• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حاجتنا إلى «القلب الكبير»

حاجتنا إلى «القلب الكبير»
◄الناظر في مجتمع الصحابة الأطهار، والمتأمل في أفعال وأقوال أولئك الرجال، يجد أنّ القوم لا يحملون في قلوبهم إلا محبة رجل واحد هو محمد (ص). وتساءلت – في نفسي – كيف وصل هذا الرجل العظيم إلى قلوب أولئك الرجال على اختلاف شخصياتهم، وافتراق طباعهم؟ الذي أعتقده أنّ هذا الحب قد زرعه المولى عزّ وجلّ في قلوبهم، لكن ديننا دين اقتداء، فهل كانت هناك أمور تحدث بين الحبيب وحبيبهم؟ أخذت أتصيّد كل ما يقع تحت يدي ليشرح لي هذا الحب الذي بلغ مبلغه، فما أراحني إلا كلمة جميلة قرأتها لسيد قطب – يرحمه الله – إذ يقول: "فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم، وضعفهم، ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم، ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم، ولا يعنهم بهمه، ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء". ثمّ يقول سيد – يرحمه الله –: "وهكذا كان قلب رسول الله (ص)". سبحان الله.. هكذا كان الرسول (ص) مع أصحابه يتعامل معهم. ويزيد سيد في مكان آخر – وهو يصف الداعية الرحيم الفاهم كأنّه يصف لنا أيضاً حبيبنا محمداً (ص) – فيقول: "عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أوّل وهلة، شيء من العطف على أخطائهم وحماقتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية (غير المتصنعة) باهتماماتهم وهمومهم، ثمّ ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حتى يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك.. متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص، هذه الثمرة الحلوة إنما تتكشف لمن يستطيع أن يُشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، وعلى أخطائهم وحماقاتهم كذلك.. وشيء من سعة الصدر في أوّل الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله أقرب مما يتوقع الكثيرون". نعم.. هذا ما كان يحدث بين النبي (ص) وأصحابه فكان ذلك الحب العميق. يا رسول الله إئذن لي بالزنى، ماذا فعل معه النبي (ص)؟ وكيف ناقشه؟ وقصته مع جابر عندما سأله: "أمتزوج أنت يا جابر؟.. والقصة معروفة. وكثيرة هي المواقف بين الصحابة والنبي (ص) وحتى بين النبي (ص) وغير الإنسان من الحيوان، والنبات، بل والجماد.. وكتب السيرة مليئة بتلك المواقف الرائعة. إنّه تعامل القلوب الواعية.. فهل يعي القوم هذا التعامل حتى يختصروا الوقت، ويكون إنتاجهم لدينهم كبيراً؟ الواقع أننا بحاجة ماسة لقراءة سيرة الرسول (ص) قراءة استنباط، وبحث عن وسائل النصر التي كانت موجودة. وصدق الله تعالى إذ يقول: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128).►   *كاتب من جدة

ارسال التعليق

Top