• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

موقع المسلم في المجتمع

أسرة البلاغ

موقع المسلم في المجتمع

◄كلّ إنسان مسؤول عن عمله، لكن موقع الإنسان في المجتمع له حسّاسية خاصّة، حتى ليمكن القول أنّ الإنسان المسلم أو الشخصية الإسلامية ليست ملك نفسها، وإنّما هي ملك إسلامها، أي أن تصرّفاتها الطيِّبة والشريرة مرصودة.

فإذا أحسنت الشخصية الإسلامية في أقوالها وأفعالها ومواقفها وتعاملاتها وعلاقاتها، قيل: هذه هي تربية الإسلام.

وإذا أساءت أو شذّت أو انحرفت أو تسبّبت في الأذى الفردي أو الجماعي، قيل: هكذا هم المسلمون.

هل الذنب ذنب الإسلام؟

بالطبع لا.

فالإسلام يربّي أتباعه على الخير ومحبّة الناس وإرادة السلام للجميع، ويوصي بالتعاون على البرّ والتقوى، فإذا لم يلتزم المسلم بذلك وعمل بخلافه فالذنب ذنبه لأنّه أخذ بما يمليه عليه ذوقه وهواه وليس بما يتطلّبه دينه.

لماذا إذن يقول الناس ذلك؟

إنّ موقع الإنسان المسلم، والشخصية الإسلامية تحديداً موقع حسّاس كما قلنا، فالناس ينظرون إلى الشخصية الإسلامية في فكرها وعواطفها وسلوكها نظرة (القدوة) أو هم يفترضون ذلك، فإذا خيّبت آمالهم أو نظرتهم صُدموا، وإذا كانت تحترم موقعها وعنوانها ساهمت في تعزيز صورة المسلم القدوة في المجتمع.

ولقد تنبّه أحد العلماء العاملين إلى هذه النقطة، فكان يحذّر تلامذته من الوقوع في وحل السلوك المنحرف، ويقول لهم:

"إنّ الناس إذا رأوا سلوكاً منحرفاً من طالب للعلوم الدينية فإنّهم سيسيئون النظر بكلّ طلبة العلوم الدينية، لا بهذا الشخص الذي رأوا في سلوكه الانحراف فقط، وليتهم اكتفوا أو اقتصروا في إساءة الظن على شخص واحد دون تعميم الحكم على الآخرين".

ويضيف معلّقاً على حسّاسية موقع الإنسان المؤمن العامل العالم في المجتمع، فيقول:

"إنّ الناس لا يحلّلون الأمور عندما يرون عملاً غير لائق من معمّم[1]، وكما أنّ بين الكسبة والموظفين أفراداً منحرفين وغير مستقيمين، فكذلك بين المعمّمين أشخاص غير صالحين ومنحرفون، ولكن لو أنّ بقالاً كان منحرفاً لرأيت أنّ الناس يقولون عنه بأنّ البقال الفلاني منحرف، ولو أنّ عطّاراً كان منحرفاً لقال الناس إنّ العطّار الفلاني منحرف، ولكن إذا قام معمّم بعمل غير لائق لقال الناس: المعمّمون سيِّئون"!

أي أنّ الناس ينظرون إلى موقع الإنسان المؤمن أو العامل أو العالم نظرة الإنسان المسؤول عن تقديم صورة مجسّدة وحيّة وناطقة عن الإسلام الصحيح لا الإسلام المنحرف.

وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم في حديثه عن نساء النبيّ (ص) باعتبارهنّ أمّهات المؤمنين (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) (الأحزاب/ 32-34).

فنساء النبيّ (ص) يفترض فيهنّ أن يكنّ في موقع القدوة لنساء المسلمين، وبقدر ما تكون زوجة النبي (ص) صالحة وملتزمة بالتعاليم التي جاء بها زوجها الرسول عن الله تبارك وتعالى، يحدث التأثير المناسب في النساء الأخريات باعتبارهنّ في موضع القدوة أيضاً، ولذا فقد اعتبر القرآن عذاب الفاحشة التي ترتكبها إحداهنّ ضعفين، كما اعتبر أجر العمل الصالح الذي تأتيه مرّتين، اُنظروا:

(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا) (الأحزاب/ 30-31).

ونفس الشيء يمكن أن يقال عن كلّ مؤمن ومؤمنة، لأنّهما في موقع القدوة والأسوة لباقي المسلمين والمسلمات، بل يمكن أن يكونوا قدوة حتى لغير المسلمين.

ولذلك ربط القرآن بين الحديث عن نساء النبيّ (ص) وبين المسلمين والمسلمات ربطاً مباشراً يأتي في أعقاب الآيات السابقة:

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب/ 35).

أي أنّ المتصفين من الشبان والرجال، والمتصفات من الفتيات والنساء بهذه الصفات الحميدة الجليلة، هم في موقع الأسوة لغيرهم. ولذلك كان أجرهم عظيماً كأجر نساء النبيّ (ص) اللواتي يحترمن موقعهنّ من رسول الله (ص) وموقعهنّ من الأُمّة باعتبارهنّ أمّهات المؤمنين.►


[1]- (المعمّم) هو الذي يرتدي زيّاً دينياً خاصّاً يشير إلى أنّه عالم دين أو من طلبة العلوم الدينية.

ارسال التعليق

Top