• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

طفلي ينام في الصف

طفلي ينام في الصف

◄تجد الكثيرات من الأُمّهات صعوبة في جعل أطفالهنّ في مرحلة المدرسة يخلدون إلى النوم باكراً في الليل ليستعدوا إلى يوم دراسي جديد صباحاً، حيث تبدأ معاناة ومشاكل كبيرة بسبب السهر، ضمن ذلك نومهم في الصف، ما يدفعهنّ للتساؤل.. ما الحل؟

أميرة هادي: "يومياً أظل أطارد أطفالي لحثّهم على النوم"

إنّها الثامنة مساءً، غداً يوم دراسي وابنها ذو السبع سنوات لا يزال يلعب فتغضب الأُم وتدخل غرفته لتخبره أنّه حان وقت النوم، فيقول لها بضيق: "ماما لا أريد النوم.. دعيني ألعب.. أرجوك"، فتمر ساعتين ولم ينتهِ من اللعب، فيغمرها الإحباط فتصرخ قائلة: "اذهب فوراً للنوم.. أرجوك.. الآن". عبارات مألوفة تتردد دائماً على ألسنة الأُمّهات ليلاً، ومن هؤلاء أميرة هادي (ربة منزل، لديها ثلاثة أطفال في صفوف دراسية مختلفة)، والتي تعترف بأنّها تواجه مشكلة كبيرة مع أطفالها، لإقناعهم بالخلود مبكراً للفراش استعداداً لليوم الدراسي، تقول: "يومياً أظل أطارد أطفالي لحثهم على النوم.. انزع من هذا جهاز (بلاي ستيشن)، وأغلق من أخيه (واي فاي) الإنترنت، أمّا الثالث الذي انشغل بمشاهدة التلفاز، أسحبه سحباً إلى الفراش"، مؤكدة أنّها قد تعبت من تلك المعارك اليومية، والنتيجة أنّ هناك شكوى دائمة من المدرسة بشأن نوم صغارها في الصف أثناء اليوم الدراسي.

وتعزي أميرة صعوبة خلود أطفالها إلى النوم بسبب كثير من المؤثرات التي ترغّب الأطفال بالسهر ليلاً، حيث إنّها تجد صعوبة في الوقوف أمام رغبة أطفالها، فما إن يبدأ ليلهم إلّا وتأهّبوا لقضائه متتبعين ما يعرض لهم من برامج تلفزيونية ومتنقلين بين الشاشات الإلكترونية.

تفكّر أميرة جادة في الاستعانة بمتخصصين في مجال تقويم السلوك لحل هذه المشكلة، قائلة بيأس: "أخبرتني إحدى الصديقات باللجوء إلى بعض الأدوية التي تساعد على النوم؛ لكني أدرك أنّ هذه الوسيلة خطيرة جدّاً على صحّة صغاري، وبالتالي لن ألجأ إليها أبداً".

 

لاما عزت: "أهتم لأقصى درجة بتعويدهم وهم في المهد على مواعيد باكرة للنوم ليلاً"

"طفل ينام في صف المدرسة.. لماذا؟ لأنّه لم يأخذ كفايته من النوم ليلاً"، هكذا تلخص لاما عزت (أُم لأربعة أطفال) أصل المشكلة، وعن الحل تقول إنّها ومن خلال تجربتها مع أطفالها عملت على تعويدهم ومنذ شهورهم الأولى على مواعيد محددة للنوم، وعدم التهاون أبداً في إرباك هذه المواعيد مهما حدث: "أهتم لأقصى درجة بتعويد أطفالي وهم في المهد على مواعيد باكرة للنوم ليلاً، مع مرور الوقت ومع وصولهم إلى مرحلة المدرسة أصبح وقت النوم أيضاً مقدساً بالنسبة إليهم ما أن تحين مواعيده حتى يذهبوا من تلقاء أنفسهم إلى الفراش، وأعتبر أنّ الحل يكمن في وضع نظام ووقت محدد للنوم منذ عمر مبكر جدّاً للطفل، وبعد ذلك سينخرط فيه بتلقائية".

 

نور عامر: "نوم الصغار في وقت مبكر يحتاج إلى صبر؛ ولكنّه ليس أمراً مستحيلاً"

لكن نور عامر (أُم لثلاثة أطفال) تؤكّد أنّها مع التجربة وصلت إلى أنّ حل مشكلة نوم الصغار في وقت مبكر يحتاج إلى صبر كثير؛ ولكنّه ليس أمراً مستحيلاً وتشرح: "يكمن نصف الحل في تهيئة جو مثالي للطفل كي ينام، وذلك من خلال التأكد من أنّه نظيف وليس جائع، يلبس ملابس مريحة، وفيما يخص البيئة حوله لابدّ من إطفاء الضوء، وتوفير الهدوء والفراش المريح، وقراءة القصص كما يجب الحفاظ على مواعيد محددة للنوم، واستخدام الصرامة مع كلّ طفل يتمرد عن هذه المواعيد، وإذا اتبعت الأثم هذا النظام ولفترات طويلة فإنّه سينجح تدريجياً مع مرور الأيام، حتى يصبح عادة".

 

غادة وهدان: "تنعكس آثار قلة النوم على عدم التركيز والإحساس بالتعب والإرهاق"

من ناحيتها، تُفسِّر غادة وهدان (أخصائية تخاطب وتعديل سلوك)، الأسباب التي تمنع الطفل من النوم مبكراً ومن ثمّ السهر بالقول: "بعد عودة الطفل من المدرسة تحاول الأُم تعويضه عن تعب يوم دراسي، بإعطائه إحدى الشاشات الإلكترونية كنوع من الترفيه لإسعاده؛ ولكن ذلك يؤثر في العقل والدماغ وفقدان التركيز، مما يسهم في صعوبة النوم وتخزين كلّ ما رآه في ذاكرته، وعند موعد نومه يجد الطفل صعوبة في النوم بسبب تعرضه للاضطرابات ومشاهدته للكرتون وأفلام السيارات والبرانمج التعليمية الإلكترونية وكثرة الصور الملونة، وتنعكس آثار قلة النوم بعد ذلك على عدم التركيز في المدرسة، عدم القدرة على التحصيل والإحساس بالتعب والإرهاق".

وتبيّن غادة أنّ الحل لهذه المشكلة يكمن في خطوات عدّة، أهمّها تحديد موعد للنوم وتوفير مكان مريح له، والحد من مشاهدة الشاشات الإلكترونية بالتدريج واستبدالها بألعاب أخرى، مثل ألعاب الفك والتركيب، كذلك ممارسة الرياضة والخروج مع العائلة، وتغيير سلوك الطفل عند عودته من المدرسة، بأخذ قسط بسيط من الراحة لتكملة واجباته الدراسية.

 

زينب بدرالدين: "مشكلة سهر أطفال المدارس شائعة وتعانيها كثير من الأُسر"

تؤكّد زينب بدر الدين (أُم لأربعة أطفال) أنّ مشكلة سهر أطفال المدارس شائعة وتعانيها كثير من الأُسر، والكلّ يدري الضرر الذي يعود من جراء هذه المشكلة؛ ولكنّهم كذلك يعجوزن عن حلها بسهولة، مشيرة إلى أنّ أفضل هذه الطُّرق لمعالجة هذه المشكلة من خلال تجربتها، هي تشجيع أطفالها على ممارسة بعض الأنشطة والهوايات، إضافة إلى القيام بواجباتهم المدرسية بعد عودتهم من المدرسة للتغلب على الرغبة الملحة للنوم في هذه الفترة، وبالتالي شعورهم بالتعب ما إن يحل الليل ومن ثمّ اللجوء إلى النوم باكراً".

 

عزيزة إبراهيم: "طفل اليوم يختلف عن أطفال الأمس الذين كانوا لا يعانون مشكلة السهر"

تعود عزيزة إبراهيم (مديرة مدرسة سابقة) بالذاكرة إلى الماضي، حيث تؤكّد أنّ طفل اليوم يختلف عن أطفال الأمس الذين كانوا لا يعانون مشكلة السهر، تبيّن بالقول: "هذا يرجع إلى تغيير المناخ المحيط به من تطوّر الحياة السريع حوله ووجود أكثر من مصدر حيوي يشغله عن طبيعة عمره، وما يحتاجه عقله وجسمه لينمو بشكل طبيعي". وتضيف: "كذلك إطالة وقت الدوام المدرسي، مما يسبب إرهاق جسدي ونفسي وعقلي للطالب، وانتشار التكنولوجيا المرئية والسمعية حوله مما جعل الطفل يوزع تركيزه ما بين دوره الأساسي كطالب في عمر الدراسة، وبين اهتمامه وانشغاله بهذه التكنولوجيا التي أضيفت لقدراته الطبيعية".

 

د. نبراس سفيان: "النوم من أهم العوامل التي تؤثر في الأداء والتحصيل العلمي لدى الأطفال"

لكن ما الآثار الصحّية لعدم أخذ الأطفال قسطاً كافياً من النوم؟ تؤكّد الدكتورة نبراس سفيان، أخصائية طب أُسرة، أنّ النوم يُعتبر من أهم العوامل التي تؤثر في الأداء والتحصيل العلمي، خاصّة لدى الأطفال في مرحلة رياض الأطفال والمدارس الابتدائية، مشيرة إلى الدراسات الطبية التي أثبتت أنّ ساعات النوم المطلوبة للأطفال بعمر الثالثة وحتى الخامسة، تندرج من بين 10 إلى 12 ساعة، بينما يحتاج الأطفال بعمر 5 إلى 12 سنة، إلى قرابة 8 إلى 12 ساعة يومياً للحفاظ على أداء جيِّد وتركيز عال. وتتابع بالقول: "أمّا بالنسبة إلى عمر الإنسان بعد 12 سنة، فيحتاج حينها إلى ساعات نوم تندرج من بين 8 إلى 9 ساعات يومياً. وقد أثبتت الدراسات والتجارب الطبية أنّ قلة النوم خاصّة لدى الأطفال تؤثر في ذاكرة الطفل واستعداده الدراسي، كما قد تعرّضه لبعض حالات الاكتئاب والانقلاب المزاجي وخاصّة في مرحلة المراهقة. كما تؤثر سلباً في تأخر اكتشاف المعلومات والمهارات الضرورية في هذه الفئة العمرية".

وتلفت الدكتورة نبراس الانتباه بالقول: "الأهم من ذلك، هو الترابط الطردي بين النوم والسعادة، فقلة ساعات النوم تؤدي إلى اختلال الساعة البيولوجية، وبالتالي قلة إفراز هرمون السعادة "السيروتونين"، وبالتالي يقلل من إفراز هرمون الشبع، ويؤدي إلى زيادة في الوزن. فالطفل الذي لا ينام بالشكل المطلوب، يكون أكثر عرضة للسمنة واستعداداً لحفاظ جسمه على السوائل الزائدة".

وتنصح الدكتورة نبراس بالتعاون المشترك والضروري بين والدي الطفل والمسؤولين في المدرسة. وتشرح بالقول: "حيث يجب أوّلاً زيادة الوعي لدى المعلمين في المدرسة، لتشجيع الأطفال على أهمية النوم من خلال أساليب توجيهية ذات طابع مرح. وعلى والدي الطفل الالتزام بجدول زمني معين لنوم الأطفال، وتقديم بعض التقنيات التي قد تساعد على نوم الطفل بوقت باكر". ومن ذلك تكمل قائلة: "إزالة جميع الأجهزة الإلكترونية مع اقتراب وقت النوم، وتشجيع الطفل على القراءة قبل النوم كنوع من العادة اليومية، إضافة إلى تقديم عشاء خفيف قبل النوم بثلاث ساعات. كما نشجع دوماً على إيقاظ الأطفال حين سطوع ضوء النهار، لأنّه يسهم في تحفيز ذاكرة الطفل وزيادة نشاطه".

 

إيمان حسن: "ما إن أطلب من صغاري الذهاب إلى الفراش حتى يبدأوا الطلبات الجنونية"

أمّا إيمان حسن (موظفة أُم لطفلين، أكبرهم في الثامنة)، فتروي معاناتها مع سهر طفليها والذي يجعلهما يستيقظان بصعوبة للذهاب إلى المدرسة مع نوبات البكاء والتذمر: "ما إن أحكي لصغاري حكاية ما قبل النوم، حتى يقول أحدهم لقد أحببت القصّة جدّاً هل يمكن أن تعيديها، ثمّ تبدأ قائمة من الطلبات غير المنتهية أو تخطر على بالهم أفكاراً غريبة: ماما هل في إمكاني أن أفتح هدايا عيد ميلادي الآن؟ ما رأيك لو نلعب المونوبلي، ساموت جوعاً هل يمكن أن تحضري لي طبقاً من اللازانيا، لا تطفئي النور، أريد الذهاب إلى الحمام".

تشكو إيمان من صعوبة تعوّد طفليها للخلود مبكراً للنوم حتى يستطيعا الاستيقاظ للمدرسة في مزاج جيِّد، الأمر الذي ينعكس على أدائهما خلال اليوم الدراسي، إذ كثيراً ما تشتكي إدارة المدرسة من نومهما في الصف.

 

- طرق تساعد على إقناع الطفل بالنوم مبكراً:

في السطور التالية، تقدم عائشة الجناحي (كاتبة، قائدة عالمية في الطفولة المبكرة) بعض الطُّرق التي تساعد على إقناع الطفل للنوم مبكراً:

ميعاد النوم: تحديد موعد لنوم الأطفال والالتزام به حتى في أيام الإجازة، وإذا ما أبدوا اعتراضهم، يجب التحدّث معهم عن أهمية النوم وتأثيره في حياتهم.

الروتين: الطفل يتعلّم بالمثابرة والتكرار. لذا يجب على الأطفال النوم في وقت محدد، وقبل ذلك قراءة قصّة أو حوار مع الأُم، والحرص على ألّا يستغرق الروتين أكثر من 45 دقيقة، وألّا يكون محور الحوار عن النوم نفسه.

التمارين الرياضية: النوم والاستيقاظ المبكر يكسبان الطفل الصحّة، وجزء من الصحّة يأتي من التمارين الرياضية. لذا يجب الحرص على أداء الطفل لهذه التمارين ما يقارب الـ30 دقيقة في اليوم، لتشغيل العضلات وتحريضها للنوم المبكر.

بعض الهدوء قبل النوم: الكثير من الأهالي يتركون أبنائهم يشاهدون التلفزيون ليلاً قليلاً حتى ميعاد النوم ليهدئوا؛ لكن أثبتت الدراسات أنّ مشاهدة التلفزيون للأطفال ليلاً تؤرق الطفل، وقد ينتج عنها الكوابيس ومشاكل في النوم. لذا يجب ألّا يشاهد الطفل التلفاز قبل النوم على الأقل بساعة، ومن الضروري ألّا يتم وضع التلفاز في غرف الأطفال، لأنّها لا تعيقهم عن النوم المبكر وحسب، وإنّما مدمرة للسلوك والقيم.

التواصل: مع الانشغال اليومي الذي قد يصل إلى حدّ الجنون، قد يصعب على الوالدين قضاء بعض الوقت مع الأبناء في فترة الهدوء قبل النوم. هذه الفترة هي أفضل وقت للتواصل مع الطفل والتكلم معه عمّا يقلقه، والاهتمام بمعرفة تفاصيل يومه في المدرسة.

يجب تجنب العنف والإكراه: فلابدّ أحياناً من اللجوء إلى شيء من المرونة في تحديد ساعة نوم الطفل، ولا شكّ أنّ الإصرار على نوم الطفل في ساعة معينة من دون مراعاة لظروفه وحالته النفسية، ومن دون مساعدته على تكوين عادة النوم في تلك الساعة بانتظام، قد يكون سبباً في إحداث أضرار بالغة تلحق بشخصية الطفل مستقبلاً.

- النوم الكافي يُحسّن سلوك الصغار

أفاد بحث علمي جديد بأنّ الحصول على قسط كافٍ من النوم يُحسّن سلوك الأطفال وأداءهم العلمي داخل الفصول واهتمت الدراسة التي أجراها مركز أبحاث دوغلاس في مدينة كيوبيك الكندية، بالنظر في مدى تأثر سلوكيات أطفال المدارس الابتدائية بعدد ساعات النوم.

وقام الباحثون بتقسيم المشاركين وعددهم 23 طالباً، تراوحت أعمارهم بين سن 6 و11 عاماً، إلى مجموعتين نالت الأولى قسطاً أوفى من النوم بمتوسط 27 دقيقة إضافية في الليلة، فيما قلصت ساعات نوم المجموعة الثانية بنحو 54 دقيقة كلّ ليلة.

وتفاوت سلوكيات المشاركين بشكل واضح للغاية، إذ لم يتعد تأثير تقليل ساعات النوم على الإرهاق فحسب، بل أصبحوا سريعي الانفعال والتوتر ومشتتي الانتباه على نقيض المجموعة الثانية التي تميزت بالقدرة على التحكم في عواطفها واليقظة والانتباه أثناء ساعات الدراسة. وقال روت غروين، الذي قاد البحث: "إنّ زيادة ساعات النوم هي الوسيلة الفعّالة والمؤثرة لتحسين صحّة الأطفال وأدائهم".

وأيد خبراء مختصون نتيجة الدراسة التي تضيف مزيداً من الأدلة بشأن أهمية النوم.

وشرحت د. جوديت أوينز، رئيسة قسم طب النوم في مركز الأطفال القومي في واشنطن: "تعلم أنّ الحرمان من النوم قد يؤثر في الذاكرة والإبداع، وكذلك الإبداع اللفظي وحتى القدرة على أصدار الأحكام والتفاعل داخل الفصل".

وقد تؤثر صعوبة التأقلم مع الأحداث اليومية في علاقة الطفل بمدرسيه، فضلاً عن انعكاس ذلك سلباً على تحصيله الأكاديمي، واكتسابه مهارات اجتماعية والقدرة على مجاراة أقرانه..►

ارسال التعليق

Top