إنّ العلاقة بعاشوراء تنطلق من خلال شخصية الإمام الحسين (ع)، فالحسين بالنسبة إلينا ليس مجرّد كونه ابن بنت رسول الله (ص)، حتى نرتبط به على أساس القرابة، ولكن الحسين (ع) هو الإمام المفترض الطاعة الوارث للأنبياء. ألا نقرأ في زيارته: "السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم صفوة الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمّد حبيب الله، السلام عليك يا وارث عليّ ولي الله". إذاً الإمام الحسين (ع) بالنسبة إلينا هو الذي ورث الإمامة عن أبيه بنص رسول الله (ص)، وهو الذي انطلق بإمامته ليرث رسالات الأنبياء كلّها، ورسالة الإسلام التي أوكل إليه أمر حمايتها ورعايتها وتصحيح كلّ ما يريد الآخرون أن يحرّفوه منها. فنحن إذاً نرتبط بالإمام الحسين، باعتبار أنّه إمامنا الذي نأخذ منه شرعية الكلمة، وشرعية الموقف، وشرعية الحركة، وشرعية المواجهة... لأنّ الإمام ينطلق في خطّ رسول الله (ص) ويمثِّل في كلِّ سلوكه روح رسول الله ووعيه، وكلّ منطلقاته في الحياة. لقد وقَفَ في آخر حياته ليودِّع المسلمين، فقال لهم: "أيها الناس إنكم لا تمسكون عليّ بشيء إنِّي ما أَحللت إلّا ما أحلّ القرآن وما حرّمت إلا ما حرّم القرآن" وكأنّ النبي يقول لهم: ليس عندي شيء خفي، وليست لديّ أوضاع باطنية. فأنا رسول الله إليكم، وأنا أوّل المسلمين الذيني يتحرّكون بالإسلام على أساس ما أقوله لكم، ولذا تستطيعون أن تطالبوني بكلِّ ما فعلته في حياتي العائلية والاجتماعية والسليمة والحربية... هل أحللتُ ما أحَلَّ اللهُ؟ وهل حَرَّمتُ ما حرَّم الله؟ وهكذا فكلّ المنطلقات، هي منطلقات الحلال والحرام في الإسلام، وليس لدى النبي (ص) شيء خفي يقوله، وكذلك عندما نلاحظ أمير المؤمنين (ع) عندما يتحدَّث عن الخلافة، ولماذا انطلق ولماذا صارع، ولماذا جاهد، ولماذا قاتل، فإنّه يقدِّم حسابه لله فيقول: "اللّهمّ إنك تعلم إنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ولا إلتماساً من فضول الحطام، ولكن لنُرِيَ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومين من عبادك ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك"، إنّه يعلِّل حركته بالعناوين الإسلامية الكبيرة التي هي إظهار معالم الدين، وإصلاح واقع الناس، وتأمين المظلومين من عباد الله (سبحانه وتعالى).
وعندما نأتي إلى الإمام الحسين (ع) لندرس شرعية حركته فنرى أنّه بدأها بالبيان الأوّل الذي أطلق من خلاله حركته، قال لهم: "أيّها الناس إنّ رسول الله قال: "من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحِلاً لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسُنّة رسول الله، يعملُ في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغر عليه [أو فلم يغير ما عليه] بقول ولا بفعل؛ كان حقاً على الله أن يُدخله مدخله. وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وإني أحق بهذا الأمر"، إنّه قال للناس ما معناه: إنني انطلق من حيث انطلق رسول الله (ص)، ومن حيث أمر بالثورة وبالتحرك وبالعمل في خطّ التغيير. ثمّ بعد ذلك قال: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بَطِراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمّة جدِّي. أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكر وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ بن أبي طالب (ع). فمن قبلني بقبول الحقِّ فالله أولى بالحقِّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر" وقال بعد ذلك أيضاً: "ألا ترون إلى الحقِّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه" وقال: "لا والله لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد" إنّ كلَّ هذه الكلمات وكلَّ هذه البيانات تعني أنّ الإمام الحسين (ع) قد انطلق في حركته على أساس عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أساس إعادة الحقّ في الحياة إلى مواقعه من أجل أن يَعمل الناس بالحقِّ وإبعاد الباطل عن الواقع حتى يبتعد الناس عنه، وأن يقف المسلم على أساس أن يجسِّد العزّة في كلِّ مواقفه، وأن يرفض الذُلّ مواقفه، كأنّ الإمام الحسين (ع) يريد أن يقول لكلِّ الأجيال من بعده: إنني وقفتُ هذا الموقف من موقع إمامتي، ومن موقع تحرّكي في خطّ الرسالة. فإذا عشتم تجربةً كتجربتي، وإذا واجهكم حُكمٌ مماثل للحكم الذي واجهني، وإذا عشتم واقعاً كالواقع الذي عشته وكانت لديكم الإمكانات للتحرك وللانطلاق؛ فإنكم تستطيعون أن تتحرّكوا في الخطّ الذي تحركت فيه لأنّكم بذلك تنطلقون من حيث انطلقتُ، وترتبطون بالحكم الشرعي من حيث ارتبطت. وهكذا فعندما نتطلَّع إلى الإمام الحسين (ع)، فإننا نأخذ منه شرعية التحرُّك عندما يقول لنا الناس – كلّ الناس – لماذا تعارضون الحكم الظالم؟ وما الأساس الشرعي لمعارضة الحكم الظالم؟ لماذا تريدون أن تغيروا الواقع الاستكباري؟ لماذا تتحرّكون في مواجهة الباطل وفي مواجهة الظلم والانحراف؟ لماذا تتحرّكون في هذا الاتّجاه وأنتم مسلمون؟ نقول لأنّ رسول الله (ص) قال لنا ذلك، وأنّ علياً قال لنا ذلك عن رسول الله، ولأنّ الإمام الحسين – المفترض الطاعة – قال لنا ذلك بموقفه بعد أن قاله بلسانه، وقاله لنا بدمائه بعد أن قاله لنا بمواقفه، وقاله لنا بكلِّ آلامه بعد أن قاله لنا بكلِّ مشاعره.
إنّ الإمام الحسين يعطينا الشرعية والقدوة والانفتاح على كلِّ الواقع الذي نعيشه مع رفض حالة الحياد بين الخير والشرّ.
أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أنّ الحسين (ع) وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله وقد أثبتوا بعملهم ذاك أنّ التفوُّق العددي لا أهمية له حين المُواجهة بين مبادئ الحقّ والعدل من جهة ونوازع الظلم والباطل من جهة أخرى.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق