• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دور الثقافة الدافعة نحو العمل والإبداع

حسن الصفار

دور الثقافة الدافعة نحو العمل والإبداع
◄قد يندفع الإنسان للعمل تحت ضغط الحاجة ولتوفير متطلبات الحياة، فيسعى ويكدح ضمن هذه الحدود، وقد ينطلق في حركته ونشاطه بدافع ثقافي معرفي، حينما يعي طبيعة الحياة، ويدرك دوره الطليعي الخلّاق، ويهتم بموقع أُمّته ووطنه، على خارطة العالم. وهنا يكون الانطلاق في أفق حضاري رحيب، تتفجر على أساسه الطاقات، وتنمو المواهب والقدرات، ويبذل الإنسان أقصى جهوده وإمكاناته، ليكون على مستوى التنافس والصراع بين الأُمم والحضارات.

وتحتاج مجتمعاتنا، وخاصة الأجيال الناشئة منها، إلى الثقافة الدافعة نحو العمل، والمحركة باتجاه الإبداع والانطلاق.

ويمكن للتوجيه الديني أن يقوم بدور أساس في هذا المجال، لأنّ مفاهيم الإسلام وتعاليمه تستهدف بناء شخصية الإنسان العامل الكادح، الذي يتطلع إلى عمارة الأرض وتسخير الكون، وتحقيق خلافة الله تعالى في هذه الحياة.

حيث انّ التقوى والورع والزهد وسائر المفاهيم العظيمة، هي كوابح وضوابط لتنظيم حركة الإنسان في الحياة، حتى لا يقع في المزالق والمهالك، ولا يفقد توازنه، أو يبغي ويعتدي على أبناء جنسه.

إنّ آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول المصطفى (ص) والأئمة الهداة من أهل بيته، والأخيار الكرام من صحابته، كلها توجيه ودفع للجد والاجتهاد، والعمل والسعي، والكدح والحركة، وعلى هدي هذه التوجيهات شقت الأُمّة الإسلامية طريقها نحو التقدُّم والرفعة، وصنعت حضارتها المشرقة الزاهية.

علماء الدين وخطباء المنبر، تقع عليهم مسؤولية بعث روح العمل والنشاط، وإذكاء همم الإنتاج والعطاء.

ووسائل الإعلام يجب أن تأخذ دورها الإيجابي في التثقيف العام الذي يدفع أبناء الوطن إلى التطلع والطموح، وتنقل لهم تجارب الآخرين، ومدى سعيهم في مجالات العلم والتكنولوجيا والتصنيع.

ومؤسف أنّ أغلب وسائل الإعلام، بدل أن تشارك في صياغة نفسية المواطن على أساس الجد والمسؤولية والالتزام، فإنّها تنشر ثقافة الميوعة والهبوط الأخلاقي، وتبشّر بحياة الترف واللهاث خلف الملذات والأهواء، ولا تنقل لأبنائنا صور النضال العلمي، والنشاط العملي الدائب في المجتمعات المتقدمة.

كما أنّ الأجواء العامة السائدة في المجتمع، من أمثلة شعبية، وأخبار متداولة، وأحاديث في المجالس والمنتديات، ينبغي أن تستهدف التركيز والتأكيد على تشجيع المبادرات الإيجابية، والإشادة بالتجارب العملية الناجحة، وأن تشحن النفوس بحب العمل، والرغبة في الكدح، وتجاوز العقبات والصعوبات التي تعترض طريق العاملين.

وما نراه في بعض الأوساط الاجتماعية من انتشار أجواء سلبية، تستهين بهذا العمل أو ذاك، وتشكك في جدوائية الأنشطة والمبادرات، وتضخّم النواقص والثغرات، هذه الأجواء إنما تكرِّس تخلف المجتمع، وتثبط الهمم والعزائم في نفوس أبنائه، وتضر بمستقبله ومصلحته.

إنّ البعض منا من أجل يبرز تعاطفه مع هذا العاطل عن العمل، أو ذاك من محدودي الدخل، فإنّه يلقي بالأئمة على مختلف الجهات والأطراف، دون أن يشجع هذا الإنسان على تحمل المسؤولية، وعلى مضاعفة السعي وبذل الجهد، وبذلك يسود منطق التبرير، وروح التشاؤم والتقاعس واليأس.►

 

المصدر: كتاب العمل والفاعلية طريق التقدُّم

ارسال التعليق

Top