• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصحافة الحرّة.. وتدفق المعلومات

الصحافة الحرّة.. وتدفق المعلومات
إنّ حرية الصحافة هي حق الصحفيين في أن يقوموا بالبحث عن المعلومات وجمعها من ثمّ نشرها للناس من دون رقابة من الحكومة، ومن دون خوف أو عقاب. وينطبق مفهوم حرية الصحافة على أنواع المطبوعات كلّها. فترات طويلة من المحاضرات والمؤتمرات عن الصحافة الحرة والتدفق الإعلامي الحر للمعلومات أعطاها الأمريكيون للعالم، فيما أشار خبراء إعلاميون أمريكيون بأنّ الصحافة الأمريكية ليست حرّة بالمعنى المطلق لكنها تعتبر نسبية مقارنة بالحرِّية المتاحة للعالم ذلك لأنّها تعمل داخل أحكام ونظم واتفاقيات وقيود. فهناك تسع شركات كبرى في الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم الدكتاتورية والشمولية تسيطر على ما يسمعه وما يشاهده ويقرأه الجمهور الأمريكي، فوَهْم "حرية الاختيار" فيما يتعلق بالإعلام هي أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة الأمريكية من أي مكان آخر في العالم، ولهذا فإنّ اللذين يسيطرون على الإعلام يحافظون على استمرار الخلط بين الكم الإعلامي وتنوع المضمون. ولابدّ لنا أن نتساءل، لمن يخضع هذا الإعلام، لا شكّ أنّه يخضع للنظام الأيديولوجي الرأسمالي سواء من جانب الصحفيين أو الجمهور، حيث لم يعد متاحاً تحقيق ضمان مصداقية الصحف الأمريكية في ظل سيطرة الشركات الكبرى وتزايد ظاهرة الاحتكار، والطريق المنطقي الوحيد لتحقيق المصداقية كان ضمان الاستقلال لهيئة تحرير الصحف. وربّما نتساءل أيضاً هل أصبح صحفيو الغرب يقومون بدورهم لغرض التجارة ولتحقيق الأرباح لهؤلاء الذين يسيطرون على الوسائل الاعلامية؟ من المؤكد انّ نتائج ظاهرة السيطرة والاحتكار كانت على حساب أمور كثيرة ومنها أخلاقيات الدور الوظيفي والخدمة العامة الاجتماعية لوسائل الإعلام الغربية وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية، التي ارتبطت أخلاقياتها المهنية بالتجارة والتسويق. وقد أدى ذلك إلى وجود خطر معنوي أصبح يشعر به الصحفيون الأمريكيون إذ أصبحوا قلقين من القيم التي يتبناها مديرو الشركات التي تمتلك الصحف في أمريكا. ومن هذا الإطار انطلق بما يسمى "المسؤولية الاجتماعية" التي ظهرت للحد من ظاهرة الاحتكار والتركيز والسيطرة في ملكية وسائل الإعلام في الدول الغربية وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن وللأسف فإنّ التطورات التكنولوجية والتجارية أدت إلى تقليل فرص الأفراد والجماعات المتنوعة في الدخول إلى السوق والتمتع بحق النشر، كما وادت لهبوط معايير أداء الصحافة في الغرب وفشلها في تلبية احتياجات مجتمعاتها. ويمكن القول بأنّه لا وجود لما يسمى بالحيادية والموضوعية في وسائل الإعلام الغربية ازاء أي حادثة أو قضية، فهي تعمل فقط ضمن إطار التجارة والبزنس والتسويق، ولذا فلن يكون هناك أي وسيلة إعلامية حيادية وعادلة وموضوعية ما لم يتم تحررها من شركات الاحتكار الإعلامي الأمريكية. وهذه الأمور حتما أثرت على دول العالم الثالث ولا سيما الوطن العربي. وحرب الخليج كانت نموذجاً واضحاً لعملية إدارة المعلومات والآراء وتصنيعها والتحكّم فيها من خلال الشركات الإعلامية المحتكرة، حيث قامت وسائل الإعلام الأمريكية بتعبئة الرأي العام وتصنيع التأييد العام للموقف الأمريكي وقد استخدمتها الشركات الإعلامية المحتكرة كأداة للدعاية في الحرب. فأخلاقيات الإعلام بحاجة إلى نظام إعلامي جديد يحدد لوسائل الإعلام في الغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص مكانه داخل المجتمع لكي تنمو وتتطور من دون أن يقتصر دورها على تحقيق الأرباح لصالح مجموعة قليلة من الملاك والتي تهدف إلى تحقيق المزيد من الأرباح عن طريق زيادة معدلات التوزيع والمشاهدة... في التركيز على البرامج التافهة والخفيفة التي تتمثل بالجنس والفضائح وغرس العداونية والاثارة. فهل نجحت الدول الغربية بالالتزام (بالمسؤولية الاجتماعية)؟ انّ حرب الخليج وثورات الربيع العربي التي ابتدأت من تونس تؤكِّد انّ الدول الغربية لم تنجح في تحقيق المسؤولية الاجتماعية.   - واقع الصحافة الإلكترونية: أمّا بالنسبة لواقع الصحافة الإلكترونية بخاصة في الوطن العربي فإنّ التقنيات الحديثة جاءت لتضيف الكثير من المشكلات في المجال الإعلامي أكثر من إيجابياتها وذلك من خلال التلاعب بالصور وتحريفها واستخدامها في خداع الجماهير. وبالتالي ستؤدي تلك المشكلات حتما إلى تناقص مصداقية وسائل الإعلام عموماً ويقلل من ثقة الجمهور بتلك الوسائل. وحقيقة فإنّ هذه المشكلة هي بالأساس مشكلة أخلاقية ومرتبطة بمجموعة من المشكلات الأخرى منها نظرة العاملين في الصحف واركز هنا على (الصحافة الإلكترونية) التي تستخدم التقنيات الحديثة صوتاً وصوراً ورسوماً ونصوصاً في آن واحد. إنّ استخدام تلك التقنيات والأساليب في معظم المواقع الإلكترونية واستخدام الأساليب التجارية أدت بلا شك إلى زيادة إحساس المسؤولين عن هذه المواقع بأنّ تحقيق النجاح في عالم الصحافة يرتبط بقدرتهم عبر استخدام تلك التقنيات بصرف النظر عن مدى مشروعية هذا الاستخدام ومدى إتفاقه مع المبادئ الأخلاقية. إضافة إلى ذلك فكثيراً ما تسعى معظم المواقع الإلكترونية في مقدمات الخبر إلى البحث عن عناوين مثيرة أو حشد مجموعة من المعلومات بطريقة مثيرة وجذابة للإنتباه ومعظمها يقوم على المبالغة والتهويل والغموض وعدم صحتها. بحيث انّ الكثيرين من القراء يكتشفون بعد قراءة المادة المنشورة انّهم تعرضوا لعملية خداع، بينما تكتفي نسبة كبيرة من قراء الصحف الإلكترونية بقراءة العناوين والمقدمات وهو ما يؤدي إلى خروجهم بانطباعات واستنتاجات لا تتفق مع مضمون المادة المنشورة. إضافة إلى ذلك فإنّ معظم تلك المواقع تنظر وتتعامل مع المتلقين للمادة المنشورة كمستهلكين أو زبائن وليس كمواطنين بحاجة إلى خبر صادق ودقيق يخلو من الشائعات والتضليل. فهل الصحافة الإلكترونية عموماً تسعى لخدمة المواطن أم لتضليله؟ ولماذا لا يشعر معظم المسؤولين عن تلك المواقع بأنّهم جزء من وطنهم ومن مجتمعهم عندما يقومون بنشر معلومات مضللة وغامضة وخالية من الصحة؟. وربما يحتوي الخبر الإلكتروني في بعض الأحيان على مجموعة الحقائق الصحيحة والدقيقة أو مجموعة من الاقتباسات المنقولة بشكل دقيق عن المصدر ومع ذلك فإنّ معالجة الوسيلة الإلكترونية (الإعلام الإلكتروني) للأحداث عموماً يمكن أن تكون مضللة ذلك أنّ الحدث يمكن أن يكون مرتبطاً بأحداث أخرى وتطورات تاريخية معينة مرتبطة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو الأمر الذي يؤدي إلى تضليل المتلقين ودفعهم إلى اتخاذ قرارات معينة. إنّ واقع الإعلام الإلكتروني عموماً يوفر توازناً شكلياً زائفاً بالتعددية والتنوع في معظم المواقع بهدف جذب الجمهور وتضليله وتشتيت أفكاره وهذا حتماً سيؤدي إلى فقدان ثقة المتلقيين بمصداقية تلك المواقع وبفقدان احترام الجمهور لهم عاجلاً أم آجلاً.   - حق الحصول على المعلومة: على الرغم من اختلاف العلماء عند محاولتهم وضع تعريف شامل للحق، إلا انّ الحق له جذور راسخة في حياة الإنسان ومصالحها، والحقّ لم يعد حقاً إن لم يكن له مصدر يتصف بالمرجعيات.. أما المعلومة من وجهة نظري فهي الشيء أو الأمر الذي يصبح معلوماً بعد أن كان مجهولاً وغير معلوم، حيث يمكن جمعها وصياغتها ونشرها على شكل رموز تحمل صوراً أو كلاماً أو رسومات أو تسجيلات... إلخ. فمن السهل أن نصل إلى المعلومة، لكن من الصعوبة الحصول عليها بسهولة، فهناك فرق ما بين الوصول إلى المعلومة وما بين الحصول عليها.. ولكن مع التطورات التكنولوجية أصبح من السهل أن نصل إلى المعلومة وأن نحصل عليها عبر تكنولوجيا الإتصال في أي زمان ومكان ومن دون التقيد بالحدود الجغرافية، وقد جاء قانون الحصول على المعلومة نتيجة للثورة المعرفية والانفجار المعلوماتي الهائل الذي يشهده عالمنا اليوم بهدف انهاء حالة القلق والإرباك بين الإعلام والمؤسسات الحكومية. ونجد بأنّ هناك بعض الصحفيين والإعلاميين وحتى المواطنين يقومون باستخدام هذا الحقّ بطرق غير مستندة لمصادر موثوقة وأدلة دامغة. فمن حق الصحفيين والإعلاميين الحصول على المعلومات، لكن ليس من حقهم أن يقوموا بنشر كل ما يحصلون عليه ولا سيما إذا لم يتم التأكد من دقتها ومصادرها وأن نقوم بفبركتها، ما يؤدي إلى تشويه صورة إعلامنا ومعلوماتنا. ومن حق الناس أيضاً الحصول على المعلومات، لكن ليس من حقهم نشرها وإشاعتها هنا وهناك من دون التأكد من مصادرها والتأكد من صحتها. وفي هذا الإطار لابدّ أن ندرك انّ "حق الحصول على المعلومة" لا يعني أن تقوم أي وسيلة إعلامية بنقل أي معلومة قد تسيء لسمعة الوطن والوحدة الوطنية، أو الإساءة والتدخل في خصوصيات الآخرين. ولابدّ من الاعتراف بأنّ هناك نوعية من المعلومات يمكن أن تقوم السلطة بحظر نشرها لتحقيق أهداف مجتمعية تفوق أهميتها أهمية حقّ وسائل الإعلام في الحصول على المعلومة ونشرها وحقّ الناس بمعرفتها، كالمعلومات التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع الفوضى أو الجريمة أو الإخلال بوحدة المجتمع وتماسكه. وعلينا أن ندرك انّ وكالات الأنباء الأربع العالمية تقوم بتغطية الأحداث من وجهة نظرها تصوراتها الغربية للقضايا العالمية. لذا من الضروري على وسائل إعلامنا العربي التركيز على نوعية المعلومة المقدمة للمواطنين لتساعدهم في اتخاذ القرارات الصحيحة، وليس نشرها بهدف الفوضى وتضليل المواطن من دون وعي وإدراك، ومن الضروري التوصل إلى مجموعة من المحددات التي توجه الصحفيين إلى البحث عن نوعية المعلومة غير تلك التي يبحثون عنها حالياً وتعتبر النظرة إلى طبيعة المعلومات باعتبارها سلعة اجتماعية. ولا يمكن تحقيق تلك الأمور ما لم يتم إعادة تشكيل نظرة الصحفيين للمواطنين على انّهم ليسوا فقط مجرد مستهلكين للمعلومة وانّ المعلومة ليست مجرد سلعة تجارية وذلك عن طريق التحلّي بالحيادية والموضوعية وتوخي الدقة والحذر، من ثمّ فإنّ وسائل الإعلام تحتاج إلى فكر أخلاقي جديد وأن يتم الربط بين المواثيق الأخلاقية والتعليم والتدريب وأن يرتبط ذلك ببناء نظم إعلامية ترتبط فيها الحريِّة بالمسؤولية. إنّ منح الصحفيين "حق الحصول على المعلومة" لا يعني نشرها بطرق عشوائية من دون إدراك لأبعادها ونتائجها، وانما يعني أن يتعلموا طرق اختيارها وانتقائها بكل حذر ودقة ووضوح.   المصدر: كتاب الإعلام رسالة مهنية

ارسال التعليق

Top