• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج(6)

أسرة

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج(6)
 

القصّة السابعة عشرة

 "أوصى إليَّ ولم يوصي بي!!"

قيلَ لغلامٍ يتيمٍ: مَن أوصى أبوكَ بكَ؟ قال: إنّ أبي أوصى إليَّ، ولم يوصِ بي (أي لم يُكلِّف أحداً بكفالتي أو رعايتي، بل حمّلني وصيّته لأكونَ مسؤول نفسي). قيلَ له: وبأيِّ شيءٍ أوصاكَ؟ قال: أوصاني ألا أفقدَ إلّا شخصه!! (أي أفقد فقط جسده الذي غيّبهُ التُّراب، وأمّا خُلقه وسيرته وهمّتهُ، فلتبقَ حاضرةً في نفسي لا تموت)!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- إنّه غلامٌ حليمٌ وحكيمٌ أيضاً، لأنّه يُفرِّق بين معنى أن يوصي أبوهُ به، وبين أن يوصيه هو نفسه. والثانية أبلغ في التأثير، فالأولى اعتمادٌ على الغير، والثانية اعتمادٌ على الذات. 2- وهو يُفرِّق أيضاً – بما علّمهُ أبوه – بين أن يفقد (شخصَ) أبيه دون أن يفقد (شخصيّته)، فالتُّراب لا يأكلُ إلا الجسد الفاني، أمّا الأخلاقُ والسيرة الذاتية، والعلم والتجربةُ فليست مما يموت ويندثر، فإذا استحضرها الإبن وهو يواصل المسيرة، كانت زاداً وعوناً له.   القصّة التاسعة عشرة "حَمَلتُهُ صغيراً فخفَّ عليَّ كبيراً!!" في بلادِ الهند، كان هناك رجلٌ يطوفُ في الضواحي والأحياء ومعه ثورٌ ضخمٌ يحمله على كاهله (ما بين كتفيه) في الأعياد والمواسم ليرى الناس قوّته، فيعطونه بعض الهِبات. قال له بعضُ المشاهدين ذات مرّة: كيفَ وصلت يا عمّ إلى هذه الدّرجة من القوّة القويّة؟ فردّ عليه الرجلُ القوي: كنت أحملُ هذا الثور منذُ أن كان عجلاً صغيراً، أدورُ بهِ في فناء داري (أي في ساحةِ البيت) عدّة ساعات يوميّاً، فكان كلّما ازداد ثِقلاً، إزددتُ قوّةً بكثرة التّمرينات التدريجية، فأصبحتُ لا أعجزُ عن حمله مع ضخامته!!   - الدروس المُستخلصة: 1- (حَمَلَهُ صغيراً، فخفَّ عليه كبيراً)، وعلى هذا يمكن قياسُ أيّ عملٍ ماديٍّ أو معنويّ، بدني أو فكري، نفسي أو روحي، فالتمرين سبب الكمال، والتعوّد أو اعتياد حمل الأعباء الصغيرة، في وقتٍ مبكِّرٍ، سيمكِّن صاحبها من حمل الثقيل والأثقل لاحقاً. 2- الثورُ الضخم يُشبه المسؤوليّة الضخمة، يبدو في نظر الآخرين ضخماً، لكنّه بالنسبة لصاحبه لا يبدو كذلك، لأنه تدرّج في حمله في أوزانٍ مختلفة، وبالتالي فاعتيادُ تحمّل المسؤوليات الصغيرة في الصغر، سيكون سبباً في تحمّل المسؤوليات الكبيرة في الكِبَر، فلا تستوحشُ النفس منها ولا تستثقلها، فالقوّة تنمو وتكبر كلّما نما (الثّور) وكبر. قال الشاعر: وإذا كانت النّفوسُ كباراً **** تعبت في مُرادِها الأجسامُ 3- والمسألة أكبر وأشمل من الأمور المادية، فكلّ خصلة حميدة تتعهّدها، تنمو وتكبر وتصبح مَلَكَة مع الأيّام.

ارسال التعليق

Top