(ومَن تلا فيه آية من القرآن كان له أجر مَن ختم القرآن في غيره من الشهور) لماذا؟ لأنّ الإمدادات الإلهية تكون في هذا الشهر مضاعفة.. فبمقدار ما نستلهم من هذه الإمدادات الإلهية، بقراءتنا لكتاب الله العظيم، نحصل على الأجوبة المطلوبة.. ولهذا تكون قراءة آية في هذا الشهر المبارك مع وجود الإمدادات الإلهية ومع استلهامنا لهذه الإمدادات الإلهية، يكون لنا من الأجر لهذه الآية كختم القرآن في بقية الشهور.
يعني هناك إمدادات خاصة لابدّ أن يقابلها منّا إستيعاب خاص.. إستلهام خاص حتى يكون جزاؤها كذلك، لابدّ أن يكون تفاعلاً خاصاً مع هذه الإمدادات، إستجابة خاصة لهذه الإمدادات.. تفاعل فكري نظري.. وتفاعل سلوكي عملي.
فما هو نفع القرآن إن لم يكن هناك تفاعل؟ بالعكس تكون الحجة أقوى.. لأنّه قرأ وعَلَم، عَلَمَ أنّ الصلاة واجبة.. عَلَمَ أنّ الحج واجب، الصوم واجب.. عَلَمَ.. وعَلَمَ.. وعَلَمَ.. فلماذا لم يُطبِّق؟!
عَلَمَ أنّ أبواب التوبة مفتوحة، فلماذا لم يتب؟! عَلَمَ أنّ الملائكة تنادي: (هل من تائبٍ فيتوب الله عليه هل من مستغفرٍ فيغفر الله له).
فلماذا لم يتب؟ لماذا لم يستغفر؟
فالإمدادات الإلهية في هذا الشهر هي الأكثر، ولابدّ أن يكون التوجُّه منّا هو الأكثر للإستفادة من هذه الإمدادات الإلهية، حتى يكون الجزاء، كما قال النبي (ص): (ومَن تلا فيه آية من القرآن كان له أجر مَن ختم القرآن في غيره من الشهور).
تلا.. تلا.. لم يقل مَن قرأ آية، لم يقل مَن نظرَ إلى آية، لم يقل مَن تلفظ آية، وإنما قال: (مَن تلا..).
والتلاوة تعني القراءة بإمعان.. تعني القراءة بتفاعل.. تعني القراءة بتفهُّم.. تعني القراءة بإندماج.. تعني قراءة تفحُّصية.. تعني قراءة يلتفت القارئ إلى ما يريد له (سبحانه وتعالى) من هذه الكلمة ومن هذه الجملة ومن هذه الآية.. تعني الإلتفات إلى أمر الله سبحانه وتعالى.. تعني الإلتفات إلى نهي الله سبحانه وتعالى.. تعني الإلتفات إلى الفكرة التي تعطيها الآية.. تعني الإلتفات إلى الخُلُق الذي تعطيه الآية.. تعني الإلتفات إلى الأدب الذي تعطيه الآية المباركة.
هذه التلاوة ولم يقل قراءة، لماذا؟ لأنّ هناك: (مَن يقرأ القرآن وهو يلعنه)، ولهذا لم يقل اقرأ القرآن، وإنما قال: (تلا..).
وهو يقصد ما يقول، وهو يلتفت إلى كلّ حرف يقول، فهو كما قال تعالى في سورة النجم الآية 3-4: (وَما يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هوَ إلا وَحيٌ يُوحَى).
وكلامه (ص) ليس فيه زيادة ولا نقيصة.. فأدَّبه ربّه، وأحسن تأديبه.. خُلُقه القرآن.. كلامه القرآن.
هذا جانب.. الجانب الآخر الذي تعنيه كلمة (التلاوة)، هو: التفاعل الروحي.. ويعني التفاعل الروحي: الخشوع مع القرآن، الخضوع مع القرآن، هو محاولة لأن نُصوِّر القرآن في عقولنا وفي أرواحنا وفي أفئدتنا وفي ضمائرنا وفي أحاسيسنا.. نعيش القرآن بحيث نكون خاشعين له، خاضعين متذللين حتى يحدث في نفوسنا ما لابدّ أن يحدث، حتى يصقل هذه النفس، حتى يربي هذه النفس، حتى يذهب عنها الدرن والسُّوء والمرض والإنحراف والرين، ماذا يقول أمير المؤمنين (ع): "إنّ النفوس لتصدأ فاجلوها بقراءة القرآن".
حتى يكون القرآن جلاءً لقلوبنا، ودواءً لقلوبنا، وشفاءً لقلوبنا.. فهنا لابدّ أن تجمع التلاوة بين الجانب الفكري العقائدي النظري، الإيمان بالله، الإيمان بالقيم الإلهية والأوامر الإلهية، والجانب العملي التطبيقي السلوكي الأخلاقي العبادي، هذا أوّلاً.
ثانياً: الجانب الروحي الذي عبَّرنا عنه بالخشوع مع القرآن والخضوع مع القرآن، والتذلُّل مع القرآن وتصوير الجنّة وتصوير النار وتصور الجنّة وتصور النار والتفاعل مع التصور والإندماج مع هذا التصور، أليس من صفات المؤمنين عندما يقرأون القرآن: (فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قدر آها فهم فيها معذبون).
المصدر: كتاب كيف نعتني بالقرآن في شهره.. وبيته
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق