أثبتت الدراسات أنّ أفضل الوسائل للحد من سلوك الأطفال العدواني هو توفير بيئة منزلية مستقرة وآمنة، مع الضبط الحازم؛ لكن بلطف، لسلوكه ومراقبته وتتبعه طوال الوقت خلال عهد طفولته الباكر وأعوام ما قبل دخوله المدرسة. وأنّ كلّ مَن قد يشارك في رعاية طفل، فضلاً عن والديه، ينبغي له أن يكن مثالاً يُحتذى في سلوكه ويوافق على قواعد السلوك المتوقع منه الالتزام بها في التعامل مع الطفل المعني. وفي حالة مخالفة الطفل لأي من قواعد السلوك المهمّة التي يوصى بالالتزام بها يجب توبيخه في الحال حتى يفهم ما الذي بالضبط أخطأ في فعله.
- الأطفال بيئة خصبة للتعلُّم:
الأطفال لا يعرفون قواعد السلوك بالمنزل قبل أن يتم تعليمهم لها من قبل والديهما، والصغار من الأطفال شغوفون بطبعهم بلمس الأشياء واكتشافها، لذا من المنصوح به إخفاء المقتنيات والأشياء القيّمة التي لا نريد أن يلمسوها عنهم أو إبعادها عن أيديهم، وقد يعين في هذا السياق تخصيص جزء منفصل من المنزل يمكن للطفل أن يعلب فيه بالكُتُب والدُّمى.
وحتى يكن الضبط والتهذيب السلوكي للطفل أكثر فعالية ينبغي له أن يمارس بشكل مستمر وليس فقط عندما يسيء الطفل السلوك.
وفي الواقع يبدأ ضبط وتهذيب سلوك الطفل بابتسام الوالدين لصغيرهما وامتداح كلّ تصرف إيجابي ومناسب صدر عنه، وترسيخ وتشجيع الشعور لدى الطفل بأنّه محترم ومقدر وليس مُهاناً ومُحرجاً، سيساعد ذلك في أن يصغي الطفل لوالديه ويتعلّم منهما، بل ويبدّل سلوكه عند الضرورة.
إنّ الترسيخ الإيجابي لأشكال التصرف المرغوبة وتعليم الأطفال أشكال تصرف وسلوك بديلة، بدلاً عن الاكتفاء فقط بتوبيخهم عند تصرفهم بصورة غير مرغوبة، هو دوماً السبيل الأكثر فعّالية في تربيتهم.
- قدرة محدودة على السيطرة:
إنّ الطفل ليس له سوى قدرة طبيعية محدودة على السيطرة على ذاته وتصرفاته، لذا هو بحاجة لوالديه لكي يُعلِّمانه ألّا يركل الأشياء أو يلجأ للضرب أو العض عندما يكون غاضباً، وإنما يحاول التبعير عن مشاعره من خلال استخدام الكلمات، كما ومن المهم له في هذا السياق تعلّم التفرقة بين الإهانات الحقيقية والمتخيلة، وبين الدفاع المناسب عن حقوقه والمهاجمة بسبب دافع الغضب فحسب.
أدناه 6 نصائح للطريقة الأمثل لتعليم الطفل بصورة عملية كلّ ذلك:
مراقبة الطفل عن كثب عندما يدخل في نزاعات مع أقرانه في اللعب وعدم التدخل عندما تكون تلك النزاعات ثانوية، بل ترك الأطفال يحلونها فيما بينهم. ويتم التدخّل الضروري هنا عند تحوّل النزاع بين الأطفال إلى شجار بدني فعلي وعدم توقفه حتى من بعد إخطارهم بالكف عنه، أو حين يبدو أحد الأطفال في حالة هياج خارجة عن السيطرة تدفعه إلى العدوان على بعض الأطفال الآخرين بالضرب والعض. عند ذلك ينبغي فك اشتباك الأطفال حتى يهدأوا.
في حالة عنف المشاجرة لدرجة متطرفة ينبغي وقف اللعب كلياً وإفهام الأطفال أنّه لا عذر لهم لإيذاء بعضهم البعض.
لتجنب وضعيات الاحتكاك الخطرة بين الأطفال ننصح الوالدين بتعليم أطفالهم طُرُق للتعامل مع الغضب دون اللجوء لسلوك عدواني. ومما يعيّن هنا تعليم الطفل أنّ حل الخلافات عبر الحوار بالكلمات أكثر فعالية وتحضراً من حلها عبر العنف البدني، وامتداحه حين يتصرف بصورة مناسبة ووصفه بالنضج والعقلانية عند اتخاذه سبيل الحوار والكلمات بدلاً عن الضرب والعض واللكمات عند مجابهته للنزاع والخلافات.
كذلك من المرغوب فيه دوماً مدح تصرف الطفل حينما يتصرف بشكل عطوف ولطيف ومتفهم.
أيضاً ليس هنالك مانع من إلزام الطفل بقضاء فترة راحة وهدوء حينما يكون سلوكه غير مناسب أو مستحب، غير أنّنا ننصح بعدم اللجوء إلى ذلك إلّا عند الضرورة القصوى أو كحل أخير. وعند فعل ذلك يمكن إجلاس الطفل على كرسي أو الذهاب معه إلى مكان ليس فيه ما قد يشتت انتباهه أو ذهنه. بتلك الطريقة يمكن فصل الطفل عن سلوكه السيئ وإعطاؤه فرصة لتهدئة انفعاله. ومن المفيد في هذا السياق إفهام الطفل بصورة موجزة وبسيطة، لماذا تمّ التعامل معه بتلك الصورة. وعند انتهاء فترة الراحة والهدوء تلك ومن بعد أن يهدأ الطفل ويسكن، يكون الطفل قد تعلّم أنّ تلك الفترة تعني "الهدوء والسكينة".
وبحسب رأي الخبراء والمختصين، يمكن تحديد مدّة فترة الراحة والهدوء المعنية وفق عمر الطفل وذلك بحساب فترة دقيقة لكلّ عام من عمره، فإن كان عمره 3 أعوام مثلاً تحدد تلك الفترة بثلاث دقائق في كلّ مرّة.
ومن الوسائل الأفضل لتعليم الطفل حُسن السلوك والتصرف، سيطرة والديه على انفعالاتهما أمامه بحيث لا يبدي أي منهما غضبه بصورة عنيفة أو عدوانية، مما يشجع الطفل على أن يحذو حذوهما في ذلك. وإذا اضطرّ أحد الوالدين تأديب أحد أطفاله ينبغي له ألّا يشعر بالذنب بسبب ذلك، وإلّا فإنّ الطفل المعني قد يحس باختلاط مشاعره ومن ثمّ قد يقنع نفسه بأنّه لم يكن مخطئاً فيما فعل وإنّما "المخطئ" في ذلك هو مَن حاول تأديبه من الوالدين. وضرورة التأديب هنا كائنة في أنّ الطفل بحاجة إلى أن يفهم أنّه مخطئ عندما يكون مخطئاً حتى يتحمّل مسؤولية أفعاله ويصبح مستعداً لتقبل وتحمل نتائجها.
ماذا يفعل الوالدان عندما يصبح أحد أطفالهما عدوانياً بصورة غير اعتيادية لأكثر من أسابيع ولا تجدي محاولاتهما في التعامل مع حالته تلك؟
عند ذلك ننصح الوالدين باستشارة طبيب الأطفال الخاص بهما، ومن العلامات المُنذرة في هذا السياق:
- تسبب الطفل المعني في إيذاء نفسه أو أشخاص آخرين.
- عدوانه على والديه أو أشخاص راشدين آخرين.
- طرده من المدرسة أو منعه من اللعب مع الأطفال الآخرين من قبل الجيران أو المدرسة.
- خشية والديه بشأن سلامة وأمان مَن هم حوله.
سيقوم الطبيب المعني باقتراح عدّة وسائل لضبط سلوك الطفل وسيساعد والديه على تقرير ما إن يكن يعاني من اضطرابات سلوكية حقيقية. وفي حالة ثبوت معاناته من تلك الاضطرابات قد ينصح الطبيب بتحويله لمعالج نفسي. وفي تلك الحالة ستجرى مقابلات معه ومع والديه وقد يتم تتبع ودراسة تصرفاته في بيئات مختلفة مثل بيئات المنزل والمدرسة والتعامل مع الراشدين والأطفال الآخرين.
وبناء على ذلك، سيوضع للطفل برنامج من شأنه عونه على السيطرة على سلوكه والتحكم فيه، تجرب وفقه وسائل عدة لاكتشاف مدى فعاليتها في ذلك ومن ثمّ تستخدم الأكثر فعالية من بين تلك الوسائل معه، في المنزل وخارج المنزل، بهدف معالجته من سلوكه العدواني.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ تقدّم الطفل في العلاج وفق ذلك البرنامج قد يكن بطيئاً، عليه ننبه إلى أنّ أمثال تلك البرامج تفلح أكثر في إنجاز المراد منها عند الشروع فيها باكراً أو في أوان بدء الاضطرابات السلوكية لدى الطفل في الظهور والتصاعد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق