◄إنّ مصطلح "ثقافة الصورة" من المصطلحات الجديدة في مجالات التناول الثقافي المعاصر. فالصورة تتميز بقدرات فائقة وبالتالي ميزات خاصة، وتعتبر من أهم وأقدر الوسائل على الإقناع.
عرفت البشرية الصورة منذ آلاف السنين، حيث وجدت العديد من المنقوشات والحفر على جدران الكهوف التي كان يأوي إليها الإنسان، وتطور الأمر حتى توصل إلى القلم والفرشاة والورقة أو الجدران والحجر وسواها، وكانت الصور المرسومة يدوياً تؤدي لإنسان ذلك الزمان ثلاث وظائف أساسية هي:
أ) تسجيل مظاهر الحياة وظواهرها.
ب) التعبير عن معاني وأحاسيس لم يختبرها الإنسان في واقعه المادي، ولكنه تصورها أو سمع عنها وتأثر بها من خلال توارث الثقافات البشرية.
ت) توضيح معاني الكلمات، ولاسيّما للكلمات الجديدة على السامع أو القارئ.
وتتم قراءة الصورة على ثلاثة مستويات هي:
المستوى الأوّل: هو مستوى الكليات، ويحيط فيه الإنسان بمحتويات الصورة بشكل عام.
المستوى الثاني: هو مستوى الجزئيات، يحاول فيه الإنسان تبين ملامح أجزاء الصورة وصفات كلّ جزء منها.
المستوى الثالث: وفيه يحاول الإنسان تفسير الصورة وتأويلها.
فبعد النطق والكلام الشفاهي في بداية عصر البشرية، ومن ثمّ اللغات والكتابة والتدوين كأساليب اتصالية، كانت اللغة وبالذات الأدب هو ما يعكس صور الواقع، وقد أبدع بعض الأدباء في تصويرهم للواقع بشاعرية فذة وموهبة خلاقة بثت الحياة في الجماد بدلاً من تجميد الحياة، ولم يقتصر ذلك على الشعر بل حتى الرواية أو غير ذلك من النتاجات الأدبية، والأمثلة كثيرة في الأدب العربي من أدب المعلقات إلى النتاجات الحالية، ولا يعني هذا أنّ دور الكلمة والأدب قد انتهى في هذا المضمار، بل قد تحتاج الصورة إلى الكلمة، ولكن دائماً نقول "دع الصورة تتكلم" لما للصورة من قدرة على التعبير، لا شك بأن تأثير الصورة يفوق تأثير الكلمة لوحدها وهي التي تقوم في المخيلة لمدة أطول نتذكرها متأثرين بها، يعرّف إدوار هريو بأنّ "الثقافة هي ما يبقى للإنسان عندما ينسى كلّ شيء"، فإنّ الصورة هي التي تبقى في الذاكرة، فقد ينسى أحدنا كتاباً قرأه قبل فترة، ولكنه بالتأكيد لن ينسى مشهداً بصرياً، أو صوراً، خصوصاً لو أنها كانت تملك جرعة عالية من الجاذبية والدهشة.
ولتعريف الصورة وأنواعها: الصورة تعني "محاكاة"، وهي في المجال السيكولوجي مترادفة مع: "التشابه"، "النسخ"، "إعادة الإنتاج"، وفي العربية تعني "هيئة الفعل"، "الأمر وصفته".
وللصورة أنواع متعددة حصرها الدكتور شاكر عبدالحميد في:
- الصورة البصرية، وهي الملموسة للعيان.
- والصورة بوصفها تعبيراً عن التمثيل العقلي للخبرة الحسية، حيث يتشكل الوعي بالصورة.
- والصورة الذهنية، وهي ليست حرفية أو مماثلة للصورة الحسية، بل درجة أعلى.
- الصورة "التي تشير إلى المؤسسات أو الأفراد أو الشعوب".. مثل صورة الشعب الصيني وملامحه.
- صور "عناصر الحلم والتخيل".
- الصورة اللاحقة، التي تتشكل عند حاسة الإبصار بعد منبه حسي على العين.
- الصورة الارتسامية وهي نوع من الصور الشبهية بالإدراك.
- صور الذاكرة، التي تعد نوعاً من التفكير المألوف لنا في عمليات التفكير.
أما الصورة الرقمية المولدة بالكمبيوتر فقد أدّت إلى تحولات جذرية في الثقافة الإنسانية، نظراً لدورها كمعلومة، مع سهولة الحصول عليها والتعامل معها، ثمّ تخزينها وإنزالها. من شواهد تلك المتغيرات: أن فقدت الصور الزيتية كونها صور فريدة ووحيدة، وفقدت الصور الضوئية التي ترصد لحظة ما بآلات التصوير الضوئية كونها تعبيراً ذكياً لصانعها، بينما في المقابل لعبت الصورة الرقمية دورها في الاحتفاظ بوظائف الصورة التقليدية والمتاحة سلفاً، مع دورها المعلم لكونها ذات شكل معلوماتي محملة بها.. تلك المعلوماتية التي اعتبرها (بل جيتس) حين سأله أحدهم عن ثروته التي تتعاظم فقال: "إنّ ثروتي بسبب المعلومات المتاحة في شبكة الإنترنت، وليس بسبب التقنية ذاتها".
وصور (الواقع الافتراضي)، مصطلح قاله العالم جاردن لانير، حيث يشعر مستخدمو الكمبيوتر أنّهم يعايشون العوالم التي يقوم الكمبيوتر بتخليقها، بالصورة والصوت واللون والخط وغيرها من الأنظمة الخاصة بالكمبيوتر.►
المصدر: كتاب الإعلام وبناء الأُسرة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق