• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف نفهم الحياة الزوجية؟

الشيخ محمد قانصو

كيف نفهم الحياة الزوجية؟

◄انطلاقا من قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم/ 21).

نفهم أنّ العلاقة الزوجية هي في البداية وقبل كلّ شيء علاقة اندماج وتماس بين روحين ونفسين أرادا بملء اختيارهما وتراضيهما بناء حياة زوجية قائمة على أُسس ثابتة ومستديمة، وهذه الأُسس أشار إليها القرآن الكريم وسماها السُّكنى والمودة والرحمة، والتي عليها تقوم العلاقة الزوجية وتبقى الأمور الأخرى مجرد تفاصيل .

من هنا فإنّه لابدّ قبل الإقدام على الزواج كمشروع مستقبلي وخيار مصيري أن يفهم كلّ من الذكر والأنثى الثقافة التي تحكم الحياة الزوجية سواء في الدائرة الروحية أو في دائرة الحقوق والواجبات، وأن يدرك الشريكان أنّ الحياة الزوجية ترتب مجموعة من المسؤوليات المشتركة التي لابدّ لكلّ منهما أن يتحملها بروح المسؤولية العالية، كما لابدّ لكلّ من الشريكين من أن يتمتع بروح الوعي والإدراك بما يمكنه من إدارة حياته الزوجية إدارة ناجحة، لأنّ قلة الوعي أو عدم الإلمام بثقافة الحياة الزوجية من شأنه أن يدفع إلى تبني ثقافة بديلة تُبنى على الجهل وتُبنى على أساس الموروثات الشعبية القديمة، التي تقدم الحياة الزوجية بصورة بدائية تبتعد بها عن كلّ معاني السمو الإنساني وتفرغها من أي مضمون روحي أو معنوي، فعلى سبيل المثال تصبح الحياة الزوجية رهينة المعتقدات الخرافية التي تلبس الزوج صورة السيِّد الحاكم المطلق وتجعل من الزوجة أَمة أو جارية ليس عليها إلّا تقديم طقوس الولاء والطاعة المطلقة للسيِّد الزوج، ويصبح العنف والإلغاء والسيطرة لغة تخاطب بين الزوجين وأسلوباً في التعامل اليومي بين الشريكين، وعلى المقلب الآخر فإنّ ثقافة الموروثات البديلة تدفع بالزوجة إلى توسل الخرافة والشعوذة أسلوباً معتمداً في حل المشكلات أو الاختلافات الطبيعية التي تنشأ بين الزوجين انطلاقاً من التسليم بالإثنينية والاعتراف بالأخر والقبول به .

إنّ الزواج الذي اعتبره الله – عزّوجلّ - أحب البناءات في الأرض إليه، وأكّد عليه الرسول الأعظم (ص) واعتبره نصف الدين أو ثلثيه، لابدّ أن يكون مسبوقاً بالتخطيط الكامل والدقيق في كلّ مرحلة من مراحله وفي كلّ مفصل من مفاصله، ولابدّ أن يكون هذا التخطيط مراعياً للخطوط الدينية والعقلية التي تضمن نجاحه وديمومته، وهذا أمر في غاية الأهمية لأنّ التخطيط الواعي يجنبنا الكثير من الانتكاسات المستقبلية التي تنتهي بإعلان الفشل أو النهاية الحتمية للعلاقة الزوجية فيما نسميه الطلاق .

لابدّ لنا أن نضع نصب أعيننا النهاية المرة لزواج فاشل لم يُبنَ على أُسس متينة، وما يترتب على هذه النهاية من مفاعيل وآثار سلبية تترك بصماتها على الزوجين أوّلاً ومن ثم على الأولاد وبالتالي على المجتمع، إنّ دراسة النتائج السلبية المترتبة على زواج فاشل تشكّل دافعاً وحافزاً إضافياً على ضرورة إشراك العقل إلى جانب القلب في التخطيط المتمهل لزواج ناجح ودائم .

من هنا فإنّني أدعو إلى مؤسسة الوعي الزوجي وتعميمه وتنظيمه وذلك من خلال دعوة هيئات المجتمع كافة وعلى رأسها الدولة والجمعيات الأهلية والبلديات وغيرها، إلى تبني مشروع التوعية والتأهيل الزوجي وتوظيف الإمكانات اللازمة لذلك وإعداد الورش والأنشطة الداعمة، واعتبار هذا المشروع مدماكاً أساسياً من مداميك تحصين المجتمع وحفظ وحدته وترابطه وصونه عن التفكك والشرذمة، كما أنّ تبني هذا المشروع لا يقل أهمية أن لم نقل أنّه يفوق أي مشروع آخر يراد به خير الإنسان وسعادته والرقي به إلى مراتب الإنسانية الفضلى.►

 

 * كاتب وباحث إسلامي

ارسال التعليق

Top