• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

واجب الإنسان تجاه نعم المولى عز وجل

محمد يوسف الجاهوش

واجب الإنسان تجاه نعم المولى عز وجل

◄نِعَمُ الله – تعالى – على العباد متوالية، وعطاؤه دائم لا ينقطع، والعبد – في جميع أحواله – يتقلب في هذه النعم، وينهل من معينها الفياض.

ولقد جلّت نعم الخالق – عزّ وجلّ – فلا يحاط بها حصر، وعظمت كثرة وتنوعاً فاستعصت على العقول إحصاءً وعداً: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم/ 34).

وأنى يمكن إحصاؤها وهي مبثوثة في كل ما نحس وندرك، وكل ما نفعل ونذر، نجدها أمامنا، أينما توجهنا، وحيثما تقلبنا: (.. فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ...) (البقرة/ 164).

في الليل إذا عسعس: موحياً بحياة ساكنة، هادئة، حالمة، في الصبح إذا تنفس: أنفاس النور والحركة، التي تشمل كل كائن حي، وتبعث فيه الهمة والنشاط لاستئناف دورة الحياة.

في الروض جلله الحيا: فاخضر عشبه، ونور زهره، وأينع ثمره، وطاب جناه، (وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج/ 5).

في جمال الخلق، وبديع الصنع، وإحكام الترتيب، وروعة الدقة، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/ 49)، (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ) (السجدة/ 7).

في تسخير الكائنات وتذليلها للإنسان، لينعم بخيرها، ويُسر بجمالها، ومنها يستفيد: (وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (النحل/ 5-8).

في البحر: عذبه الفرات، وملحه الأجاج: (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (فاطر/ 12).

في الرياح المرسلات بشرى بين يدي رحمته: (فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الروم/ 48-50).

 في خطرات النفس تنزع إلى الخير، وخفقان القلب ينبض باليقين، وفي عمل الجوارح خاضعة مطيعة لرب العالمين: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 78).

في المال والبنين، والسكن والاستقرار، والصحب والإخوان، والأمن والإيمان، والصحة والمعافاة.

وهكذا فإننا لو مضينا في السرد والتمثيل لوقف القلم عاجزاً، ولتقطعت به الأسباب، لأنّ الأمر فوق الحصر، وأكبر من التمثيل: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم/ 34).

واجب الإنسان تجاه نعم الله تعالى: جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وشكر أياديه، والثناء على عطاياه، والله تعالى المتفضل بكل نعمه – أحق بالثناء، وأولى بالشكر، إذ إنّ النعم جميعها من واسع كرمه، وعميم جوده: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ...) (النحل/ 53).

ففرض على كل مسلم أن يشكر الله تعالى ويحمده ويثني عليه الثناء الحسن، لما أعطى ووهب.

فما هو الشكر؟ ومتى يكون الإنسان شاكراً؟

تنوعت عبارات القوم وتعريفاتهم في تحديد الشكر وتعريفه، ونحن نذكر – هنا – نماذج من أقوالهم.

الشكر: عرفان الإحسان ونشره، وإظهار النعمة، والثناء على المحسن بما أولى من المعروف، هو كذلك عكوف القلب على محبة المنعم، وجريان اللسان بذكره، وخضوع الجوارح لطاعته، وقيل: الشكر مشاهدة المنة وحفظ الحرمة، وهو ضد الكفران والجحود، الذي هو: نسيان النعمة وسترها.

أسس الشكر: لكل مبنى ومعنى أسس يقوم عليها، وحدود ترسم معالمه وما ينتهي إليه، وأسس الشكر وقواعده خمس، لخصها صاحب بصائر ذوي التمييز كما يلي:

1- خضوع الشاكر للمشكور.

2- حبه له.

3- الاعتراف بنعمه.

4- الثناء عليه بما أنعم.

5- استعمال النعمة فيما يحب دون ما يكره.

متى يكون الإنسان شاكراً؟ إذا تحققت في نفس العبد وسلوكه – تجاه نعمة الله عليه – هذه القواعد الخمس، كان شاكراً لأنعمه عزّ وجلّ، ويُقاس مقدار صدقه في شكر الله بمقدار صدقه في تمثل هذه القواعد والتزامه بها.►

ارسال التعليق

Top