فطر الله – تعالى – الأطفال على الشعور بالحاجة الشديدة إلى الكبار، وهذا يدفعهم إلى الإكثار من إلقاء الأسئلة عليهم والالتجاء إليهم والاحتماء بهم، وهذا كله يوفر نوعاً من التفاعل النشط بينهم وبين آبائهم وأمهاتهم، لكن هذه العملية لا تتم على نحو سلس، فضلاً عن أنها عملية تشكو النقص المستمر. تفاعل الصغار مع الكبار يعني أنّهم من خلال الإعجاب بهم والإيمان بحكمتهم والثقة بشفقتهم، يقبسون من عقولهم وأرواحهم وعاداتهم ما يكملون به شخصياتهم، وما يساعدهم على أن يدرجوا نحو النضج والاكتمال. السؤال الذي يطرح نفسه هو: مع أي شيء فينا يتفاعل صغارنا؟
الجواب: أنهم يتفاعلون مع ما لدينا من مشاعر واتجاهات ومواقف وسلوكيات ولا يتفاعلون إلا على نحو ضعيف مع أقوالنا ومواعظنا، ولو أنّ الكلام كان كافياً لتغيير عاداتهم وتصحيح أخطائهم، لكانت التربية من المهمات السهلة. من هنا يظهر عدم وعي الآباء الذين يشكون من انحراف أبنائهم مع أنهم – كما يقولون – لا يكفُّون أبداً عن النصح والتوجيه، وما دروا أن كثرة النصح لا تحل المشكلة، بل تدل على وجود مشكلة انعدام أو ضعف تفاعل أبنائهم معهم.!
نحن نساعد الأطفال على التفاعل معنا إذا تفاعلنا معهم، من خلال الاهتمام بما يقولونه، والاستعداد لتغيير بعض ما لدينا بناء على مقترحاتهم؛ ونحن نساعدهم كذلك إذا شاركناهم الرأي في بعض الأمور التي تعنيهم، وإذا أجبنا على تساؤلاتهم، وأكثرنا من التحدث إليهم.
وفي إمكاننا القول: إن تفاعل أبنائنا معنا يمكن أن يتم عل نحو جيِّد، إذا تخلصنا من الأمور التي تُضْعف ذلك التفاعل من نحو العقاب البدني والصراخ المستمر والمقارنة السلبية، وإذا تخلصنا من تصلب الرأي والتسلط الذي يغري به اعتقادنا أننا على الصواب المطلق في كلّ ما يتعلق بهم.
علينا أن لا نتضايق من كثرة ما يُطْلب منا في تربية أبنائنا لأن أي جهد نبذله في تربيتهم هو جهد مأجور، وأعمالهم الصالحة في صحائفنا إن شاء الله – تعالى – فنحن الذين كنا السبب في وجودهم، ونحن الذين دللناهم على الخير. ومن وجه آخر فإن علينا أن نتذكر أن ما يُطلب منا اليوم كان مطلوباً من آبائنا نحونا، وسيُطلب من أبنائنا تجاه أبنائهم فالدنيا، أخذ وعطاء ودين ووفاء.
المصدر: كتاب وقفات للعقل والروح للكاتب أ. د. عبدالكريم بكار
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق