• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بين العيد ووداع رمضان

بين العيد ووداع رمضان
◄الحمد لله مقلب الحياة بين أتراح وأفراح، خالق الناس وقابض الأرواح، والصلاة والسلام على مَن مَنّ الله ببعثه ليخرجنا من الظلمات إلى النور، فاتبعه وآمن به من أراد الله به الخير، وأضلّ أقواماً علم فيهم الشر، صلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله، ومن أتبعك، واهتدى بهديك إلى يوم الدين. ناديتُ يا أيام توقفي، فلم تجبني.. ناديت بأعلى صوتي: يا أيام لا تتجاوزيني، فلم تأبه بي.. واستمرت عجلة قطار الزمن تقطع الفيافي والآفاق، فازدادت حسرتي، واغرورقت عيناي، أمسكت الدمع أمام الناس مخافة الشماتة.. ولكن الآلام كادت تعصرني وكاد صدري ينفجر، ولكن سرّى عني علمي أنّ الأيام دول، فأخذت ألملم شعثي لأعاود المسير، نعم.. إنّ الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، والأيام تتجاوز من تجاوزها، والزمن يسبق من تراخى أو كسل. قبل أيام كنا ننتظر ضيفاً عزيزاً بفارغ الصبر، وجاءنا.. وكأننا على غير ميعاد.. وتنكر الكثير منا له، وطرق الباب عزيزاً كريماً، إختلطت على محياه ملامح العزة بالحزن، والكآبة، والانكسار.. سألته: يا رمضان.. يا شهر الخير ما لي أراك على غير عادتك؟ فأجابني والأسى يقطر من عينيه: إن أمتك تنكّرت لي وعقتني. نعم.. جاءنا الضيف وعليه ثوب الوقار، ولسان حاله يقول: يا من تنكّرت لنفحاتي، فإني لا أتنكر لعباد الله، لأني شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، يا من عصيتَ الله تب إلى الله فيّ، يا من أسرفت على نفسك.. أمسك عليك نفسك، فإني شهر المحاسبة، يا أيها المتشرذمون، كفوا فإني شهر العمل والاتحاد والصفح عن الناس. ثمّ ها هو رمضان يودعنا وقد أذن بالرحيل.. يا رمضان لا ترحل وتتركنا للأهواء والمعاصي، لا تتركنا.. لا تذهب فتنفك الشياطين من أصفادها، يا رمضان.. يا رمضان.. لماذا لا تجيبني؟ ذهبت أصواتي أدراج الرياح. وجاء العيد.. ولكن لمن؟ ألليتامى؟ أم للمشردين؟ للذين يئنون تحت سياط الجلادين؟ أم للمساكين التائهين في الأرض؟ أم للمتخبطين في ضلالهم وليس لهم من رادع أو مرشد؟ الأعياد أجمل الأيام، ففيها ينظر الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أسرته نظرة تبصر الإعزاز، وإلى مدينته نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة الأخوّة والصداقة والمحبة والوئام. أقبل العيد ليملأ صباحنا إشراقاً وبهاءً، تزغرد العصافير، يفرح الأطفال.. مرحباً بالعيد.. وتمتزج المشاعر، ونختلف بدفء اللقاء، أيها العيد جئت تنثر الإبتهاج صباحاً ومساءً، ولكن تبقى في الحلق غصّة وألم.. نأمل ألا تفسد علينا فرحتنا ولقاءاتنا، نتلمس جراحاتنا الغائرة ونسمع أنّات إخواننا وزفراتهم المضطربة من بقاع شتى، وتنهال علينا علها توقظنا من سباتنا العميق. يطل علينا العيد.. وفي كل يوم تُنتهك فيه حُرمات المسلمين، وقد إزددنا تنازعاً، وفُرقة، وضعفاً ليقتطف عودنا ثمرة العمل الطويل، يأتينا العيد وكل منا قد أعجب برأيه، إزدرى مواقف إخوانه، قال تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/ 46). يا عيد.. لماذا جئتنا؟ التذكرنا بآلامنا وأحزاننا؟ أم لتزيد من تنجح العصاة والمنافقين؟ أم... أم... في النفس أسئلة حائرة لا تحصى.. وفي النفس مشاعر متضاربة. لكن مهلاً.. فبين العيد والوداع يلتقي حرفان: العين والدال، دع وعُد، فدع الذنوب والآثام أيها العاصي، وعد إلى الله تعالى بتوبة نصوح، وأنت يا أخي دع عنك الجبن والخور والتشرذم، وعُد إلى الله بأخلاق نبيلة وروح صافية، تجسّد فيها رفعة الإسلام وسماحته، ثمّ ودّع رفاة المسلمين الطاهرة، جمعنا الله وإياهم في جنان الخالدين. إخوتي.. ليس العيد لمن لبس الجديد، وإنما العيد لمن خاف يوم الوعيد، أعيادنا لا تنتهي، كُلّ يوم لا نعصي الله فيه هو لنا عيد، ولا يغرنك يا أخي غرور الكفرة وسطوتهم وفرحهم وغمنا، وسرورهم وحزننا ، فهم قوم عُجلت لهم طيباتهم، وأخرت لنا طيباتنا، فطوبى لمن عمل وجدّ واتقى وأصلح. آه.. يا زمن.. إن دورانك وتقلبك لبرهان على أنك لا تدوم على حال "فدوام الحال من المحال"، إن دورانك يعيد فينا الأمل بأن مجدنا لابدّ يوماً عائد، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور/ 55).►

ارسال التعليق

Top