دعا الإسلام المرأة لأن تخرج إلى الحياة، وتبني مجتمعاً أفضل، وأن تتحدى الماضي والحاضر وأن تستعين بأصالتها الإنسانية في سبيل حركتها وسيرها وسلوكها إلى رضا الله سبحانه وتعالى. فالمرأة فرد من المجتمع، لذا اهتم الإسلام بتربيتها وتعليمها وإعطائها الحرّية والاستقلال ضمن ضوابط التعليم والشريعة الإسلامية لتنمو فطرة الخير فيها وتنتصر على نزعة الشر، حينها تصدر عنها أعمال إيجابية لا تتعارض مع حقوق الآخرين، وتنسجم مع مصالح المجتمع وتعمل بأوامر القلب السليم والنفس المطمئنة.
لذلك على المرأة أن تفهم دورها في المنظومة الكونية من خلال تنمية المعرفة وسلوك درب التقوى والإيمان بالله والعمل بما يرضيه، وأن ترضى بالإسلام ديناً وقولاً وعملاً برسالة خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
عندها يكون سلوك الإنسان، كلّ إنسان، دون اعتبار الذكورة والأنوثة منطلقاً من الوعي والمحبة، فيؤتي الثمار الجيدة في الحياة، وهكذا يكون الإنسان قد أدى الدور الذي يرضاه الله، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران/ 31).
وجاء في القرآن الكريم أيضاً: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 71). وهذا يؤكّد على أنّ الحياة العامّة تحكمها الرابطة الإيمانية في إطار الأُمّة، وأنّ المساواة بين الاثنين هي الأصل، وتتمثّل المساواة في القيمة الإنسانية والحقوق الاجتماعية والمسؤولية والجزاء، وهذه المساواة تتأسّس على وحدة الأصل ووحدة المال والحساب يوم القيامة. أمّا ما ورد من استثناءاتٍ على هذه القاعدة، فمردّه إلى اختلاف الاثنين في بعض الخصائص التي تخدم تكاملهما في تحقيق الاستخلاف الذي يظلُّ هو الإطار الضابط للمساواة بينهما وفق المفهوم القرآني. فالمرأة والرجل يتساويان مساواة كاملة في المسؤولية الإنسانية بوصفهما من أصلٍ واحدٍ، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1)، إلّا أنّها مساواة تكاملٍ، وليست مساواة تطابق؛ لأنّ لكُلِّ واحدٍ منهما خصائصه التكوينية المختلفة عن الآخر.
من هنا فإنّ الإسلام يراعي الحقوق من حيث اهتمامه برعاية الواجبات، فكل حقٍّ للإنسان هو واجبٌ على غيره، وينادي بتكريم المرأة والترفُّع بها، ومنحها الحقوق والمكانة التي تؤهلها لمشاركة الرجل في بناء الحياة، والتعبير عن إنسانيتها على أسسٍ إنسانية رفيعة. قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 71). فللمرأة شخصيّتها المستقلّة، وحضورها الواعي في كلِّ مجالات الحياة العامّة والخاصّة، والتزامها بحدود الله والآداب الشرعية، سواء كان ذلك في قرارها في بيتها تقوم برسالة أُمومتها، أم في العمل المهني بما لا يتعارض مع مسؤوليتها الأسرية ورسالتها الأصليّة؛ حيث شاركت في الإفتاء والتدريس والرواية والتمريض والزراعة وغير ذلك من شؤون الحياة.
من هنا قدَّم القرآن الكريم المرأة الصالحة مثلاً عمليّاً للرجال والنساء، وطالبهم بالاقتداء بها، جاء ذلك في قوله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم/ 11)، الأمر الذي يبرز مفهوماً حضارياً إيمانياً فريداً في عالم الفكر والحضارة الخاص بالمرأة الصالحة؛ فقد جعلها مثلاً أعلى، وقدوةً للرجال، كما هي قدوةٌ للنِّساء في الإيمان والموقف الاجتماعي والسياسي والأخلاقي. كما سجّل القرآن دور المرأة في حياة الأنبياء (عليهم السلام) ودعوتهم، ومشاركتها لهم في الهجرة والجهاد، مقروناً بدور الرجل، عند حديثه عن الهجرة والبيعة والدعوة والولاء، واستحقاق الأجر والمقام الكريم، وعلاقة الرجل بالمرأة.. في عددٍ هائلٍ من الآيات والنصوص التي لم تفرّق بين الرجل والمرأة في حمل الأمانة والمسؤولية والجزاء عليها. فالمرأة والرجل في مفهوم رسالة الإسلام يوالي بعضهم بعضاً، ولاءً عقائدياً، يقومون بإصلاح المجتمع، ومحاربة الفساد والجريمة والانحطاط، ويحملون رسالة الخير والسلام والإعمار في الأرض، وهذا منتهى العدل بين الناس.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق