الدكتور ميخائيل تيتْسه معالج ومحلِّل نفسي ومدير حلقات دراسية ومنظِّم مؤتمرات في مجال الفكاهة العلاجية. وقد وضع، فضلاً عن ذلك، كتاباً رائعاً بعنوان: "القوة الشافية للضحك"، أرى فيه ضرورةً لكل من يهتمّ بالضحك كمعالجة.
فيما يلي يجيب الدكتور ميخائيل تيتْسه، عن الأسئلة التي تتكرّر دائماً.
في حال التعرّق نتصبّب عرقاً، وعندما نبكي نذرف دموعاً. ما الذي يحصل في أثناء الضحك؟
أمور كثيرة! يتغضّن الأنف ويتوسّع المنخران. يُرمى بالرأس إلى الخلف وتُغمَض العينان. تتقلّص العضلة الوجنية وتشدّ الفم نحو الأعلى وتتكفّل بتعبير السرور. تتوتّر عضلة العين وتنشِّط في الدماغ مشاعر إيجابية. تؤدي العضلة الضحكية إلى توتّر 15 عضلة وجهية من بينها عضلات الكيس الدمعي، بحيث "نضحك وسط الدموع". يتوسّع الفم لأنّ الشهيق والزفير يتضاعفان (على دفعات). وفي هذه الأثناء تهتزّ الحبال الصوتية فتنطلق أصوات الضحك المتقطّعة النموذجية. كما ينشدّ القفص الصدري وبشكل مؤلم أحياناً، ويرتجّ الجسم. أما الحجاب الحاجز فـ"يرقص" مدلِّكاً الأحشاء.
أيماثل هذا تهليلاً نفسياً؟
حتماً. الضحك تعبير عن الانعتاق والاسترخاء. في الضحك نخرج عن كل ضبطٍ للنفس، ونستسلم كلياً لـ"حكمة الجسد" – على غرار ما يفعله المولود الحديث أيضاً. بذلك يمكن أن تسري فينا بهجة الحياة الأولية الخالصة.
ما المنبّه المسؤول عن ذلك؟
هذا السؤال كان قد طرحه إريك كيستنَر: "ممّ يضحك الإنسان؟". إنّه يضحك عندما يُدغدَغ. أو يضحك عندما يسمع الآخرين يضحكون. ولكن ممّن يضحك الإنسان عندما يركِّز قلبه وعقله؟ وسرعان ما يُقال: غالباً ما يضحك من المفارقات. وتنشأ "المفارقات" دوماً عند انقطاع المسار المألوف للأمور – أي ما نعدّه "طبيعياً" – بشكل مباغت، عندما يحدث شيء ما غير متوقِّع. قد يكون هذا هو الحال عندما يُصاب مغنّي أوبرا بالفواق مثلاً أو عندما ينزلق شخص له مكانته على قشرة موز. لا شك في أنّ هذا يبدو فكهاً ومضحكاً في كلّ مرة، أما إذا كان بالإمكان أو من الجائز أن يضحك المرء من قلبه فعلاً في مثل هذه المواقف، فهو أمر يتوقّف أيضاً على رقابة الضمير. بالمناسبة فإن كلاً من النكات المنافية للعقل والمنطق والتلاعب بالألفاظ والدعابات الطريفة يعيش من المفارقات البريئة. وهاكم مثالاً يقدّمه لنا وودي ألن: "تدّعي العدمية أن لا حياة بعد الموت. فكرة مُحبِطة ومثبِّطة خصوصاً بالنسبة لمن لم يحلق ذقنه!".
؟ ما الذي يُحدثه الضحك؟
= التنفّس ينشّط بشدة، بحيث يحصل تبادل متسارع بين الهواء المستهلَك والهواء الغني بالأوكسجين. ومن نتائج ذلك تشجيع عمليات الحرْق في الجسم. ضربات القلب تتسارع في البداية، ثمّ سرعان ما تتباطأ بوضوح بحيث ينخفض الضغط الدموي. العضلات الهيكلية تسترخي وتتحسّن التروية الدموية للعضلات عموماً. يجري تقويض هرمونات الكرْب وتنشيط غدد الهضم. يتم إنذار "شرطة الجسم الخاصة". هكذا يمكن أن تتزايد المواد المحتواة في الدم والتي تؤمّن الدفاع المناعي. أخيراً يتم إطلاق "هرمونات السعادة" المسكّنة للألم، الاندورفينات، والتي لا توجد في الدعم عادةً إلا في حالات نادرة (على سبيل المثال بعد جري مديد).
