• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأزمة المالية العالمية والتكافل بين الأُمم

الأزمة المالية العالمية والتكافل بين الأُمم

التكافل قد يكون على مستوى العائلة، أو المنشأة، أو القبيلة، أو الأُمّة. وقد يكون هذا التكافل ذا طابع ديني أو عرفي. هناك نوع آخر من التكافل قلما يتكلم عنه الباحثون وهو التكافل بين الأُمم. فعندما تقع أُمّة ما في كارثة طبيعية، كإعصار أو زلزال يتسبب في إحداث الكثير من الوفيات أو الأمراض فإنّنا نجد أنّ كلّ دولة تسارع إلى تعزية الدولة المصابة، وربما لا تكتفي بالكلام، بل تشفعه بتقديم معونات مادّية في صورة أغذية أو أدوية أو خبرة أو آلات أو أي شكل آخر من أشكال المساعدة بالمال والعمل. والدولة المانحة قد تكون في الأصل أقوى وأثرى من الدولة المستفيدة، وقد تكون مثلها أو أقل منها. وقد تكون الدولة الراغبة في المعونة دولة صديقة أو غير صديقة، وقد تكون معونتها بحُسن نية، أو لمآرب أخرى. والدولة المستفيدة هي التي تقرر قبول المعونة أو عدم قبولها.

واليوم اندلعت أزمة مالية لها أبعاد عالمية بدأت في أمريكا ثمّ انتقلت إلى أوربا واليابان وسائر الدول الغربية والشرقية والعربية والإسلامية. فهل ينطبق على هذا الإعصار المالي ما ينطبق على الأعاصير الأخرى؟ هل يجب على الدول أن تتكاتف وتتعاون للتخفيف عن الدول المتضررة، مع ما في ذلك من احتمال درء تأثيرات الأزمة من أن تنتقل إلى بلداننا. فالإعصار الطبيعي قد يصيب اليوم بلداً وغداً بلداً آخر. والإعصار المالي كذلك، بالإضافة إلى أنّ الإعصار الطبيعي قد يصيب بعض البلدان ثمّ ينصرف عن باقي البلدان الأخرى. أما الإعصار المالي فإنّه لا جرَم أنّه سيصيب جميع البلدان. وقد يكون هناك فرق بين الإعصار المالي والإعصار الطبيعي، لأنّ الإعصار الطبيعي لا يد للإنسان فيه، في حين أنّ الإعصار المالي يجب أن يُحاسب المسؤولون عنه.

النظام السائد في العالم اليوم هو النظام الرأسمالي، وله حسناته وله سيئاته. وربما يشكو منه حتى أنصاره، الذين يتفاوتون في مدى توغلهم فيه. فهذا يريده معتدلاً، وهذا يريده متطرفاً متوحشاً. وبما أنّ هذا النظام المأزوم اليوم لا بديل له في الحال، فهل يجوز للبلدان العربية والإسلامية أن تساعده بالرغم مما عانت منه هنا وهناك؟ لاسيما وأنّ آثاره الخطيرة قد تمتد إليها؟ وهل يمكن أن يُحقن هذا النظام ببعض الجرعات أو الإصلاحات التي تؤخذ من نُظم أخرى، لتلطيفه وتعديله؟ ربما يكون هناك مَن يعترض ويقول: كيف نساعد نظاماً على البقاء طالما تمنينا انهياره والخلاص منه؟ ولا ريب أنّ هذا الاعتراض يزداد قوّة إذا كان المعترضون يعتقدون أنّهم مؤهلون للحلول محل هذا النظام في العالم. غير أنّ فريقاً آخر لا يعتقد ذلك، وربما يرى أنّ من الممكن انتهاز الفرصة وتقديم بعض النصائح للنظام الرأسمالي لكي يقترب من استرضاء شرائح أخرى من البشر، ولكي يتقارب أيضاً من النظم الأخرى المناهضة له، كالنظام الإسلامي والنظام الاشتراكي.

إنّ كثيراً من المسلمين لا يرغبون في السلطة على مستوى دولهم، ومن باب أولى على مستوى العالم. ولكنّهم يرغبون بشدة في أن يُطبّق الإسلام، ولو كان الذي يُطبّقه شخص آخر من غيرهم، وربما لا يرون بأساً في أن يبقى اسم النظام رأسمالياً، مادام يُطبّق الإسلام أو يقترب منه. كثيراً ما قرأنا وسمعنا أنّ دولة كافرة عادلة خير من دولة مسلمة جائرة. ونحن نتمنى في أقرب وقت أن نصل إلى دولة مسلمة عادلة، وأن لا نتعرض لهذه المفاضلة القاسية. فهل نُعِين النظام الرأسمالي ونُقيله من عثرته؟ هذا عن مبدأ الإعانة، أمّا على من تقع الإعانة فإنّ هذا المقال يقدم وجهاً للراغبين فيها من الدول والأفراد، كلٌّ حسب مقدرته ورغبته. ما أشكال هذه المساعدة: هل هي هبة أم قرض أم إصدار نقدي أم مصادرة لأموال الناس؟ وكيف نحمي القرض من التضخم وتدهور قيمته الشرائية؟ هل نقول للنظام الرأسمالي: خفف من سوءاتك: خفف من الربا، من القمار، من المضاربة على الأسعار، من الاحتكار، من الجشع، من الظلم، من الفساد الإداري، من التوسع في خلق النقود والائتمان... إلخ. مكّنوا العلماء من قول الحقّ والإنذار المبكر دون أن يخشوا أي سلطة مستبدة في بلدهم. إذا فعل النظام الرأسمالي ذلك هل يبقى رأسمالياً؟

 

المصدر: كتاب الأزمة المالية العالمية، هل نجد لها في الإسلام حلاً؟

ارسال التعليق

Top