل أو تمنح بعضاً من صلاحياتها للمحافظات، وهو بذلك أعطى اعترافاً بصلاحيات المحافظات.

وأمّا قانون المحافظات غير المرتبطة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 فقد نظّم صلاحيات واختصاصات المحافظات. وإذا ما أراد البرلمان إلغاء هذا القانون فيحتم عليه إصدار قانون آخر ليحل محل الأوّل شريطة أن يضمن صلاحيات تلك المحافظات بما يتلاءم والدستور العراقي، وبالرغم من حراك البرلمان الأخير القاضي بحل مجالس المحافظات أو سحب الصلاحيات لحين إجراء انتخابات بسبب انتهاء المدّة القانونية منذ أكثر من عام، لكن الأمر يبدو معقّداً وذلك لأسباب عدّة وفي مقدّمتها الأسباب السياسية.

الواقع السياسي:

 لم تختلف الحالة السياسية للحكومات المحلية عن ما يدور في أروقة الحكومة الاتحادية بل إنّها تمثّل انعكاساً لحالة انعدام الاستقرار السياسي، والأزمة الأخيرة خير دليل على ذلك، ففي أعقاب وصول عدد من أعضاء مجالس المحافظات والمحافظين لمجلس النواب العراقي وبقاء مناصبهم شاغرة ابتدأت معها حالة من التوترات السياسية للظفر بتلك المناصب، ولا سيّما في الكتل السياسية الكبيرة بعد أن شعرت بضعف تمثيلها على مستوى الحكومة الاتحادية واصطفاف حالة جديدة من التوافقات تختلف عن سابقاتها، فمحافظة بابل ذهبت لدولة القانون بالرغم من اعتراض سائرون والحكمة ممّا حدى بهم لتحريك بقيّة المحافظات وإعادة خارطة التوافقات مثلما هو الحال في البصرة وواسط والنجف وكربلاء التي شهدت تنحية محافظيها وصولاً للعاصمة بغداد التي لا يزال الغموض يكتنف المشهد هناك بالرغم ممّا أسفرت عنه الخلافات من وجود محافظين اثنين أحدهما يمثل سائرون بعد التصويت على مرشحهم (فاضل الشويلي) الأمر الذي جعل دولة القانون تعيد التحالفات والتصويت على مرشح دولة القانون (الجزائري) ومع هذا فإنّ الأمر لم يحسم، إذ لا تزال القضية معروضة أمام القضاء ورئاسة الجمهورية.

 إنّ ما شهدته المحافظات من حراك يأتي في إطار التهيؤ المُسبق للانتخابات المحلية القادمة ولا سيّما ممّن يبحثون عن تمثيل كبير في الحكومات الاتحادية على أساس إنّ المحافظات هي على تماس مباشر مع المواطن وأكثر تأثيراً، فضلاً عن إنّها بوابة لكسب التأييد الشعبي إذا ما عملت على ذلك، كما لجأت بعض الكتل لزج الشارع في صراعها مع الكتل الأُخرى مثلما حصل في البصرة عندما تجمهر عدد من المواطنين لمحاصرة مبنى المحافظة لمنع انعقاد جلسة إقالة المحافظ أسعد العيداني بعد أن اتّفقت الكتل على الإطاحة به في أعقاب صعوده للبرلمان قبل أن يقدم على انسحابه مؤخراً، وهنا لابدّ أن يذكر إنّ مَن يقود هذا الحراك تيار الحكمة بعد الاتفاق مع سائرون على منصب محافظ البصرة في مقابل ذهاب منصب محافظة بغداد للأخيرة.

 وأخيراً، لا يمكن فصل ما يحدث في المحافظات عن الصراع في الحكومة المركزية لترابط الأمرين ومعنى ذلك من الصعوبة الحديث عن حل أو تعديل أو ضبط عمل الحكومات المحلية ما لم يتم تصحيح المنظومة السياسية برمتها والأمر يتطلّب مراجعة شاملة لمختلف مفاصل العمل السياسي، لهذا لابدّ من وضع توصيات عدّة أمام صانع القرار لتصحيح مسار عمل المحافظات منها:

1- تقليص إعداد تلك المجالس لما تشكله من عبء مالي فضلاً عن صعوبة الاتفاق على قرار إلى جانب إنّها تمثّل ساحة للصراع السياسي والحزبي.

2- إعادة النظر بمجمل القوانين الانتخابية وتقسيم المحافظة لعدّة دوائر انتخابية بما يضمن تمثيل عادل لكلّ الأقضية، وعدم احتكارها بمراكز المحافظات وهي خطوة تحد من الاستئثار بالسلطة واستغلال المناصب، وتساهم بإدراك عضو الحكومة المحلية بضرورة تقديم الخدمات للمناطق جميعها.

3- من الضروري إيجاد تشريع قانوني وانتخابي يلزم به عضو المجلس المحلي بعدم الترشيح لمجلس النواب شريطة الاستقالة قبل مدّة من إجراءها حتى لا تكن بوابة لاستغلال المناصب وحلبة للصراع ما بعد صعود محافظي تلك المحافظات.

4- حسم موضوع الصلاحيات من خلال تعديل قانون 21 وإيجاد صيغة لتوزيع الصلاحيات ما بين المحافظات والوزرات وتجاوز عقدة تقاطع الصلاحيات ما بين الطرفين.

5- تفعيل الرقابة الرسمية والشعبية لتقويم أداء مجالس المحافظات.

ارسال التعليق

Top