الشباب هذه القوّة الناعمة التي تحمل القوة العضلية والذهنية الوقادة، والطموح الكبير والواسع، والهمّة العالية للبناء والتطوّر. يفترض أن يكونوا العامل الأساس في بناء بلدهم وأُمّتهم. كُتِب الكثير عن شريحة الشباب، ودورها الحاسم والحيوي، في تطوّر الأُمم ومواكبة العصر ومزاياه، ولم يُشبع هذا المجال، رغم البحوث والدراسات والتجارب الكثيرة، التي تخصصت فيه، ذلك لأنّ الشباب هم نسغ الحياة الحيّ، والمتحرّك بقوّة، وقد أكّد العلماء والمختصون، أنّ حيوية الأُمم ترتبط على نحو حاسم، بحيوية ودور هذه الشريحة، ومدى قدرتها، على تحريك المفاصل المتنوّعة، لحياة الأُمم، في المجالات العملية والعلمية معاً.
الجميع يتفق على أنّ الشباب يشكّلون الفئة الأهم في المجتمع، وتُعدّ المجتمعات التي تقل فيها نسبة الشباب في تكوين النسيج المجتمعي، آيلة للزوال أو الانقراض، وقد يحدث الزوال أو الانقراض، من خلال إهمال أو تهميش شريحة الشباب، ومن ثمّ انتشار اليأس والخمول وقلة الإنتاج وما إلى ذلك، من عوامل تؤدِّي - مع التراكم الزمني - إلى ركل المجتمع الخامل جانباً، ووضعه قرب حافة الانقراض، أو العيش في هامش الحياة، كما هو حال الشعوب المتخلّفة.
حيث تقاس الدول المتحضرة بمدى اهتمامها بالشباب، فهم ثروة الوطن والذراع الثالث للتنمية في البلد.. فالشباب مساهمتهم كبيرة في رقي مجتمعاتهم وتطوّرها، والشاب المبدع هو الذي لديه القدرة على النظر للأُمور بطريقة مختلفة، ورؤية مغايرة، من أجل البحث عن حل للمشكلات بطريقة مبتكرة وجديدة، منطلقاً من مكوّنات الإبداع وهي العمل الإبداعي، والعملية الإبداعية، والموقف الإبداعي، بمعنى التعامل مع الأشياء المعتاد عليها بطريقة غير عادية، والمجتمع هو ما يعزّز هذا الإبداع ويستفيد منه. والشباب المبدع الرائد في أعماله وابتكاراته في مختلف المجالات الإبداعية، سواء كانت علمية، ثقافية، اقتصادية، اجتماعية، رياضية، يحتاج إلى مَن يحتضن ويهتم بإبداعه أياً كان.
كلّ الأُمم والشعوب تتطلّع باستمرار إلى تجديد شبابها وحيويتها، حتى يتسنى لها الوصول إلى غاياتها والحفاظ على منجزاتها ومكاسبها.. وتتعدّد وتتنوّع وسائل وأساليب تجديد شباب الأُمم والمجتمعات باختلاف الظروف والأحوال، إلّا أنّ جميع الأُمم والشعوب - بصرف النظر عن ظروفها وأحوالها - تعتقد أنّ إحدى الوسائل المهمّة لإنجاز وتحقيق هذه الغاية النبيلة هي الاهتمام النوعي والمؤسسي بجيلها الشاب.. فهو إحدى الوسائل الحيوية لمشروع تجديد شباب المجتمع، كما أنّه إحدى الغايات النبيلة لأي مجتمع؛ حيث تعمل جميع المجتمعات (بتفاوت) من أجل بناء المؤسسات والقيام بالخطوات الضرورية للاهتمام بالجيل الشاب.. ونحن كمجتمع لا نشذ عن هذا السياق، ونعتقد أنّنا باستمرار بحاجة ماسة إلى الالتفات إلى المشروعات الوطنية الخاصّة بهذه الفئة المهمّة والحيوية من مجتمعنا.
وذلك للعمل المستديم لخلق الأُطر الفعّالة لاستيعاب هذا الجيل، والعمل على توفير كلّ أسباب وعوامل التميز والنجاح في مسيرته.. ومعايير ومقاييس تقدّم المجتمعات والأُمم مرهونة إلى حدٍّ بعيد في قدرة هذه المجتمعات، على توفير الأُطر والقيام بالمبادرات والخطوات الضرورية للاهتمام النوعي بجيلنا الشاب.. لا يكفي اليوم أن نفتخر أنّ أكثر من نصف مجتمعنا من الشباب، وإنّما الفخر الحقيقي هو حينما نبني المؤسسات، ونطوّر من عمليات الاستيعاب والاهتمام، بهذه الشريحة المهمّة من مجتمعنا.. فشباب الوطن اليوم، هم مستقبله القادم. وإذا أردنا القبض على مستقبلنا، فطريق ذلك هو الاهتمام بشبابنا.
فإنّ بذل الجهود المستمرة للاهتمام بتربية الشباب وصقل مواهبهم، وتفجير طاقاتهم، وتهذيب بعض التصرّفات التي لا تعكس وجه مجتمعنا المضيء، كلّها أعمال تستحق الاهتمام وبذل الجهود من أجل إنجازها.. لأنّ المجتمعات الإنسانية، لا يمكنها أن تتقدَّم وتنجز تطلّعاتها العامّة والحضارية، دون الاهتمام بالبُعد التربوي في حياة الإنسان.. وذلك لأنّ هذه التربية، هي الجسر الصلب الذي ينقل الإنسان من حالة الهامشية إلى تحمل المسؤولية، لهذا فإنّنا أحوج ما نكون اليوم، إلى مبادرات اجتماعية وثقافية تقوم بدور التهذيب الاجتماعي وتطوير نوازع الخير في نفوس الأجيال الطالعة.
كما إنّ البذل والعطاء المادّي والعقلي والاجتماعي والمعنوي هي جسر العبور لتطوّر المجتمعات وتقدّمها.. ومفهوم العطاء في الرؤية الإسلامية، يستوعب كلّ الحاجات التي يحتاجها الإنسان (الفرد والجماعة) في أطوار حياته المختلفة، لهذا فإنّنا بحاجة إلى بذل كلّ الجهود من أجل غرس قيم العطاء والبذل والتضحية في نفوس الشباب والأجيال الطالعة، ونهيب بجميع المؤسسات والمبادرات الاجتماعية، للاهتمام بهذه المسألة.. لأنّه حينما تتعزّز قيم العطاء في نفوس أبناء المجتمع، فإنّ مساحة العاملين في الشأن العام، ستتسع، وهذه من عناصر القوّة التي ينبغي أن نعزّزها في محيطنا ومجتمعنا.
لهذا فإنّ الاستماع إلى الشباب، والعمل على توفير الفرص بشكل دائم لهم يُعدّ من الضرورات القصوى، حتى يتسنى لهم خدمة وطنهم وتعزيز اقتصاده وتطوّره الحضاري. وبمقدار ما نعطي الشباب من اهتمام ورعاية واحتضان، بذات القدر نتمكن من توظيف طاقاتهم المختلفة لصالح الوطن والمجتمع وفرصة لبيان طاقاتهم وتوظيف إبداعهم المكنون.. فالشباب في كلّ المجتمعات والأوطان، هم عنصر الحيوية والفعالية، لذلك تعتني المجتمعات المتقدّمة بمشروعات الاستيعاب والرعاية لهذه الفئة والشريحة، حتى لا تضيع هذه الحيوية والفعالية في أُمور تافهة، أو في قضايا ليست ذات قيمة حضارية.
وتعلّمنا تجارب المجتمعات المتقدّمة، أنّ قوّتها الحقيقية في مواردها الإنسانية قبل مواردها الطبيعية والاقتصادية، لذلك من الأهميّة أن تتوجه الجهود والإمكانات لتطوير هذه الموارد وتوفير المناخ الملائم لمشاركتها في شؤون الوطن والمجتمع. فالشباب هم ثروة الوطن الدائمة، فتعالوا جميعاً نحافظ على هذه الثروة، ونطوّر من أوضاعها وإمكاناتها. وخلاصة القول: إنّنا ندعو إلى تكثيف الاهتمام والرعاية بالجيل الطالع، ونحثّ الجميع (كلّ من موقعه) إلى بلورة صيغة ومبادرة، تستهدف استيعاب طاقات شبابية جديدة في الأعمال والأنشطة الوطنية المختلفة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق