• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إضاءات على معركة الخندق

عمار كاظم

إضاءات على معركة الخندق

غزوة الخندق أو كما تُعرف أيضاً غزوة الأحزاب، هي من أهمّ الوقائع القتالية التي خاضها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون ضدّ الكفار، حيث تعتبر هذه المعركة من أخطر المعارك، كون المشركين حاصروا المسلمين في المدينة المنوّرة، بغرض القضاء على المسلمين.. فبعد أن توالت غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض قبائل العرب واليهود وغزا قبيلتي بني قينقاع وبني النضير اليهوديّتين بعد معركة بدر وأُحُد، أُثيرَت مخاوفُ اليهود وإحساسُهُم بالخطر وتعاظم قوّة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فاندفعوا للتآمر على الإسلام ونبيّه العظيم، وراحوا يُؤلِّبون أعداءَ الإسلامِ ويُخطِّطونَ لتكوين تجمُّع عسكريٍّ هائل لمهاجمة المدينة والقضاء على الإسلام، وكان ذلك الهجوم الفاشل بعد مقدم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للمدينة المنوّرة.

لقد اتّصل اليهود بقريش وغطفان واتفقوا معهم على مهاجمة المدينة المنوّرة واستئصال الدعوة الإسلامية، إلّا أنّ أنباء هذه المؤامرة تسرّبت إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فشاور أصحابه.. فأشار عليه سلمان الفارسي (رضي الله عنه) بتحصين المدينة بخندق يُحفرُ من حولها، فقبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الرأي واستنفرَ المسلمينَ لحفرِ الخندقِ وشارك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعملية الحفر أيضاً.

تأهّبت قريش وجمعت رجالها وأنصارها ومَن تابعها من كنانة وأهل تهامة فنزلوا قرب المدينة، وأقبلت غطفان ومَن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا جنبَ أُحُد. وهكذا تجمّعت أحزاب الكفر على محاربة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). استعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه للقتال تعبّأوا خلف الخندق بقوّة وشجاعة. وشاءَ اللهُ سبحانه أن ينصرَ دينَه ويوفّرَ لنبيِّهِ عواملَ النصر فَيَهزِمَ أحزابَ الكفر والضلال. حيث برزت في معركة الخندق بطولة الإمام عليّ (عليه السلام)، حيث أعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيفه، وعممه بيده، ووجهه صوب عمرو بن عبد ودّ قائلاً: «برز الإيمان كلّه إلى الشِّرك كلّه». فلاذ المشركون بالفرار من دون القدرة على القيام بأيّ عمل.

لقد مرّت لحظات صعبة وخطرة جدّاً على المسلمين، وكانت القلوب قد بلغت الحناجر، وكان المنافقون من جهة أُخرى قد شمّروا عن السواعد وجدّوا في تآمرهم على الإسلام، وكذلك ضخامة عدد الأعداء وقلّة عدد المسلمين (ذكروا أنّ عدد الكفّار كان عشرة آلاف، أمّا المسلمون فكانوا ثلاثة آلاف) واستعداد الكفّار من ناحية المعدّات الحربية وتهيئة كافّة المستلزمات، كلّ ذلك قد رسم صورة حالكة للمصير المجهول في أعيُن المسلمين. إلّا أنّ الله سبحانه أراد أن ينزل هنا آخر ضربة بالكفر، ويميّز صفّ المنافقين عن صفوف المسلمين، ويفضح المتآمرين، ويضع المسلمين الحقيقيين في موضع الاختبار العسير.

وأخيراً انتهت هذه الغزوة بانتصار المسلمين فقد هبّت بأمر الله عاصفة هوجاء اقتلعت خيام الكفّار وأتلفت وسائلهم، وألقت في قلوبهم الرعب الشديد، وأرسل سبحانه قوى الملائكة الغيبية لعون المسلمين. ويلخّص القرآن الكريم هذه الحادثة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (الأحزاب/ 9). وإنّ تعبير (اذْكُرُوا) يوحي بأنّ هذه الآيات نزلت بعد انتهاء الحرب ومضي فترة من الزمن أتاحت للمسلمين أن يحلّلوا في عقولهم وأفكارهم ما كانوا قد رأوه ليكون التأثير أعمق. وإنّ التعبير بـكلمة (جُنُودٌ) إشارة إلى مختلف الأحزاب الجاهلية كقريش وغطفان وبني سليم وبني أسد وبني فزارة وبني أشجع وبني مرّة، وكذلك إلى طائفة اليهود في داخل المدينة. كما إنّ المراد من جملة (جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا) والتي نزلت لنصرة المسلمين، هو (الملائكة).

ارسال التعليق

Top