هل صحيح أنّ الضحك يقوّي الدفاع المناعي؟
بناء على الدراسات المراقَبة الأولى لعلماء الضحك الأمريكيين يمكن الاعتقاد أنّ الضحك يساعد في زيادة تلك المواد في الدم التي تخدم الدفاع المناعي. ومن هذه المواد اللمفاويات – T وخلايا – T المساعدة ذات الأهمية في مقاومة السرطان وأمراض القلب والأوعية. إضافة إلى أنّ الضحك يؤدّي إلى تزايد الخلايا القاتلة الطبيعية التي تلعب دوراً هاماً في التخلّص من الخلايا المتضرّرة والفاسدة. فضلاً عن ذلك يُحدث الضحك ازدياداً في الغلوبولينات المناعية، "الأضداد"، التي توافق الإصابة الجرثومية في ناحية الأعضاء التنفسية. كما يمكن إثبات زيادة في غاما – أنترفيرون في دم الأشخاص الذين ضحكوا بشكل وافر قبل ذلك.
؟هل يعدِّل الضحك من المزاج أم أنني أضحك لأن مزاجي معتدل؟
= كلاهما صحيح: الضحك يعدّل المزاج، وانطلاقاً من المزاج المعتدل يمكنني حينئذٍ أن أضحك بصورة أشدّ وأعمق، مما يزيد من اعتدال المزاج أكثر فأكثر. فمن يقرّر عامداً أن يضحك بعمق يفعِّل دورةً إيجابية. ولكن الضحك الأصيل من القلب لا يبدأ تلقائياً إلّا عندما يستطيع المرء أن ينأى داخلياً عن كلّ ما يعكّر صفو بهجة الحياة الطبيعية التي حبت بها الطبيعة كلّ إنسان؛ فهي من مكوّنات طفولتنا الداخلية. وحيث تكون موءودة تكون الغلبة لـ"جدّية الحياة" بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي يتجلّى بميلٍ محبِط إلى المغالاة في إشغال البال بعواقب وتبعات الأفعال الشخصية في الإطار الاجتماعي. وهكذا تزداد روادع المرء ويشتدّ إحباطه وخموله وفتور مزاجه وجدّيته "ويزول الضحك". من يفلح في التحرّر من هذا الضبط الكامل للنفس يدنو ثانيةً من بهجة الحياة الأصلية التي تظهر دائماً بالضحك.
هل ينبغي على المرء أن يضحك عمداً؟
حتماً! ومن المؤسف أن بعض الأشخاص يسيّج نفسه بسورٍ يحول بينه وبين البواعث الكثيرة التي يمكنها إضحاكه. ولابدّ من القيام بعكس ذلك: البحث بشكل منتظم عن المنبّهات التي تُطلِق منعكس الضحك. باستطاعتنا استغلال الجوانب المُفرحة والسارّة الكثيرة في يومنا العادي، وتبادل النكات والدعابات مع الآخرين، والانخراط عمداً في مواقف وأوضاع فكاهية في أوقات الفراغ؛ حيث ينبغي لنا أن نسعى عامدين إلى القهقهة الشديدة والرنّانة.
وكيف يجري هذا؟
إحدى إمكانيات الضحك الطويل والعميق هي الطريقة التي طوّرها الدكتور مادان كاتاريا من بومباي. تقوم هذه الطريقة على عناصر من اليوغا وهي طريقة "غير شفهية" بالمطلق. وفي هذه الأثناء يجتمع في الهند عشرات الآلاف من الأشخاص يومياً في الساحات العامة للتدرّب على هذا الضحك الخاص، من أجل الانتعاش وتعزيز الصحة. وقد تأسّست في ألمانيا أيضاً "نوادي ضحك" من هذا النوع. إنّما بإمكان المرء أيضاً الاستماع إلى أشرطة صوتية تضمّ قهقهةً متعددة الأصوات لأشخاص مستسلمين لـ"منعكس الضحك" هذا لمدة تزيد عن نصف ساعة. وبمجرد "الاندماج" فيه ببساطة (وهذا ما يتم دائماً بعد بضع دقائق) يغدو المرء جزءاً من مجموعة الضحك هذه، سواء أكان جالساً في كرسيه المريح في البيت أم يقود سيارته في زحام الشوارع.
؟ هل من المفضّل الضحك بصوت منخفض أم عالٍ أو حتى جهوري؟
= الأفضل هو التخلِّي عن أيّة رقابة ذهنية و"ترك الأمور تأخذ مجراها العفوي"، وهذا يسفر عن "الضحك من البطن" الذي لا يكون خافتاً أو متحفّظاً أو مكظوماً أبداً، بل على العكس، هو أشبه بانفجار انفعالي.
؟ أيُفضّل الضحك على انفراد أو ضمن الجماعة؟
= ضمن الجماعة في كلّ الأحوال. الضحك مُعدٍ كما هو معروف، وتنشأ حالة من المرح والانشراح الجماعية كالتي نعرفها في مناسبات أخرى أيضاً مثل الاحتفالات الكرنفالية أو العروض المسرحية.
؟ عندما يذرف أحدهم الدموع من شدة الضحك، فهل يعني هذا أنّه ضحك أكثر مما ينبغي؟
تنساب دموع الضحك لأن عضلة الضحك تضم أيضاً العضلات المحيطة بالكيس الدمعي. وكل ما يحدث عندئذٍ هو مجرد انعتاق: فنحن لا نذرف إلّا الدموع التي حبسناها قبل ذلك.
وتضحك شركات التأمين شماتةً...
(يرجَّح أنّ المقصود بهذه الملاحظة أنّه حين نضحك جميعاً ونقوّي صحتنا تقلّ نفقات وتعويضات شركات التأمين).
لا وجود للضحك "بناء على وصفة طبية" حتى الآن في أوروبا على الأقل. في حين نجد في الكثير من المستشفيات الأمريكية "مستشار ضحك" كموظف ثابت. وقد أُسِّسَت "غرف قهقهة"، ويجري تقديم برامج ضحك وفكاهة فعّالة علاجياً. كما تابع الكثير من الممرضات وأطباء (الأطفال) تأهيله ليصبح "مهرّجاً سريرياً". لا شك في أنّ هذا التوجّه السار يقوم في ألمانيا أيضاً، حيث يوجد عدد من الجمعيات التي تقوم بتخريج "مهرّجين سريريين" أو بالأحرى "دكاترة مهرّجين". وفي إطار المؤتمر الدولي الذي ينعقد سنوياً تحت عنوان "الفكاهة في المعالجة" يتم تقديم التقارير حول هذا التطوّر بكل وضوح.
؟ من تنصح بالبدء بمعالجة فكاهية؟
= في الثقافات الأخرى أيضاً تُعدّ الأحداث المتناقضة والمفارقات من الأمور التي تثير الضحك مبدئياً. ولكن مدى الشماتة التي يجوز أن ينطوي عليها الضحك تحدّده الحواجز الأدبية السارية في كلّ ثقافة. ففي العصور القديمة كان المرء يجد في السخرية القاسية من الأشخاص المعوقين شيئاً مضحكاً. وفي الصين اليوم يقوم زوّار حديقة الحيوان برمي كتاكيت صغيرة للتماسيح على سبيل التسلية، ويجدون في ذلك متعة فائقة. لعل هذا من الأمور غير المعقولة عندنا، على الرغم من أننا نضحك أيضاً من خرق المألوف. والحق أنّ هذا الأخير ينسحب عادةً على مضامين أقلّ قسوة ووحشية. فأكثر ما يُضحِك مشاهد التلفزيون الألماني، على سبيل المثال، هو النكات البذيئة، حسبما أثبت هارالد شميث مؤخّراً. ويقع هذا في مستوى الفكاهة التي يحبّها الأطفال سلفاً بشكل خاص – إذا صدقت مقولات المحلّل النفسي إرنست بورنمان الذي قام بتحليل مئات الأمثلة الموافقة – وقد كشف بورنمان أنّ الأطفال يجدون في كل ما هو "تحت الزنّار" شيئاً مضحكاً. وينسحب هذا الموضوع، حتى عمر يقارب السبع سنوات، على منتجات أعضاء الإطراح، ثمّ بعد هذه السنّ على هذه الأعضاء نفسها. إلى جانب خرق المحرّمات يُعدّ التعاطي مع العدوانية مصدراً آخر للتسلية والضحك تتضمّنه نكات الكبار أيضاً.
أتميلون إلى الكمالية والسيطرة المستمرة على النفس؟ إذن فالمعالجة بالضحك هي المعالجة المناسبة لكم! طوّروا شجاعةً على عدم الكمال!
المصدر: كتاب الضحك يعطيك الصحّة/ إرشادات كي تكون سعيداً لـ بربارة روتينغ/ تعريب: د. إلياس حاجوج
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق