• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف ينال العبد رضا الله تعالى؟

الرماش*

كيف ينال العبد رضا الله تعالى؟

◄هدف المؤمن الأسمى في الدنيا والآخرة نيل رضا الله عن أقواله وأحواله وأفعاله، وتحقيق هذا المسعى النبيل ليس بالأمر الهين بل لابدّ من ترويض النفس على معرفة حقيقة الرضا، وتطبيقها على أرض الواقع، والإيمان بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد (ص) رسولاً، إعتقاداً، وقولاً، وفعلاً.

فالرضا بالله يتضمن الرضا بإلهيته ومعيته وحده، والخوف منه والإنابة إليه وعبادته والإخلاص في ذلك، ورضا العبد، بربوبية الله يتضمن الرضا بتدبيره وإفراده بالتوكل، والإستعانة، والثقة والإعتماد، والرضا بقضائه وقدره.

والرضا بنبي الله (ص) يتضمن كمال الإنقياد له، والتسليم المطلق إليه.

وأما الرضا بدين الله: فإذا جاء الدين بأمر، أو نهي، أو حكم رضي العبد كل الرضا، ولم يبق في قلبه حرج ولو كان مخالفاً لهوى نفسه، أو من يقلدهم.

ومن جمع هذه الثلاثة جمع في قلبه إيماناً حياً حلو الطعم والمذاق، قال رسول الله (ص): "ذاق طعم الإيمان، من رضي الله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً".

إن كمال الرضا لا يتم إلا برضا العبد عن قضاء الله وحكمه، والرضا بحكم الله وشرعه أمر واجب وهو شرط في الإيمان، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء/ 65).

والرضا بحكم الله وقضائه ثلاثة أنواع – كما بيّن ذلك إبن القيم رحمه الله – وهي: قضاء الله فيما يحبه الإنسان وقضاء الله فيما يخالف محبة العبد ومراده كالمرض، والابتلاء، والفقر ثمّ القضاء الجاري بما يكرهه الله شرعاً ولكنه يقضي بوجوده قدراً كالأفعال والأقوال والأحوال المحرمة.

وبهذا فإنّ الرضا يكون في القلب أصلاً، ويعبر عنه اللسان ثمّ تأتي الأعمال لتكون برهاناً عن توجه القلب، وصدق اللسان. ولابدّ لهذا الرضا من ترجمة عملية تثبت صدق الإنسان في دعوى الرضا بالله، وبدينه، وبنبيه (ص).

وقد كان أنبياء الله – عليهم السلام – قدوة حسنة في هذا المجال، كما كان إمام الأنبياء محمد (ص)، وأصحابه يسارعون في رضوان الله. قال الله عزّ وجلّ: (مُحمَّدٌ رَّسُول اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح/ 29).

قال إبن كثير في تفسيره: "وصفهم بكثرة العمل، وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عزّ وجلّ والإحتساب عند الله جزيل الثواب وهو الجنة المشتملة على فضل الله وهو سعة الرزق عليهم ورضاه تعالى عنهم".

وقد أرشد الرسول (ص) أمته إلى كيفية تحقيق رضا الله في كل شيء:

ففي العقيدة بيّن لهم الأساس الذي يرتضي به إيمان العبد وإعتقاده فقال: "إنّ الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال".

وفي العبادات العملية بيّن الرسول (ص) كيفية إرضاء الله عن طريق أداء الفرائض والإخلاص فيها كالصلاة والصيام، والذكر والجهاد.. قال (ع) عن الصلاة: "الوقت الأوّل من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله".

وقال عن الصيام: "قال ربكم عزّ وجلّ: عبدي ترك شهوته وطعامه وشرابه إبتغاء مرضاتي. والصوم لي وأنا أجزي به".

وفي العبادات القلبية أكّد الرسول (ص) أن رضا الله يجتلب بأحوال في داخل القلب تعبر عن امتنان المؤمن لربه على السراء وإن قلت، وتركه الجزع على الضراء، وإن عظمت، قال (ص): "إنّ الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها".

وفي المعاملات دل الرسول (ص) على أن رضا الله يدرك بكلمة حسنة يلقدها المؤمن على أخيه المؤمن فتدل على حسن أخلاقه ومعاملاته، قال (ص): "إنّ العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات" وأولى الناس بحسن الكلام المعاملة هم الوالدان فرضا الأُم والأب يقترن برضا الرب، قال الرسول (ص) "رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد".

فرضا الوالدين قرين التوحيد آية الوفاء لما سلف من عطائهم المبرور، ولهذا على كل مسلم أن يؤمن بحق الوالدين عليه وواجب برهما، وطاعتهما، والإحسان إليهما، وقرن ذلك بحقه تعالى الواجب له من عبادته وحده دون غيره، قال عزّ وجلّ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (الإسراء/ 23).►

*كاتب من المغرب

ارسال التعليق

Top