• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أربع معجزات لسيدنا سليمان (ع)/ ج2

أربع معجزات لسيدنا سليمان (ع)/ ج2

أحطت بما لم تحط به!

رجع الهدهد لسيدنا سليمان، وكان سليمان متوعداً الهدهد؛ لأنّه تأخر جدّاً ونحن هنا منضبطين، هذا هو الإسلام، (فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) (النمل/ 20)، أهو غائب: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ) (النمل/ 21)، لا هذا لا يصح عندنا: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) (النمل/ 21)، أو يأتي لي بكلام مؤكد، وأتى الهدهد، تخيل الهدهد أتى وهو طبعاً متعب، تخيل المجهود الذي بذله الهدهد، طار من اليمن لفلسطين لأجل الإسلام فأتى الهدهد بعد بذل مجهود كبير، والطيور كلها مجتمعة حوله وتقول له: يا ويلك يا هدهد سيدنا سليمان توعد أن يعذبك، (لأعَذِّبَنَّهُ)، وتقول له أيضاً: يا هدهد، سيدنا سليمان قال: إنّه سيذبحك: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (النمل/ 22)، مكث يعني: استقر أي: أنّه مكث غير بعيد من سليمان يعني: أنّه غير خائف ثمّ اقترب ووقف أمامه وهو واثق من نفسه لا يرتعش قال: (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (النمل/ 22)، انظر لكلام الهدهد، كلام مؤمن بالله يحب دينه جدّاً: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (النمل/ 23)، أدق التفاصيل: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (النمل/ 23)، أنا دخلت وشاهدت عرشها: (وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) (النمل/ 24)، انظر لغيرة الهدهد.

 

غيرة شديدة:

قال تعالى: (أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) (النمل/ 25)، هل يعقل ألا يسجدوا لله، يحب الإسلام ويغار عليه: (أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (النمل/ 25)، الخبء هو الشيء المختبىء، الهدهد يلتقط الأشياء المختبئة لهذا فحبه لله مرتبط بمصدر رزقه فقال: الذي يخرج الخبء. ربي هو الذي يطعمني، نحن أرزاقنا مرتبطة بالله، من الذي يرزقك، تعلموا من الهدهد، أنا أحب الله وأعبده؛ لأنّ مصدر رزقي من عنده، هذا ليس ذكاء مني ومنقاري الذي يخرج القمح إنما هذا من محض فضله الذي يوفق منقاري أن يخرج هذه الحبة: (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) (النمل/ 25)، لأنّه قال: الخبء بدأ بالمختبىء في القلوب لتكون المقارنة هي هي، مثلما يخرج الأشياء المختبئة من الرزق هو أيضاً الذي يخرج المختبىء في القلوب، تخيل هدهداً يعرف ربه بهذا الشكل وعقيدته بهذه الصورة، انظر لغريزته وحبه لله: (أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)، ولأنّه قال: إنّ لها عرشاً عظيماً إلا أنّه تنبه لقوله: إنّ لها عرشاً عظيماً فقال: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (النمل/ 26)، يا ترى هل منا من تأثر بالهدهد؟

 

مفاهيم إدارية في قصة الهدهد:

في قصة الهدهد معنى جميل جدّاً، وهو أنّ نفس الآيات تجمع صفات القائد الناجح والموظف الناجح؟ ما الذي يلزمك لتكون مديراً ناجحاً؟ وموظفاً ناجحاً وجندياً ناجحاً؟

 

صفات المدير الناجح:

أوّلاً: صفات القائد الناجح من الآيات: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ)، يتفقد الناس الذين معه.

ثانياً: عدم التسرع وعدم العجلة في قوله: (فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) (النمل/ 20)، لو أنّه متسرع لقال: لماذا لا يوجد الهدهد؟ لكنه ابتدأ بـ: (مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)، أم هو غائب.

ثالثاً: الحزم: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ).

رابعاً: العدل: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) (النمل/ 21).

خامساً: الاستماع للجنود، والدليل: أنّ الهدهد جلس يحكي ولو كان الهدهد يعلم أنّ سيدنا سليمان لن يعطيه هذه الفرصة لما كان ليطير بعيداً، إذن عندنا خمس صفات: تفقد الجنود أو الموظفين وعدم العجلة والحزم والعدل والاستماع وفتح الباب لهم.

 

صفات الموظف الناجح:

لبيان صفات الموظف الناجح أو الجندي الناجح، انظر إلى الهدهد.

أوّلاً: الإيجابية، جندي إيجابي لا يذهب كلّ يوم إلى العمل ويرجع وانتهى الأمر.

ثانياً: الثقة في النفس، فمكث غير بعيد.

ثالثاً: القدرة على ترتيب الأولويات.

رابعاً: دقة نقل الأخبار، عندما يأتي بمعلومة أو يُطْلَب منه عمل يفعله على أدق وجه، فهو دخل إلى أن وصل لعرش الملكة.

 

رسالة سليمان:

قال تعالى: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ) (النمل/ 27-28)، لماذا يذهب الهدهد بالذات؟ ليجعل كلّ الثواب للهدهد، يعني: أنت الذي بدأت هذا الموضوع سنجعلك تكمله (لأنك إيجابي)، من الأشياء التي تضحك جدّاً أنّ بعض الكتب تقول: إنّ الذي نجّا الهدهد من سيدنا سليمان هو بره بوالديه، وهذه من الطرائف التي وجدتها في الكتب، (اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ)، ولماذا ألقاه ثمّ تولى عنهم؟ حتى لا يتجسس عليهم: (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)، تولى عنهم وانظر بعيداً، نأتي لسبأ لنعرف ماذا فعلوا؟ (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) (النمل/ 29)، واضح أنّ السيدة لا تريد الحرب، من البداية هي تمهد للسلام: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ) (النمل/ 29-30)، مكتوب فيه: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (النمل/ 30-31)، كم كلمة؟ أربع كلمات، الرسالة كلها تقول: لا تتكبروا وأسلموا لله – عزّ وجل –، يقال: إنّ أوّل من كتب في الخطاب بسم الله الرحمن الرحيم هو سليمان (ع).

 

المرأة في الإسلام:

قال تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) (النمل/ 32)، امرأة عاقلة جدّاً تعمل بمبدأ الشورى، والقرآن أثبت بذكره لهذه المرأة التي هي صاحبة عقل ووعي أنّ الإسلام لا يعتبر المرأة درجة ثانية وأنها لا تفهم ولا عقل لها، أما حديث النبي (ص): "النساء ناقصات عقل ودين"[1]، ليس معناها أنها لا تفهم، ناقصات دين من ناحية العدد؛ لأنها تأتي عليها أيام لا تصلي فيها ولا تصوم. نقص الدين في الكم، وهذا ليس سباً للمرأة إنما هو وصف لحالتها، أما نقص العقل فهو أنّ الله أعطاها عاطفة زائدة، فأحياناً العاطفة تغلب على قرار العقل لكن هذا لا يعني أنها لا تفهم أو أنها لا تفكر مثلما نقول على الرجال: إنّ عقلهم يغلب عاطفتهم فهل معنى هذا أنّ قلوب الرجال قاسية ليس عندهم إحساس؟ لا ليس معناه هذا فكلمة ناقصات عقل ليس هذا معناها، والدليل أنّ القرآن يثبت أنّ هذه المرأة ذكية وتعمل بالشورى.

 

حكمة بلقيس:

قال تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ) (النمل/ 32-33)، نحن أقوياء جدّاً، واضح أنهم يميلون للحرب لكن قالوا لها: (وَالأمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) (النمل/ 33)، يعني: بعدما قالوا لها: نحن أقوياء قالوا: لكن نحن ليس لنا رأي أنت التي تقولين، فقالت لهم – وواضح أنها سيدة ذكية جدّاً –: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل/ 34)، هذه طبيعة الملوك، أنا لا أريد الحرب، أرأيتم طبيعة المرأة التي تميل للسلام، واضح أنّ هذه الطبيعة غلبت على شخصية بلقيس في هذا الموقف، ثمّ قالت: سأجرب معه أمراً آخر لأعرف هذا الرجل، انظروا إلى ذكائها: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (النمل/ 35)، سأرى هل هذا رجل دين فعلاً وعقيدة وإسلام أم رجل يقول كلاماً فقط، سأبعث له هدية فلو قبلها وسكت يكون رجل دنيا، أما إذا رفض الهدية وأصر على ما قاله: (أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (النمل/ 31)، فيكون رجل عقيدة فلا نحاربه أبداً، ما رأيكم في عقل هذه المرأة؟

فلما جاء وفدها إلى سليمان يحمل الهدايا العظيمة الضخمة جدّاً والغالية جدّاً، قال لهم سليمان: (قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ) (النمل/ 36)، أنتم أتيتم لي بمال أتظنوني سأهتم بالدنيا، أتمدونني بمال، أنا معي دين ومعي علم ومعي نبوة: (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) (النمل/ 36)، ما هذه الدنيا التي أنتم بها فرحين: (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً) (النمل/ 37)، انظروا لعزة الإسلام وعزة الدين: (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ)، ورجع الوفد فأخبرها أنّه يجهز لهم جيشاً، فبكل عقلانية قالت: جهزوا لي وفداً وأنا أذهب وأعتذر له.

 

من يأتيني بعرشها؟

وجاءت الأخبار لسيدنا سليمان (ع) أنها آتية فعرف أنها عاقلة لكنه أحب أن يبهرها بحضارة الإسلام ويبهرها بالتكنولوجيا الإسلامية، فقال: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (النمل/ 38)، أنا أريد السرير وكرسي عرشها قبل أن تصل هي، لماذا؟ ليريهم حضارته المبهرة، وأنت أيضاً يجب أن يكون عندك ما يجعل الناس تقول: يا سلام أنا أريد أن أكون مثل فلان، ربما فتاة من فتياتنا أكرمها الله بقدرة على أن تحبب الفتيات بها ويكون هذا هو عنصر الإبهار فيها، ربما إنسان لغته حلوة جدّاً، أو أنّه يجيد الكمبيوتر إذن هذا عنصر إبهاره، سيدنا سليمان (ع) يريد أن يبهرها ولكن بدون كلام، انظروا لإسلامنا وحضارتنا، ونعود لنقطة العلم وللتكنولوجيا والتفوق: من يأتي لي بعرشها: (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) (النمل/ 39)، الجن المسخرون لسيدنا سليمان (ع): (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ)، وكان سيدنا سليمان معتاداً أن يمكث في جلسته مع الناس للإفتاء من الصبح إلى الظهر، لم يعجب هذا الكلام سيدنا سليمان، لماذا؟ لأنّ عنده تكنولوجيا أفضل من هذا، نحن أقوى من هذا، الإسلام حضارته أقوى: (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)، فلم يعجب سيدنا سليمان، لا أروني يا مسلمين تفوقكم وأروني من سيكون الأوّل. من الذي سيكون من العشرة الأوائل في الثانوية أروني.

 

العالم بالكتاب أشد:

قال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (النمل/ 40)، قبل أن يرتد إليك طرفك، تغمض عينك وتفتحها، يكون عرشها مستقراً أمامك، من هذا الذي عنده علم من الكتاب؟ هذا كان يعرف اسم الله الأعظم ليس عندنا دليل وهناك من قال: هو كان يعلم علم التوراة وهناك من قال: إنّه الخضر ونسأل هل هو سليمان نفسه؟ لكن يبدو أنّه لم يكن سليمان؛ لأنّ الله أحياناً يُطلع بعض عباده على أسراره وهذه الأسرار لا يعطيها حتى للأنبياء، أليس الخضر كان يعلم أشياء لا يعلمها موسى في علم غيب الله؟ فلا تتعبوا أنفسكم في أمر من الذي عنده علم الكتاب؛ لأنّ الله أحياناً يختص عبداً ويعطيه أموراً لم يعطها لأحد غيره، ينام مثلاً فيرى الأحداث التي ستحدث السنة القادمة، هناك أناس يحدث لهم أمور مثل هذه، فهناك أناس يعطيهم الله هذه النِّعم، اشكر الله عليها وإياك أن تستخدمها في معصية الله – عزّ وجلّ – فهذا سر من أسرار الله في كونه يعطيه لمن يشاء: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (النمل/ 40)، انظروا لكلمة قال الذي عنده علم، انظر كيف أنّ كلمة العلم تسير معنا: (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ)، فجأة وجد مستقراً عنده: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي)، مستمر في الشكر كلّ فترة يشكر الله، كلما أعطاه الله شيئاً شكر له: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (النمل/ 40).

 

الشكر سبيل الزيادة:

ونلاحظ أمراً عجيباً جدّاً وهو أنّه كلما يأتي الشكر يأتي عكسه في القرآن الكفر: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7)، ثمّ قال: (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (النمل/ 40)، (نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا) (النمل/ 41)، بمعنى: غيروا من شكله، لماذا؟ لأنّه يريد أن يختبر ذكاءها، يريد أن يعرف هل هي عاقلة أم لا، ونسأل ماذا سيستفيد إذا عرف هل هي عاقلة أم لا؟ ليعرف هل سيكون إسلامها سهلاً؛ لأنّ العقل يقود للإسلام لكن لو كانت – والعياذ بالله – غبية فيعرف أنّه لا فائدة، فأراد أن يختبر درجة ذكائها فقال لهم: هي لو رأت عرشها ستعرفه، (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا)، غيروا شكل العرش: (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) (النمل/ 41)، لنعرف هدايتها.

