بدأت علاقتي الحقيقية مع المواصلات متأخرة، فمع وجودي ببلد لا أتقن لغتها، كما أنّ شوارع فيها الكثير من الاختلافات، كان لابدّ لي أن أتقن فنون المواصلات المختلفة، من تحميل الخرائط وجداول المواعيد على هاتفي، وحساب الوقت جيداً، وكيفية استغلال وقت الرحلة. في الحقيقة لقد أحببت الأمر، هدوء، مجرد بعض التنظيم وأجدني خالية من أعباء القيادة بالساعات في زحام كنت أظنه في كلّ مرة لن ينتهي أبداً والعمر سيمضي قبل أن تمضي السيارات المتوقفة أمامي، أعذروني فلمدة عشرين عاماً وأنا أقود في أكثر العواصم العربية ازدحاماً لذا فكوني أصل يومياً إلى مقر عملي الذي يبعد فقط عشرين كيلومتراً في نصف ساعة هو أمر لي يبعث في نفسي السعادة بعد سنوات ضاعت وراء المقود، ناهيكم عن استمتاعي بالقراءة خلال وقت الرحلة نفسها.
في الحقيقة وأنا فخورة بهذا الاعتراف فتلك التجربة جعلتني أغير نمط حياتي قليلاً. فالمواصلات الجماعية (سواء كانت عامة أو تابعة لشركة أو مؤسسة) ربما فعلاً تستهلك وقتاً أطول قليلاً ولكنه أكثر راحة ذهنياً على الأقل، وهو الأمر الذي اختبرته في ثلاث عواصم عربية. ولا تحسبوني أقول هذا فقط من أجل تقليل الانبعاث الكربوني أو تقليل التلوث على أراضينا فهذا موضوع آخر تماماً.
القناع:
المسافات الشخصية أو المحيط الشخصي هي المنطقة من الفراغ المحيط بجسم الإنسان والتي يشعر عقله بأنّها تخصه وفي الزحام يمكن أن يتم اختراقهم لذا ينزعج البعض بشكل لا إرادي فالعقل يتحايل على هذا في الأماكن مثل المصعد عن طريق إشاحة النظر. ولكن قد لا تجدي هذه الطريقة نفعاً في وسائل المواصلات، فكثيراً ما يكون لوسائل المواصلات كالقطارات والحافلات مواعيد ثابتة وقد يجبرنا ذلك على تقبل الزحام مهما اشتد، لذا نجد أنّ هناك سلوكاً فطرياً مقبولاً جداً يسمى القناع وهو أن يرتسم على وجه الشخص تعابير ثابتة وجامدة لا تدل على فرح أو حزن، ودائماً من الأفضل أن ترافقها نظرة متنقلة بين الركاب أو مثبتة على شيء يخصه أو شيء في الحافلة نفسها. ذلك القناع يوحي لمن اخترقت مساحته الشخصية أنّ الأمر ليس بيدي بل أنني رغم قربي منك فأنا في عزلة تحترم خصوصيتك.
والآن سنذكر بعض الآداب العامة:
من الضروري الالتزام برقم المقعد المذكور في التذكرة، ولكن إذا وجدت شخصاً آخر قد أخذه منك دون استئذان اطلب منه برفق أن يتركه لك أو استعين بالموظف الموجود في الحافلة فإن لم يجد اطلب منه بهدوء أن يخبرك عن مقعده حتى لا تلجأ لنفس أسلوبه غير الحضاري من الجلوس في مكان شخص آخر.
يجب على الرجال إفساح الطريق للنساء أوّلاً لتصعد قبله، وحتى إتاحة الفرصة لهنّ للجلوس أوّلاً. في حين أنّه يجب أن تمتثل النساء بهذا السلوك مع كبار السن والأطفال وغيرهن من الحوامل وذوي الإعاقة.
لا يجب على الرجل أن يدفع الأجرة عن زميلته في العمل، لأنّ أساس العلاقة بينهما هي المساواة. في وسائل المواصلات يجب احترام القوانين فيها فإذا كانت لا تقدم أياً من المأكولات أو المشروبات فلا يجب ذلك كما يفضل ألا يتم التدخين فيها حتى وإذا كان فيها أماكن مخصصة جيدة التهوية.
الحفاظ على النظافة أمر ديني وواجب أخلاقي غير قابل للتبرير، فإذا كان معك أي شيء تريد إلقاءه في صندوق القمامة، احتفظ به في يدك أو في حقيبتك إلى أن تجد صندوقاً يمكنك استخدامه.
عدم التحدث في المحمول بصوت مرتفع خاصة في الأمور الشخصية كما أنّه يجب مراعاة الآخرين في عدم إجبارهم على سماع نغمة المحمول العالية كاملة بسبب كونك لا تريد الرد على المكالمة ولكن فور سماعك لصوت المكالمة القادمة اجعله صامتاً.
مراعاة مشاعر الجالس بجوارك فإذا أردت فتح النوافذ أو إغلاقها فينبغي الاستئذان منه أوّلاً.
احتفظ بتذكرتك حتى نهاية الطريق حتى يمكنك إبرازها إذا تطلب الأمر ذلك.
لا يجب إزعاج السائق ولا التعالي عليه أثناء التعامل بل الأفضل تركه وشأنه تماماً ليتمكن من التركيز في الطريق.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق