• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

عولمة الدين.. ضرورة فطرية

عولمة الدين.. ضرورة فطرية
◄للنظام الدولي مقتضياته، فهذه المقتضيات يجب أن يتساءل عنها الدين من جانب، ومن جانب آخر يجب علينا ان نستجيب لهذه المقتضيات في كل مجال. ويعني ذلك أن نستجيب للحاجات والدوافع العالمية مع المحافظة على أصالتنا الدينية وأن نجيب على الأسئلة المطروحة برؤية منفتحة. تشكل العولمة الدينية أحد المواضيع التي باتت تشغل بال الكثير من المفكرين وعلماء الدين، وتحتاج دراسة الأداء الديني في عصر العولمة والتحديات والفرص التي تتاح للدين في هذا العهد إلى استجابة، وإلى اتخاذ القرار في كافة المجالات التي تطرح في الكلام الجديد، أو يمكن طرحها، هناك الكثير ممن يرى ضرورة توصل الأديان إلى نوع من التنسيق والتقارب في مجال عولمة الدين وتعتمد منطق الحوار اعتماداً على القواسم المشتركة الموجودة بينها. وقد خطت المنظمات والمؤسسات الدولية الناشطة في الحوار بين الأديان في الأعوام الأخيرة بعض الخطوات في هذا المنحى، وذلك رغم التوتر الذي مازال موجوداً كما يرى آية الله التسخيري في المنظمات الدولية بين الميول العلمانية والمعنوية. للإجابة على الأسئلة الجديدة التي تطرحها عملية العولمة أمام الدين والتدين، أجرينا حواراً مع الأمين للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية آية الله الشيخ محمد علي التسخيري. فهو يرى بأنّ العولمة هي نوع من التركيز على الفطرة الإنسانية التي تمثل عنصراً مشتركاً بين جميع أبناء البشرية وهي في الواقع حركة إيجابية وطبيعية نحو الوحدة بين الأديان.   ما هي وجهة نظركم حيال مفهومي العولمة والشمولية العالمية وماذا تعني هاتان الكلمتان؟ لابدّ من الفصل بين هذين المفهومين، فالشمولية العالمية تمثل حركة إيجابية طبيعية، والمجتمعات البشرية تتحرك في مسار التاريخ بشكل أكثر من الكثرة إلى الوحدة. ويعني انها تتحول من المجتمعات الصغيرة إلى مجتمعات كبيرة، ومن وجهات نظر ضيقة إلى وجهة نظر عالمية. وتتوجه من الاهتمام بالمناطق الصغيرة إلى الاهتمام بالمناطق الأبر فأنا أعتقد بأنّ العولمة هي حركة إيجابية، وكان للإسلام بشكل عام منذ اليوم الأوّل رؤية عالمية. وهناك الكثير من الآيات التي تشير إلى هذا الجانب: (إني رسول الله إليكم جميعاً) والآية الكريمة (وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) (القلم/ 52)، والتي جاءت في القرآن الكريم، فعليه تعتبر حركة العولمة حركة إيجابية وتحظى بتأييد الإسلام. وتعني عولمة الدين التأكيد على الفطرة الإنسانية التي تشكل عنصراً مشتركاً بين كافة أبناء البشر كما تعني التأكيد على توسيع منطق التعقل والتفكير والحوار وتوسيع المبادئ الأخلاقية التي لها مصدر فطري وتعني كذلك عدم الإكراه في المعتقد، ونشر مفاهيم العدالة الاجتماعية والتعاون الإنساني والاستخلاف الإلهي على البشرية، وتعني كذلك عدم الاضرار بالشعوب والثقافات المختلفة ومنع الدكتاتورية، والتشجيع لاسهام الشعوب في بناء مستقبلها ومنح الإنسان الحريات المعقولة. وعلى هذا الأساس إننا نعتقد بأنّ حركة العولمة تكون إيجابية وهي في الأساس حركة دينية. لأنّها تميل أكثر إلى التحرك على محور الفطرة. أما مفهوم الشمولية العالمية يعني في الواقع نوع من السيطرة والركوب على موجة طبيعية. ويعني ذلك ركوب الدوائر الغربية على هذه الموجة الطبيعية وتسخير هذا المسار لصالحها الذاتي. فلو أردنا الحديث عن التعاريف الموجودة اليوم حول العولمة السلبية عليّ أن أقول بأنّ العالمية الشمولية تعني أمركة العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية. لأنّ العالمية الشمولية الاجتماعية تكون أخطر بكثير من الوجوه الأخرى للشمولية. وعليه إننا نعتبر الشمولية العالمية تتناقض مع الشمولية التي يرمي إليها الإسلام والتي تعني الإكراه الثقافي ونشر الهيمنة الثقافية الغربية على العلاقات السياسية والاقتصادية وإيجاد خصائص الشعوب وتعميم منطق الاستهلاك الحيواني، والسعي لمصادرة ثروات الشعوب الضعيفة ومكافحة الأخلاق واشاعة عدم التقيّد بالأخلاق والنسبية في الأخلاق والتعامل الازدواجي طبقاً للمصالح التي نعتبرها ضيقة.   ما هي وجهات النظر الموجودة حول هذين المفهومين؟ الرؤية الشمولية هي رؤية تكون لصالح الإنسان، وتركز على القواسم المشتركة الموجودة بين أبناء البشر. لكن قضية الشمولية العالمية هي قضية هيمنة ثقافة على باقي الثقافات واقتصاد على باقي الاقتصاديات وهي حركة سياسية يتم اضفاؤها على كافة العلاقات السياسية، لذلك إنّ هاتين الوجهتين من النظر مختلفتين تماماً رغم التقارب الموجود بين لفظيهما.   كيف ستكون أشكال التدين في عصر العولمة؟ يجب أن أشير هنا إلى عدم قبولي لهذا المصطلح. لأننا اليوم لا نرى عصر العولمة متحققاً بمفهومه الإيجابي ولا بمفهومه السلبي. ويعني ذلك أننا نعقد الأمل على عولمة الدين في المستقبل، ولكن مازال أمامنا وقت طويل جدّاً لبلوغ العولمة الدينية في المجتمع العالمي رغم وجود خطوات في هذا السبيل. ولكن فيما يتعلق بالشمولية العالمية يجب أن أقول: إنّه رغم المحاولات التي يبذلها الغربيون وأميركا خاصة والتي تكون في رأس السياسة الغربية لتطبيقها، لكن الشمولية العالمية تواجه اليوم أمامها عقبات كثيرة. لأنّ جهود الشعوب نحو إحياء ثقافاتها المحلية وتمسكها بأصالاتها ومنع التدخل الأميركي في شؤونها الداخلية ووجود قوى عظمى أخرى تمنع أمركة العلاقات في العالم. وعليه إننا لا نستطيع قبول هذا المفهوم القائل بوجود عصر باسم عصر الشمولية العالمية. إذن أنا اعتقد بأنّ التدين في عصر الشمولية العالمية السلبية يتأثر بشكل طبيعي بالأجواء الخارجية فالتدين يظهر نفسه تارة بشكل المقاومة ويأخذ طابع العنف وتارة يظهر التدين نفسه بشكل المندحر ويخسر نفسه.. ولكن يمكن اعتبار شكل آخر للتدين وهو شكل المرونة حيث يكيف نفسه. بمعنى أنّ التدين يكيف نفسه على حجم الضغوط الموجهة نحوه، ويبدي رد فعله في الوقت المناسب.   لقد أشرتم في جانب من كلامكم إلى وجود فرق بين مفهومي العولمة والشمولية العالمية، والحال نظراً لوجود ثلاثة مدارس فكرية متنافسة هي الإسلام والاشتراكية والرأسمالية وهي ذات اتجاهات عالمية فهل يمكن اعتبار وجود قضايا مختلفة بين العولمة والشمولية العالمية؟ نعم، لقد كان الإسلام يحمل منذ البداية رؤية شمولية، وانّه قد أعلن ذلك لأنّ الطرح الأساسي للإسلام هو نظام عالمي بإمام واحد وقانون واحد وعلاقات واحده ويسمح لنشاط باقي العقائد والمدارس الفكرية على المستوى الطبيعي. والماركسية كذلك كانت لها منذ البداية رؤية عالمية. لكن هذه الرؤية تكون ضعيفة من الناحية المنطقية ومن الناحية النظرية، كما انّها واجهت الفشل من الناحية العملية. لكن النظام الرأسمالي لم تكن له منذ البداية رؤية عالمية. وقد بدأ النظام الرأسمالي في منطقة أوروبا ولكن عندما وجدت أوروبا المجال مناسباً ووجدت الاشتراكية منهارة والإسلام آخذاً بالاقتدار طرحت فكرة التفوق الثقافي الغربي على الثقافات الأخرى والهيمنة على العلاقات السياسية والاجتماعية وعلى باقي العلاقات كي تتمكن من استغلال رغبة البشرية لبلوغ نظام عالمي.   إذن يمكن القول بأنّ الحركة الإسلامية باتت تنطوي على أهمية كبيرة في موضوع العولمة. لأنّ الإسلام والثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية في النظام المستقبلي للعالم باعتبارهما سيمثلان الخيار الوحيد أمام الثقافات الغربية والحضارة الغربية. فعليه تحول الاهتمام بموضوع عولمة الدين، وادخال هذه المقولة فيه يجعل الفكر الديني والإسلامي بشكل ما في مواجهة مع نزعة الهيمنة الغربية ونشر الثقافة الغربية. إذن يطرح هذا السؤال وهو ما هو دافع اهتمام المفكرين السياسيين في العلاقات الدولية ثانية بنزعة العولمة الدينية وتبعات هذه الحركة؟ أنّ الهواجس المتعلقة بطرح الشمولية العالمية للإسلام وتطبيق الإسلام عملياً كانت موجودة في نفوس الغربيين منذ القدم يعني؛ الخشية من الصحوة الإسلامية ووحدة الأُمّة الإسلامية واعطاء البديل الحضاري. وانّ الساسة والكتاب والمفكرين الغربيين يصدرون دائماً علائماً منهم حول هذا الموضوع تشير هذه العلائم إلى وجود هذا الهاجس، كما انّهم خططوا لازالة هذا الهاجس. فعليه اننا نرى في مؤتمر كمبل الذي عقد في بريطانيا يتخذ القرار للقضاء على السلطان العثماني عبدالحميد الثاني كما يخطط لإيجاد موانع وعقبات أمام الوحدة الإسلامية؛ لعدم تحققها كان من الطبيعي أن يحتل في طليعة هذا التخطيط إيجاد قاعدة قوية باسم الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي. وفي عام 1917 أعلن بلفور ضرورة إيجاد إسرائيل في فلسطين. وفي عام 1924 قضوا على الدولة العثمانية، وقد أوجدوا إسرائيل في عام 1947 كما فرضوا سيطرتهم على العالم الإسلامي. وعندما توجهت نحوهم ضغوط متزايدة منحوا استقلالاً صورياً للعالم الإسلامي بعد أن امسكوا بزمام الأمور في هذا العالم. ولكن مع كلّ هذه الترتيبات لقد طرحت فكرة الشمولية الإسلامية والإسلام السياسي بين الشعوب الإسلامية منذ عام 1960 وقد أدّت أمور منها إحراق المسجد الأقصى وانتصار الثورة الإسلامية في إيران واندحار الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى في أفغانستان إلى انبعاث روح جديدة في العالم الإسلامي. لكن هذه الأحداث كانت على عكس رغبة الغربيين مما دفعهم ذلك إلى تغيير استراتيجيتهم وابدائهم ردود فعل شديدة. ولكن عندما يتم امعان النظر، نجد انّ هذه الاستراتيجية الجديدة للغربيين توضح كذلك شيئين. الشيء الأوّل ضرورة إيجاد التفوق والهيمنة الأميركية على العالم بأسره والشيء الثاني توجيه الضربة للإسلام المصلح والإسلام السياسي. وطبيعي كان لهذه الاستراتيجية شكل أكثر تعقيداً من الاستراتيجيات الغربية السابقة فيما يتعلق بالعالم الإسلامي. لأنّ السياسة الغربية المنتهجة حيال العالم الإسلامي لها ثلاث قواعد متمثلة بإيجاد التفرقة بين أجزائه، وإبقاء العالم الإسلامي في حالة التخلف وفرض العلمانية عليه.   نلاحظ أنّ المفكرين الغربيين بذلوا جهوداً واسعة النطاق لتحقيق مفهوم الشمولية العالمية أو ما تسمونه بالعولمة السلبية. فهل حققوا نجاحاً في هذا الجانب؟ لا أعتقد بأنهم قد حققوا نجاحاً بل انّهم بذلوا محاولات وجهوداً نظرية فقط. فنظرية هانتينغتون رغم اختلافها مع نظرية فوكوياما لكنها تتفق تماماً معه بأنّ الثقافة الغربية والنظام الليبرالي والديمقراطي الغربي يمثلان الأنموذج الكامل للبشرية وإذا كانت البلدان الأخرى راغبة في التوصل إلى الحداثة والتقدم عليها أن تطابق نفسها مع هذا النظام الليبرالي الديمقراطي. فعليه إنها محاولات على مستوى المفكرين الغربيين لإظهار العالم الغربي بمظهر النموذجي. ولكن هناك أيضاً مجموعة من المحاولات العسكرية في هذا الجانب؛ فإنّنا عندما نشاهد الوجود العسكري في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى فإن ذلك يشكل انعكاساً لتلك المحاولات العسكرية. وهناك محاولات سياسية موجودة لإيجاد الشمولية العالمية، ولكن بالرغم من هذه المحاولات كما ذكرت قبل هذا بأنّ الشمولية العالمية الأميركية تواجه الكثير من العقبات ويبدو إنها غير قادرة على تحقيق أهدافها.   هل نستطيع القول بأنّ الحضور العسكري الأميركي في العراق أو الحضور الإسرائيلي في فلسطين يعتبر في الأساس عنصراً لتحقيق فكرة العولمة الأميركية؟ هل استطاعت إسرائيل أن تضفي على حضورها في فلسطين طابعاً شرعياً حتى ولو استطاعت إسرائيل فرض نفسها بالقوة على فلسطين فإنها لا تستطيع فرض نفسها على الشعوب. فكلّ ما تقوم به إسرائيل ستبقى عنصراً غريباً في الجسم الإسلامي وتبقى مرفوضة. فعليه كل ما يمارس بالقوة والضغوط أو بالمال والمساعدات والدعم من جانب الحكومات العميلة لا تستطيع إدخال نفسها في قلب المجتمع الإسلامي. وكذلك أميركا التي تزعم بأنها قادمة لتمنح الشعب العراقي الحرية والديمقراطية، فإذا كانت أعمالها لا تتناسب ولا تنسجم مع هذا الشعار، وتنوي تحقيق مصالحها بالقوة فإنّها ستواجه في المستقبل جهنماً أصعب مما تواجهه اليوم في هذا البلد.   لقد أشرتم في كلامكم إلى المحاولات التي يبذلها المفكرون الغربيون نحو حقن نوع من العلمانية (العرف الاجتماعي) في العالم الإسلامي لكن البعض يرى بأنّ الشمولية الدينية في العالم ستؤدي في نهاية المطاف إلى دفع الدين نحو المنحى العلماني. فما هي وجهة نظركم في هذا الجانب؟ الغربيون بذلوا الكثير من المحاولات لترويج العلمانية في المنطقة بشتى السبل؛ كتربية الأفراد المعتقدين بالعلمانية، وإيجاد أحزاب علمانية في المنطقة وفرض العلمانية من جانب الحكومات العميلة لها. لكننا نرى اليوم ملاحظة الغربيين أنفسهم اندحار العلمانية في العالم الإسلامي. فعندما تقرأ كتاب مستقبل العلاقات بين الإسلام والغرب ستجد السيدة شيرين هانتر ورغم ما تحمله من فكر غربي تعتقد بأنّ المحاولات الكثيرة التي أبداها العالم الغربي نحو إيجاد العلمانية في العالم الإسلامي قد فشلت. ومن الطبيعي أن تبدي الأُمّة الإسلامية اليوم اشتياقاً كبيراً نحو المستقبل الإسلامي والقرآن الكريم وقد إزداد اليوم أمل المسلمين بمستقبل قرآني واضح، وأنا اعتقد بأنّ العلمانية تمثل منطقاً لا ينسجم مع أذواق الشعوب الإسلامية، لأنّ التربية الإسلامية لها شكل يرفض العلمانية ويطردها. وتنشد نظاماً يتطابق مع معتقداتها. فعليه لا يتطابق المنطق الإسلامي مع العلمانية وسيؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى فشل العلمانية. أنا أشعر بالتفاؤل حيال مستقبل هذا الصراع، رغم علمي بأنّ الغرب سيدخل الساحة بكافة طاقاته.   إنكم لم تشيروا في كلامكم إلى باقي الأديان وتتحدثون عن الدين الإسلامي فقط، فهل ترون بأنّ العولمة ستؤدي إلى تهميش الأديان أو العكس من ذلك؟ العولمة الإسلامية لن تؤدي إلى منع الأديان الأخرى من مزاولة حياتها. فالإسلام يكن الاحترام لباقي الأديان ويمنح معتنقي باقي الديانات دوراً في الحياة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. والإسلام لا يرغب في إمحاء الأديان الأخرى. لأنّ المعتقدات الإسلامية هي معتقدات لكافة الأديان، لكن الإسلام له أفكار فريدة من نوعها ولذلك إنّه ينشد نشر أفكاره كذلك.   هل يرى سماحتكم بأنّ هذه الوضعية ستؤدي إلى التقليل من التوقعات من الدين؟ ستؤدي هذه الوضعية إلى زيادة هذه التوقعات. أي كلما نرى ازدياد الفراغ المعنوي في العالم كلما يزيد إحساس البشرية بالمعتقد الذي يمكنه أن يملأ هذا الفراغ. فأنا أعتقد بأنّ عولمة الدين الأخلاقي آخذة بالانتشار بين المجتمعات النامية، وإلى جانب الشمولية العالمية السلبية التي تروج لها الدوائر الغربية هناك عولمة معنوية في المستقبل والتي ستلبي دوافع الإنسان وحاجاته.   هل ستشهد العولمة تقارباً بين الأديان؟ ستشهد تقارباً. وأنّ القادة المسلمين لو أرادوا تحقيق أفكارهم العالمية بشكل أوسع ينبغي عليهم حينئذ متابعة منطق التقارب والحوار الديني، لأنّه الحوار الديني يشكل بشكل طبيعي روح الحوار الحضاري.   نظراً لوجود مشروع الحوار بين الأديان ما مدى دور تنفيذ هذا المشروع في تحقيق عولمة الدين؟ توجد بين الأديان مشتركات كثيرة. فالأديان جميعها تؤكد على الفطرة والأخلاق والعدالة الفردية والاجتماعية والأسرة ودورها في تقوية المجتمع، وضرورة اسهام الشعوب في بناء مستقبلها. وعليه عندما تزداد القواسم المشتركة ستتاح أيضاً مجالات الحوار، كما سيؤدي الحوار بدوره إلى زيادة مستوى القواسم المشتركة بينها.. ويعني ذلك انّ القواسم المشتركة بين الأديان تؤدي إلى تشجيع الحوار بينها كما يسهم الحوار في زيادة التلاقي والاشتراك في وجهات النظر بينها حيال مختلف القضايا، فعليه أنا اعتقد بضرورة اهتمام القادة الدينيين بتلبية رغبة الجماهير البشرية نحو الدين والمعنوية.   