 

الدعوة بالتكنولوجيا:

قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ) (النمل/ 42)، هل عرشك يشبه هذا؟ فهي ذكية فلو قالت له: نعم فيمكن أن يكون هذا ليس عرشها أو أن تقول: لا وهو عرشها فردت بإجابة لا بالإثبات ولا بالنفي فقالت: (كأنّهُ هُوَ)، ذكاؤها عالٍ جدّاً، يقول الله تبارك وتعالى: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ)، جمع بين العلم والإسلام لكنها ظلت أمامه غير مؤمنة، لماذا؟ يقول الله تبارك وتعالى: (وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ) (النمل/ 43)، منعها من الإسلام الكبر، هذا هو الذي صدها عن الإيمان لكن الآية الأخيرة تقول: إنّ سليمان أراد أن يعطيها فرصة أخرى ليبهرها بتكنولوجيا المسلمين أكثر، فعل معها الإبهار العلمي لتؤمن: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) (النمل/ 44)، تفضلي ادخلي القصر، أنتِ لا تريدين أن تؤمني، تعالي نكمل المفاوضات، ادخلي القصر: (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً)، القصر كان مبنياً على البحر وحتى تصل لباب القصر فبينك وبينه ماء، فلكَي تدخل يجب أن تعبر في هذا الماء، فلجة تعني: بحراً: (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا)، لتعبر الماء، انظروا لدقة التعبير القرآني، المرأة صدقت أنّ هذا ماء انظروا إلى التكنولوجيا فرفعت ملابسها تعبر قال: لا، انظري كيف جعلنا الإسلام نتفوق: (قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ)، إنّه ماء مغطى بزجاج شفاف جدّاً لدرجة أنك ظننتِ أنّه ماء وإنما هو زجاج ومن تحته ماء، هل هناك من استطاع في القرن الحالي أن يفعل مثل هذه التكنولوجيا؟ أنا أريد أن أقول: من يقول: إنّ فكرة الإسلام أو التدين نقيض العلم هذه الفكرة خطأ، هل هناك في القرن الواحد والعشرين من وصل لتكنولوجية سيدنا سليمان؟ لم يصل أحد لها إلى يومنا هذا بأن يضع زجاجاً على البحر، أمر لم يصل له أحد والقرآن لم يقل كيف فعل سليمان هذا: (قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ)، تخيل تفوق التكنولوجيا.

 

إسلام ملوكي:

قال تعالى: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ) (النمل/44)، فالذي يفعل هذه الأشياء لا بد أنّه موصول بالله، تميز في أمر لتجعل الناس تقلدك فيه، يمكن أن تكون متميزاً في تجويد القرآن أو علمك الدنيوي اجعل الناس تنبهر بك، تفوق في أخلاقك: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (النمل/44)، إسلام ملوكي، لم تقل أسلمت لسليمان وإنما قالت مع سليمان.

 

وداعاً سليمان:

أراد الله أن يجعل وفاته عبرة شديدة، لتنبه كلّ من يظن أنّ الجن يعلم الغيب، كان سيدنا سليمان (ع) قبل أن يموت بعدة أشهر قد أمر الجن أن يبنوا للإسلام بناءً عظيماً، فالجن تعمل وسيدنا سليمان واقف في شرفة يتابع الجن واضعاً يده على عصاه ومتكأ عليها وسانداً جسمه عليها يراقب الجن، فيخافون أن يحبسهم فيظلون يعملون، وبينما هو واقف مات، مات على هذه الحالة، أراد الله له أن يموت على هذه الحالة ولم يتوقع من يراه أنّه ميت؛ لأنّه كان متكأً على عصاه وجاء خليفته من بعده وجده قد مات، لكن وجد الجن يعملون فأراد أن يكمل الجن هذا البناء للإسلام فتركه مثلما هو وكان يأتي ويهمس في أذنه مثلما كان يفعل وهو حي ليشعر الجن أنّه موجود ويرجع والجن متعجبة؛ لأنّه واقف منذ أسابيع لم يجلس يوماً ولم يأكل ولم يشرب ولم ينم، واقف يراقبهم وهم يعملون بجد والبناء يكتمل، إذن الجن لا يعلم الغيب، إلى الذين يقتنعون بأنّ الجن تعلم الغيب إليهم هذه الآية القرآنية قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) (سبأ/ 14)، مرّت أسابيع والأمر اقترب من شهر وسليمان واقف إلى أن جاء الدود والأرضة وبدأت تأكل في العصا من أسفلها، فالعصا ضعفت فلما ضعفت وقع سيدنا سليمان (ع) من الاتكاء عليها فعرفت الجن أنّ العصا نخرت وهو ميت منذ زمن، متى ستفيقون يا من تتعلقون بالجن؟ هل تريدون أوضح من كلام الله في هذه القضية؟

 

الهامش:


[1] - أخرجه مسلم في (الحديث: 238)، وأخرجه أبو داود في (الحديث: 4679)، وأخرجه ابن ماجه في (الحديث: 4003).

المصدر: كتاب قراءة ورؤية جديدة في قصص الأنبياء

تعليقات

  • 2021-06-07

    RedaAwad

    ماشاء الله معلومات قيمة و أسلوب شيق جزاكم الله خبر الجزاء

ارسال التعليق

Top