• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أطفالنا والقلق النفسي

أطفالنا والقلق النفسي

تعتبر مرحلة الطفولة حجر الزاوية التي تعتمد عليها المراحل اللاحقة من حياة الإنسان، فهي من أهم المراحل العمرية لأنّها المرآة التي نرى من خلالها مستقبل الأُمّة، فأطفال اليوم هم شباب الغد ورجال ونساء المستقبل، وبقدر الاهتمام بهم وإعدادهم الإعداد السليم تتقدَّم الأُمّة وترتقي. والأطفال أكثر عرضة للاضطرابات النفسية من الكبار؛ ولكن اضطراباتهم النفسية لا يعلن عنها بصورة أعراض مرضية مشابهة لما يحدث عند الكبار، والسبب في ذلك يرجع إلى أنّ الطفل لا يستطيع أن يعبر عن أفكاره أو عن أحاسيسه.

قد يُصاب الطفل في مراحل حياته ببعض الأمراض النفسية التي تعيق نموه النفسي، ومن أهم هذه الامراض النفسية القلق، الذي يعتبر من أهم الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان في العصر الحديث، كما يعدّ سبباً رئيساً لمعظم حالات السلوك غير المتكيف أو غير السوي الذي يصدر عن الإنسان.

ويعرف القلق بأنّه حالة نفسية تحدث حين يشعر الفرد بوجود خطر يتهدده ينتظر وقوعه أو يخشى من وقوعه، وهو ينطوي على توتر انفعالي، وتصحبه اضطرابات فسيولوجية مختلفة.

وفي حقيقة الأمر، القلق نوع من الانفعال العاطفي، ويعد ظاهرة عامّة لا تقتصر على المرضى النفسيين وحدهم، بل تمرّ بكلّ الناس عندما يواجهون ظروفاً معيّنة. والاختلاف بين الأفراد في هذا الأمر يكون عادة في درجة الاستعداد الشخصي وما يترتب عليه من تفاوت قدرات الأفراد في التحكم في انفعالهم العاطفي، وكذلك في الظروف والأحداث التي تحيط بهم.

 

 جوانب القلق:

1- الجانب الشعوري المتمثل في الشعور بالخوف والفزع والعجز والتهديد والإحساس بالذنب.

2- الجانب اللّاشعوري الذي يشتمل على عمليات معقدة متداخلة، فيعمل كثير منها دون وعي الفرد، فمثلاً يعاني الفرد المخاوف دون أن يدرك العوامل التي تدفعه إلى هذه الحالات.

 

  مستويات القلق:

يظهر القلق على درجات تتفاوت في الشدّة، ويمكن تمييز ثلاثة مستويات فيه:

1- المستوى الأوّل: يطلق عليه الهم أو الضيق (Worry)، أو العصبية (وهو حالات بسيطة من القلق).

2- المستوى الثاني: يدعى القلق (Anxiety)، وهو متوسط الشدّة ويظهر على شكل توتر وخوف من خطر قادم وشيك الوقوع وغير معروف أو واضح المعالم تماماً.

3- المستوى الثالث: هو القلق الشديد، ويطلق عليه اسم القلق العصابي (Neurotic Anxiety)، ويُسمّى بالعصاب لأنّه وصل إلى مرحلة العصاب، أي المرض النفسي.

 

 الفرق بين القلق والخوف:

يتشابه القلق مع الخوف في حالات كثيرة نتيجة لتماثل الأسباب، ويختلف عنه بصفة عامّة في:

1- مثير القلق غالباً ذاتي (والتهديد من شيء مجهول لا يدركه الفرد ولا يعرف مصدره)، أمّا الخوف عادةً فمصدره موجود في العالم الخارجي.

2- شدّة القلق تفوق شدّة الخوف، والخوف يكون متناسباً من حيث الشدّة مع الموضوع الذي أثاره (والقلق يعبر عن معانٍ داخلية، وينزع الشخص إلى وصف العالم الخارجي بهذه المعاني الذاتية).

3- الشعور بالعجز تجاه المصدر المجهول في حالة القلق، وعلى العكس من ذلك في حالة الخوف يكون الإنسان مستعداً ومتحدياً أو مواجهاً.

4- يستمر الشعور أو المعاناة من القلق فترة طويلة، بينما يبقى الخوف مؤقتاً ويزول بزوال المثير أو الخطر الخارجي الظاهر.

5- يصاحب القلق والخوف تغيرات فسيولوجية عديدة، إلّا أنّ الآثار التي يتركها القلق في الجسم أشد وأقوى وربما أخطر من آثار الخوف.

6- يلجأ الإنسان في مواجهة القلق إلى عدد من الحيل النفسية في الغالب، وتزيد خطورتها أو شذوذها بزيادة استعمال الإنسان لها أو إسرافه في استخدامها، بينما في الخوف يستخدم الإنسان قواه الجسدية والعضلية ويستعين بالأشياء المادّية، بعد الله تعالى.

 

 أعراض القلق النفسي في الطفولة:

هناك أعراض مباشرة وأخرى غير مباشرة للقلق النفسي في الطفولة:

1- أعراض مباشرة:

* زيادة في عدد مرّات التبول، وأحياناً حدوث تبول لا إرادي ليلي.

* إسهال وقيء وفقدان الشهية للأكل.

* اضطراب النوم.

* الإحساس بالضيق والعصبية والرغبة في البكاء وفقدان القدرة على التحكم في انفعالاته.

 

2- أعراض غير مباشرة:

* يفقد الطفل الثقة بنفسه ويصبح كثير البكاء.

* العناد والعنف والعدوانية.

* التأخر في المستوى الدراسي والهروب من المدرسة أحياناً.

* أعراض نفسية جسمانية كالصداع والمغص وفقدان الشهية.

 

 أسباب القلق النفسي في الطفولة:

الأطفال يخافون عادةً من أي شيء غريب أو موقف جديد يتعرّضون له لأوّل مرّة، ولذا يحتاج الطفل إلى مساعدة الكبار لتخطي أسباب الخوف غير الطبيعي ومشاعر الخوف المرضية التي تؤدي إلى اضطراب سلوكه وشخصيته، وبعض الأطفال يصيبهم القلق النفسي والخوف بصورة مبالغ فيها لمواقف معيّنة، منها:

* مغادرة الأُم للمنزل يوماً كاملاً وترك أطفالها بمفردهم.

* تغيير المدرسة أو تغيير السكن.

* الامتحانات المدرسية الصعبة.

* عصبية الوالدين وقلقهما المبالغ فيه، واحتمال انتقال هذه الأعراض بالوراثة إلى الأبناء، إذ إنّ هؤلاء الأبناء المعرضين للقلق النفسي يتحدّرون من أُسر تعاني القلق النفسي.

* سوء معاملة الأطفال بعنف وقسوة من آباء عصبيين.

* سوء معاملة الأطفال من المدرسين في المدرسة وتعرّضهم للعنف والعقاب.

 

 علاج القلق النفسي عند الأطفال:

يختلف العلاج من طفل لآخر وفق مصادره وأسبابه، ولذلك فإنّ علاج كلّ حالة يختلف عن الأخرى، ويتوقف علاج القلق لدى الطفل إلى حدّ كبير على تذليل الصعوبات التي يتعرّض لها حسب سنّه، فإذا كان عمره يسمح بالتعبير عن نفسه فيمكن علاجه عن طريق العلاج النفسي والتحدّث مع الطبيب النفسي عن المشكلات التي يعانيها.

أمّا إذا كان عمره لا يسمح بذلك، فيكون العلاج باللعب والرسم، للتخلص من قلقه من خلال هذه الوسائل التي ثبت نجاحها في العلاج. يضاف إلى ذلك من وسائل العلاج استخدام بعض الأدوية المهدئة التي تقود الطفل إلى السكينة والتخلص من صراعاته الداخلية، ويكون ذلك تحت إشراف الطبيب النفسي.

 

    أساليب علاج القلق لدى الأطفال:

* تقبّل الطفل وإعطاؤه شعوراً بالطمأنينة.

* تشجيعه على التعبير عن الانفعالات.

* تدريبه على التحدّث الإيجابي مع الذات.

* تدريبه على الاسترخاء العضلي.

إنّ الطفل إنسان منذ ولادته، لذا لابدّ من معاملته باحترام وإشعاره بفرديته، وبحقّه في التعبير عن رأيه، فأطفالنا أمانة في أعناقنا أهدانا إياها الخالق عزّوجلّ، ومن حقّهم علينا ألّا ندخر وسعاً في تربيتهم وتنمية مواهبهم وميولهم وقدراتهم واستعداداتهم إلى أقصى حدّ ممكن، وهذا لا يتأتى إلّا باتباع الأُسس العلمية في تنشئتهم، وتوفير أفضل الظروف الصحّية والاجتماعية والنفسية والتعليمية حتى ينشأ جيل جديد واثق بنفسه.

 

المصدر: مجلة العربي/ العدد 694 لسنة 2016م

د. محمد محمود العطار

ارسال التعليق

Top