هل يهتم سماحتكم في مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية والحوار بين المذاهب الإسلامية فقط أم يشمل هذا الاهتمام جميع الأديان؟ عملنا ينحصر في حدود المذاهب الإسلامية، لأنّ مستوى القواسم المشتركة بين المذاهب الإسلامية أوسع بكثير من مستواها بين الأديان. فالمشتركات الموجودة بين المذاهب الإسلامية تكون كثيرة جدّاً، مما تجعل نقاط الخلاف بينها قليلة جدّاً. وعليه ينبغي علينا من خلال هذه القواسم الكثيرة العمل لجعل التعاون بين المذاهب أن يزداد نحو اتِّخاذ موقف عملي ومعرفة المجالات المشتركة، وسيشكل هذا العمل خطوة نحو تحقيق الوحدة بين أبناء الأُمّة الإسلامية.   لكن العولمة الإسلامية ستطرح أسئلة جديدة أمام المتدينين، فعليه هل يمكن أن تشكل عملية الاستقطاب الديني أي (البولاريسم الديني) أهم مسألة أمام الدين الإسلامي والمسلمين؟ نعم انّ إيجاد رؤية عالمية سيطرح أسئلة كثيرة أمام المفكرين والفقهاء في العالم الإسلامي. كمثال على ذلك كيف يمكن تحقيق التقارب بين ميول العولمة والتعاليم الدينية؟ فهذا يطرح أحد الأسئلة، وهناك أسئلة أخرى من هذا القبيل، هل يمكن أن نتصورها في وجود المتديِّن الحقيقي على الساحة العالمية؟ وما هي السبل التي يمكن انتهاجها للدفاع عن الخصائص الثقافية الموجودة في الدين أو في الشعوب والقبول في نفس الوقت بنظام العولمة؟ أو بفرض ارساء فكرة العولمة، هل تؤدي التغييرات التي ستطرح على المواضيع وتأخذ المواضيع حالة جديدة في نفسها إلى إمكانية إيجاد تغيير في الاحكام؟ فعليه أريد أن أقول ستطرح قضايا أكثر وستتسع آفاق الرؤى ومن الطبيعي ستطرح وتظهر في الساحة أعمال فكرية فقهية جديدة.   وفي هذه العملية كيف سيتم تغيير موقع أولئك الراغبين في الدين؟ طبيعي ستتسع نظرتهم العالمية، ويتجه هؤلاء بشكل أكثر نحو الشؤون البشرية المشتركة لأننا غير قادرين اليوم على فصل أنفسنا عن العالم. ونظراً للتنمية والتطور الحاصل في أجهزة الإعلام الجماعية والاتصالات والمعلومات وثورة الانترنيت والتقارب بين المسافات ينبغي علينا نحن كذلك أن نوسع آفاق رؤانا وأن نأخذ بنظر الاعتبار كافة الفرضيات كما ينبغي أن تكون أهدافنا عالمية. بمعنى حتى إذا كنا ننوي إصدار حكم فقهي يجب علينا الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ هذا الحكم يكون حكماً عالمياً وأن نفكر بالمقتضيات العالمية.   كيف يمكن الدفاع عن المجال الثقافي للدين وتقبل النظام العالمي في نفس الوقت؟ النظام العالمي له مقتضياته. فهذه المقتضيات يجب التساؤل عنها من جانب الدين من جهة ومن جهة أخرى يجب أن نستجيب لهذه المقتضيات في كل مجال. بمعنى أن نستجيب للحاجات العالمية مع المحافظة على أصالتنا الدينية وأن نجيب على الأسئلة التي ستطرح برؤية منفتحة.   المصدر: مجلة رسالة التقريب/ العدد 40 لسنة 2004م

ارسال التعليق

Top