• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أفواه الوالدين وتسوس الإرضاع

أفواه الوالدين وتسوس الإرضاع

◄رفعت منظمة الصحّة العالمية شعار "أطفال أصحاء الأسنان لعام 2017م"، وهو أمر يحتاج إلى بذل جهود أكبر من أطباء الأسنان وأطباء الأطفال لتوعية الأهل وإرشادهم إلى ضرورة تطبيق الإجراءات الملائمة للإرضاع، سواء عن طريق الثدي أو الزجاجة، من أجل تجنُّب إصابة الأطفال الرُّضَع بتسوس الإرضاع، وهو نمط نوعي من التسوس الذي يصيب الأسنان المؤقتة للرضع والأطفال الصغار، ويعد من المشكلات الصحّية المهمة التي تنتشر في شتى بلدان العالم، وفي جميع المستويات الاجتماعية بنسب مختلفة تتراوح بين 3 و45 في المائة.

كان يطلق على هذا الشكل من التسوس تسميات ترتبط بالسبب الذي كان يُعزى له حدوثه، وهو زجاجة الإرضاع ومنها: التسوس بسبب زجاجة الإرضاع، وتسوس الأسنان، وتناذر زجاجة الإرضاع، وأسماء أخرى مشابهة، إلّا أنّ الدراسات أظهرت في ما بعد إمكان حدوث هذا التسوس عند الإرضاع بالثدي نفسه، أو بسبب الحلمة الصناعية التي تغمس في المواد السكرية، ولذا ظهر مُسمّى "تسوس الإرضاع" ليكون أكثر شمولاً، وهو لا يرتبط بسبب واحد، ويعد حالياً الأكثر قبولاً واستعمالاً في الكتابات الطبية. وقد ظهرت أخيراً تسمية جديدة هي "تسوس الطفولة المبكرة"، وهي أيضاً لا تدل على سبب نوعي للتسوس.

يحدث هذا الشكل من التسوس، بسبب إطالة فترة الإرضاع غير الملائم للطفل، سواء عن طريق الثدي أو عن طريق الزجاجة قبل فطام الطفل، ويتصف بما يلي:

1- إصابة أسنان عدّة في الفم.

2- سرعة تطور الإصابة.

3- تموضع التسوس على السطوح المقاومة عادة للإصابة بالتسوس مثل السطوح الدهليزية للقواطع الأمامية العلوية التي تكون أكثر تعرضاً للإصابة بسبب بزوغها المبكر في الفم، والسطوح اللسانية للأرحاء السفلية والأنياب التي تصاب بشكل أقل.

ويختلف هذا الشكل من التسوس عن التسوس المتنشر – الذي قد يحدث في هذه الفترة من العمر ويصيب جميع الأسنان – بأنّه لا يصيب القواطع السفلية بسبب تغطية اللسان لها أثناء الإرضاع، مما يمنع تماسها مع الحليب من الثدي أو من الزجاجة.

 

   الوالدان.. من عوامل الإصابة:

أ) العوامل الجرثومية: من المعروف أنّ الجراثيم من نوع العقديات (Streptococus) الطافرة وهي بكتيريا إيجابية الجرام لا هوائية، توجد غالباً في التجويف الفمي للإنسان وتلعب دوراً أساسياً في حدوث التسوس. ولقد لوحظ أنّ هذا النوع من الجراثيم يكون عادة قليل العدد جداً في فم الرضيع قبل بزوغ الأسنان، ثمّ يأخذ بالتزايد، وخاصّة لدى إصابة الأسنان بالتسوس البدئي. وقد وجد الباحثون أنّ هناك علاقة مؤكدة بين كميات العقديات الطافرة الموجودة في فم الأُم والأب وإصابة الرضيع بالتسوس، وتزداد حدّة التسوس لدى زيادة انتقال العقديات الطافرة من فم الوالدين إلى الرضيع عن طريق التقبيل أو المشاركة بأدوات الطعام حتى لو كانت حدّة التسوس منخفضة لديهما.

 

ب) عوامل النظم الغذائية: كما تؤثر أيضاً السكريات الموجودة في حليب الأُم أو في حليب الزجاجة وما يقدم للطفل بطرق أخرى، في حدوث التسوس الذي يزداد احتمال التعرض له عندما ينام الطفل وحلمة الثدي أو الزجاجة في فمه أو لدى تكرار إرضاعه عند الطلب، أو لدى غضافة السكريات إلى محتوى الزجاجة من حليب أو ماء أو عصير، ولوحظ أنّ حليب الأُم يمكن أن يكون أكثر إحداثاً للتسوس من حليب البقر بسبب احتوائه على اللاكتوز بنسبة 7 في المائة، وهي ضعف ما يحتويه حليب البقر الذي يحتوي بدوره على كميات كبيرة من الكالسيوم والفوسفور تزيد على ما هي عليه في لبن الأُم، وهذه العناصر تلعب دوراً أساسياً في حدوث تمعدن الميناء وعدم الإصابة بالتسوس.

 

ج) عوامل المضيف: يحدث عدم التسوس في القواطع السفلية بسبب الحماية الفيزيائية التي يتولّاها اللسان أثناء الإرضاع ومجاوزتها لفوهات الغدد تحت الفكية والغدد تحت اللسانية، حيث يقوم اللعاب بالتنظيف الطبيعي للأسنان وتفعيل الأحماض الموجودة داخل اللويحات الجرثومية وإضعاف فاعليتها في تحلل الميناء. ويكون تدفق اللعاب عادة قليلاً خلال الليل وأثناء النوم، ويمكن أن يزداد تسوس الإرضاع عند وجود تشوهات في الميناء مثل نقص التمعدن ونقص التنسج وربما يعود سبب سرعة الإصابة بتسوس الإرضاع إلى عدم سماكة ميناء الأسنان المؤقتة.

ويعتبر الزمن عاملاً أساسياً في تطوّر التسوس عند إطالة فترة الإرضاع وخاصّة خلال الليل، وكذلك تكرار الإرضاع، فإنّ زيادة طلب الإرضاع (عشر مرّات يومياً) من الطفل تؤدي إلى تكرار حدوث عمليات تخمر البقايا السكرية ويسمح بانخفاض درجات الحموضة أو باهات (PH) اللويحة السنية لفترات طويلة ومتعددة، وهذا يزداد عادة عند نوم الطفل بجوار أُمّه خلال الليل، حيث تؤدي زيادة عدد مرّات الإرضاع إلى تكرار تناول المواد القابلة للتخمر (الركائز) خلال فترة ركود التدفق اللعابي، وبالتالي تزداد الإصابة بتسوس الإرضاع، وكما نشجع الإرضاع الطبيعي للطفل، فإنّه يجب أيضاً تشجيع الاهتمام بالعناية بصحّة فمه.

 

 قبل بدء العلاج:

يجب أن يتضمّن تدبير تسوس الإرضاع العلاجي تطبيق الإجراءات التالية:

 

1- إيقاف العادة غير الملامة بالإرضاع:

تبدأ معالجة الأسنان المصابة بتسوس الإرضاع بإيقاف العادة غير الملائمة في الإرضاع أوّلاً وتوجيه الإرشادات الوقائية وتبنيها من الأهل ثانياً، وتحديد العوامل المسببة لتسوس الإرضاع وإزالتها ثالثاً. وتعتمد معالجة الأطفال المصابين بتسوس الإرضاع على تقدير شدّة الإصابة وعمر الطفل وسلوكه وتعاون الأهل، ويتضمن ترميم الأسنان المصابة بالتسوس تعديل العوامل الأساسية الأربعة التي تشترك في حدوث تسوس الإرضاع، وهي: الجراثيم الممرضة، المواد القابلة للتخمر، استعداد السن المضيف، وعدد مرّات الإرضاع.

 

2- إرشاد الأهل:

يجب على طبيب الأسنان تقديم الإرشادات التالية إليهم:

- الإقلال من استخدام زجاجة الإرضاع وفطام الطفل إلى الكوب أو الكأس عند الشهر الثاني عشر من العمر.

- عدم تقديم الزجاجة للطفل كمكافأة خلال الليل أو لدعوته للنوم. وإذا كان ضرورياً إعطاء الزجاجة للطفل خارج فترات الرضاعة الغذائية، فيجب تخفيف تركيز السكريات في محتواها كلّه بتخفيفه بالماء بشكل تدريجي حتى يصبح كلّه من الماء فقط.

- تجنب غمس الحلمة الصناعية في المواد السكرية.

- التعاون مع طبيب الطفل الخاص للتحكم في عادات الإرضاع الخاصّة لدى مراجعة الطفل للطبيب اثناء شعوره بالألم، ولوحظ أنّ حدوث الآلام لدى الطفل بسبب التسوس يؤدي إلى اضطراب في النوم وتغيراً في نمط الإرضاع، مما يؤثر في الصحّة العامة للطفل محدثاً انخفاضاً في وزن الجسم بشكل أكبر من الأطفال غير المصابين بتسوس الإرضاع، ولوحظ أيضاً حدوث زيادة في إنتاج الهرمون الكظري بسبب الألم، وناقص في إفراز هرمون النمو بسبب اضطراب نوم الطفل والتغذية غير الملائمة، ما يؤدي إلى تأخر نمو الطفل.

- تنظيف أسنان الطفل باستخدام معجون الأسنان المفلور بتركيز منخفض لا يزيد على 400 PPM بعد الشهر الثاني عشر من العمر، على أن يقوم الطفل بالبصاق الكامل بعد التنظيف ثمّ تمسح سطوح الأسنان بقطعة من الشاش أو القماش اللين النظيف.

- تنظيف اللثة بعد كلّ إرضاع بقطعة من الشاش للإقلال من ركود وبقاء السوائل في الفم والبدء باستخدام فرشاة الأسنان بعد بزوغ أوّل سن في الفم ومحاولة استخدام الخيط السني لتنظيف ما بين الأسنان المتلاصقة.

- تجنُّب مشاركة أدوات طعام الطفل مع الأهل والمحيطين به.

- تجنُّب تقبيل الطفل بكثرة من المحيطين به للإقلال من انتقال الجراثيم إلى فمه.

- التزام الأهل بتطبيق إجراءات العناية بصحّة أفواههم وترميم إصابات التسوس لتقليل أعداد الجراثيم لديهم.

 

3- التخدير:

يرتبط اختيار طريقة التخدير الملائمة قبل المعالجة بسلوك الطفل وعمره وحجم إصابة التسوس، ويمكن معالجة عديد من الأطفال باستخدام التخدير الموضعي، وخاصّة عند تحضير الطفل جيداً والتعاون مع الأهل ومهارة الطبيب في العمل السريري والتعامل السلوكي.

 

4- المعالجة المؤقتة للأسنان:

يحتاج ترميم الأسنان المصابة بتسوس الإرضاع إلى بذل الجهود المكثفة لتطبيق الإجراءات العلاجية والوقائية خلال فترة محددة من الوقت. فعندما يشكل التخدير العام مضاداً للاستطباب لدى الأطفال الصغار، ويصعب أيضاً تطبيق التخدير الموضعي، نلجأ إلى تطبيق إجراء المحافظة على بقاء الأسنان في الفم بالمعالجة المؤقتة، حيث يوضع الطفل بوضعية، ركبة إلى ركبة بين الطبيب والأُم، بحيث يكون رأس الطفل على ركبتي الطبيب وبشكل عرضي بالنسبة لكرسي العيادة، ثمّ يقوم الطبيب بإزالة النسيج المصاب بالتسوس بهدوء بوساطة سنبلة (Bur) كبيرة بدلاً من المجرفة (Excavator)، لتجنب انكشاف اللب، ثمّ ترميم الحفرة بمادة الإسمنت الشاردي الزجاجي الضوئي التصلب أو الكيميائي التصلب التي تتميز بالتصاقها بنسج السن وتحريرها للفلوريد.

أمّا بالنسبة إلى إصابات التسوس البدئية في الميناء في السطوح الدهليزية والتي تبدو بلون أبيض طباشيري، فيطبق عليها أحد مركبات الفلوريد الكثيفة لإعادة تمعدنها مرّة كلّ 3 إلى 4 أشهر. ويمكن أيضاً تطبيق المواد السادّة في الأرحاء التي تكون أكثر عرضة للإصابة بالتسوس.

 

5- المعالجة الدائمة للأسنان:

تسهل معالجة الأسنان لدى الأطفال الأكبر سناً بسبب إمكان تطبيق التخدير الموضعي لديهم أو بسبب انخفاض تعرضهم لأخطار التخدير العام. ويمكن في هذه المرحلة من العمر إجراء المعالجات اللبية اللازمة للمحافظة على الأسنان في الفم.

يجب تتويج جميع الأسنان المرممة بحشوات كبيرة أو الأسنان التي عولجت ألبابها، بوساطة التيجان المعدنية الكاملة أو تيجان الكومبوزيت، حيث يقدم ذلك حماية كاملة من التسوس للسطوح الملاصقة وحواف الحشوات بجوار حواف اللثة، وقد بيّن الباحثون أنّ استخدام التيجان الكاملة أفضل من الاكتفاء بالحشوات المنفردة في حالات التسوس الكبيرة الحجم، كما ظهر ذلك في إحدى الدراسات، حيث بقيت التيجان بوضع سليم في الفم لدى 87 – 97 في المائة بالمقارنة مع 27 – 37 في المائة فقط من الأسنان لدى فئة أخرى من الأطفال طبقت لديهم حشوات (الأملغم) الزئبقية (Amelgam) للصفين الأوّل والثاني.

إنّ نسبة نجاح تطبيق التيجان المعدنية هي ضعف نسبة نجاح الترميم بحشوات الأملغم منفردة في حفر الصنف الثاني لكلّ سنة حتى السنة العاشرة من العمر، حيث تؤمن تيجان الكومبوزيت ترميمات تجميلية للأسنان الأمامية، ويمكن تحضيرها خلال دقائق قليلة باستخدام تيجان السللوئيد.

 

  الوقاية من الإصابة:

تتضمّن إجراءات الوقاية من تسوس الإرضاع تثقيف وإرشاد الأبوين أوّلاً، وتحديد الأطفال الأكثر عرضة للإصابة بالتسوس ثانياً.

المبادرة إلى تطبيق الإجراءات الوقائية والعلاجية اللازمة لأسنانهم في وقت مبكر، لمنع انتقال الجراثيم إلى أفواه أطفالهم، وقد يحتوي فم الأُم التي تحمل لأوّل مرّة كمية من العقديات الطافرة قد تزيد على 10 وحدات/ مل في اللعاب، ولدى إجراء المعالجة الوقاية والترميمية المكثفة، فإنّ ذلك يمكن أن يؤجل من إصابة الطفل الرضيع بتسوس الإرضاع بسبب تناقص كميات الجراثيم التي تنتقل من أفواه الأبوين إلى الطفل عن طريق اللعاب.

يجب فحص أسنان الطفل بشكل دوري وتقديم النصائح إلى الأهل حول تغذيته والعناية بصحّة فمه.

 

الإجراءات الوقائية من تسوس الإرضاع في الأسنان المؤقتة:

- الإرشادات الغذائية: توجيه النصح إلى الأهل بالتعاون مع طبيب الأطفال وإزالة الركائز المحدثة للتسوس.

- حفظ صحّة الفم: توجيه إرشادات حفظ صحّة الفم إلى الوالدين.

- استخدام فرشاة الأسنان والخيط السني للطفل.

- الفلوريدات: التثقيف الصحّي الفموي.

- استخدام معجون الأسنان المفلور.

- استخدام الفلوريدات المكملة (الإضافية) في المناطق التي تفتقر إلى مياه الشرب بالفلوريد.

- تطبيق الفلوريدات من قبل مختص كلّ 3 إلى 4 أشهر.

- الفحص الدوري للطفل كلّ 6 أشهر بعد بزوغ السن الأولى في الفم.

- المواد السادّة: تطبق في الأرحاء المؤقتة الأولى والثانية.

- التثقيف الصحي للوالدين: تطبيق برنامج كامل (وقائي – علاجي) لرعاية صحّة أفواه الوالدين.► 

ارسال التعليق

Top