◄«كولن كلويد» ذاك الإسكتلندي باحث الطب الجنائي وقارئ الأفكار الشهير؛ (كولن) بالطبع لا يستطيع قراءة الأفكار ولاينكر ذلك، إلّا أنّه يستطيع أن يُخمّن ما تفكر به عن طريق خبرته في المراقبة عن كثب لتلك التغيرات الطفيفة التي تحدث في وجهك وبشكل خاص في عينيك، وعن طريق لغة جسدك أيضاً.
أوضح (كولن) أنّنا نظهر ما يشغل تفكيرنا أو نشعر به حتى لو لم يكن هو نفسه من ما يُخبر به حديثنا، كما اتّضح أنّ هناك تفاوت من حيث سهولة قراءة أفكار الأشخاص؛ فبعضهم أسهل عند القيام بقراءة أفكارهم عن الآخرين، وغالباً ما نطلق مصطلح «وجه الجوكر» على الأشخاص الذين يتمكنون من إخفاء مشاعرهم خلف وجوههم.
وُجِد خلال بعض الدراسات التي أُجريت على مجموعة من العينات السكانية المختلفة أنّ حوالي 6% من عملية الاتصال تعتمد على الكلمات التى نتبادلها أثناء الحديث، بينما نحو 38%، و55% هما نسب الاعتماد على لغة الجسد وتعبيرات الوجه.
حيث اتّضح أنّ علماء النفس الذين يملكون مهارة عالية في قراءة لغة الجسد وتعبيرات الوجه، يصبحوا أفضل في أداء وظائفهم من نظرائهم الذين لا يملكون تلك المهارة، كما يكونوا أكثر لُطفاً في تشجيع مَن يتعامل معهم حتى يستطيعوا جعله يُعبِّر عن أفكاره ومشاعره الداخلية، بالإضافة إلى أنّه من جانبه يحاول أن يبدو قوياً بعدم الإفصاح عن قلقه تجاه القضية التى يتحدّث عنها.
يُذكر أنّه عندما يكون الآباء على معرفة جيِّدة بأبناءهم، فإنّهم يصبحون على قدرة ومهارة عالية في معرفة ما إذا كانوا يشعرون بالاكتئاب والضيق حتى لو أنّهم يواجهون ذلك بشجاعة بمفردهم، فإذا استطاع الآباء امتلاك مثل تلك المهارة فمن المؤكد أن يكون شعور الأبناء بأنّه لا أحد يفهمهم سيصبح أقل.
عادةً يكون من السهل فهم ما قد يشعر به الأطفال حتى عمر الثانية والثالثة، على الرغم من أنّ معظم الأطفال لديهم شعور بأنّ الآخرين يفكّرون بطريقة مختلفة عنهم، ذلك أنّهم ما زالوا في مرحلة ينمو فيها العقل بحيث لم يتطوّر الفص الأمامي بعد، وهو المسؤول عن السيطرة على الغضب الناتج عن عدم سير الأُمور على طريقتهم.
في حين يصعب على الآباء قراءة أفكار أبنائهم في مرحلة المراهقة عن الطفولة، فمن الصعب مسايرة طُرُقهم في التعبير عن تلك المراهقة؛ لأنّهم يصبحون متأثرين أكثر بالهرمونات المتغيرة بأجسادهم، ولديهم عالمهم الخاص - خاصة شبكات التواصل الاجتماعي - بعيداً عن أُسرهم، كما أنّهم يصبحون أكثر قدرة على إخفاء مشاعرهم الحقيقية، والتي تتفاقم بسبب تفاوتها بين الحين والآخر بشكل مُربك.
ماذا يحدث إذا شاهدنا شخص يظهر مشاعر حقيقية، ولم يسبق وأن رأيناه من قبل؟ مثلاً عندما نشاهد مقابلة تلفزيونية مع والدين توفي طفلهم بعد صراع مع مرض السرطان، فإنّنا سنجد أنّ أعيُننا تدمع بحيث سنظهر عاطفة قوية تجاه الأمر، تماماً كما يحدث مع الكُتُب والأفلام التي تتواصل بشكل يلامس مشاعرنا وتصبح أكثر نجاحاً من التي لا تجعلنا نشعر بشيء.
كونك أكثر تفهماً وإحساساً بلغة الجسد، مع محاولة قراءتها بدقّة؛ فذلك من شأنه أن يُسهم في تحسين جميع علاقاتك بدايةً من علاقتك بالجنس الآخر، تكوين صداقات جيِّدة، تكوين معارف جُدد، وصولاً إلى مقابلة العمل.
يبدو أنّ بعض الأشخاص يمتلكون قدرة طبيعية على قراءة أفكار مَن حولهم، ويُسمّى ذلك بالذكاء العاطفي، حتى أُولئك الذين يمتلكون قدر من الفراسة بشكل تلقائي من الممكن أن لا يمتلكون سوى القليل من هذا النوع من الذكاء؛ حيث يتحكم بذلك وجود عنصر بيولوجي محتمل، إنّما بالتأكيد يمكن تعلّم قراءة لغة الجسد وتحسين مهارتنا، ولكنّنا بالطبع لن نكون بمهارة «كولن كلاود» الذي قضى الكثير من وقته في ممارسة ذلك.
أحياناً يتكوّن محاولة فهم ما يشعر به شخص آخر عن طريق لغة جسده أمراً بسيطاً، وعلى سبيل المثال قد يُفترض أنّ الشخص الذي يجلس واضعاً رأسه بين يديه، بأنّه يشعر بالحزن، الأسى أو أنّه بالفعل متعب، والفكرة الشائعة الذي تتكوّن عندما يُعبّر الشخص بيده أثناء المناقشات أو الاقتراحات، أنّه ربّما يكون غير مهيأ لتغيير رأيه. ولكنّ هناك تعبيرات الوجه الأكثر دهاءاً والتي تُعدّ قراءتها أكثر صعوبة وفائدة على حدٍّ سواء، فإذا كنت ترغب في التواصل بشكل أفضل مع شريك حياتك، طفلك أو زبون؛ فعليك بالعيون، ذلك أنّها هي الجزء الأكثر تعبيراً من الوجه، ويمكن أن تنقل عدد لا يُحصى من المشاعر.
كجزء مهم في عملية التواصل يجب علينا أيضاً إدراك أنّنا قد نُخطئ ونحاول إيجاد وسيلة مقبولة للتحقّق من مصداقية افتراضنا، في حين لا توجد طريقة يمكننا أن نقول بها في الواقع أنّنا سنتمكّن من قراءة عقل الشخص الآخر.
ولكن ماذا عن لغة الجسد وتعابير الوجه الخاصّة بك؟ هل أنتَ على وعي بكيفية جلوسك في مقابلة عمل؟ ماذا عن ساقيك، جلستك، كيف يبدو مظهرك؟ ما هي الأفكار الداخلية التي يُعبّر عنها وجهك؟ في بعض الحالات لا تريد بالتأكيد أن تكشف عن أفكارك الحقيقية - تريد أن تظهر الهدوء والثقة بدلاً من القلق والتوتر في مقابلة العمل، ولكن في المواقف العادية والعلاقات المتكافئة، فإنّ قيامك بالكشف عن مشاعرك وأفكارك الحقيقية من المرجح أن يكون واحداً من أفضل الطُّرق للسماح بأن تجعل محدثيك منفتحين أمامك فتتمكن من كشف أفكارهم ومشاعرهم الحقيقية عن طريق وجوههم وأجسادهم.
وقد يختلف الأمر في العلاقات المتكافئة؛ فعلى سبيل المثال، قد لا تريد خبيرة العلاج النفسي أن تكشف لأحد مرضاها أنّها تشعر بالأسى الشديد من ما تخبرها به من قصص محزنة حدثت لها لأنّها تذكرها بمواقف شبيهة حدثت معها في الماضي. فدورها هو أن تكون هناك لدعمهم، وليس العكس.
وهكذا، فإنّ دورنا كمتصلين جيِّدين هو إصدار حكم واحد وأن نسأل أنفُسنا هل هو كافٍ وحقيقي؟ كما هو الحال عندما يسأل كلّ منّا نفسه هل نتحدث بطريقة تجعلهم يصدقونا أو يرونا كما نريد عندما نعبر عن أنفسنا؟►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق