• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ما أسباب الولادات السابقة لأوانها؟

ما أسباب الولادات السابقة لأوانها؟

الحمل فرحة واستبشار. لكنه، أحياناً، مدعاة قلق عند بعض الأُمّهات. ولعلّ أكثر ما ينتابهنّ من تَوجّس، يتمثل في الخوف من ولادة سابقة لأوانها. فما الأسباب التي قد تنجُم عنها تلك الحالة؟ وهل ثمّة وسائل لتفاديها؟

في المجتمعات الغربية، حيث يصيب وبال التدخين وشرب الكحول نسبة من النساء أيضاً، ترتفع حالات الولادة السابقة لأوانها بنسبة 120 في المئة، مثلما بيّنته دراسات عديدة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. فالكحول والتدخين يشكلان أوّل أسباب "الابتسار"، أي الإنجاب قبل الأوان.

 

"جرثومة الابتسار":

على الرغم من ذلك، تؤكد دراسات مختلفة أنّ التدخين والكحول، وإن كانا في مقدّمة الأسباب، ليسا العاملين الوحيدَين في حصول ولادات سابقة لأوانها. صحيح أنّ الحامل التي لا تدخن ولا تتناول أي مشروبات كحولية، وهي حال الأكثرية الساحقة، أقل عرضة لمواجهة حالة ولادة مبكرة، لكنها للأسف ليست في مأمن تام من ذلك الاحتمال. إذ ثمة عوامل أخرى من شأنها أن تقضي إلى ولادة سابقة لأوانها. فمثلاً، تشير دراسة حديثة، أجراها باحثون من النمسا، إلى أنّ أحد العوامل يتمثل في بكتيريا معينة، غير خطيرة في حد ذاتها ويمكن أن "تعشش" في منطقة الإحليل عند أي امرأة من دون أي مشكلة صحية. المعضلة أنّ تلك الجرثومة نفسها، إن أصابت حاملاً، قد تجر إلى ولادة سابقة لأوانها. وبينت الدراسة أيضاً أنّ تلك الجرثومة شائعة نسبياً، لكنها صعبة الكشف لسبب بسيط: لا يترتب عنها أي مرض ظاهر، ولا أعراض (مثلاً حكة أو حرقة أو التهاب، إلخ). هكذا، لا تنتبه إليها المصابة، فلا تستشير طبيبة.

على الرغم من ذلك، لا تولد تلك الجرثومة أي تشوه أو عاهات خلقية عند الجنين، ولا أي أمراض نادرة. فعند امرأة غير حامل، تعد مجرد بكتيريا غير ضارة، كتلك الموجودة بمئات الأنواع في جسم الإنسان. لكن، لدى نسبة قليلة من الحوامل تتسبب في "الابتسار"، أي الولادة السابقة لأوانها، وما ينطوي عليه ذلك من ضرورة الاعتناء بالوليد الجديد عناية خاصة، تتضمن أغلب الظن وضعه لأسابيع في حاضنة خاصة. في تلك الحال، عَدَا عن التبعات الصحية في حد ذاتها، ثمّة وضع نفسي غير مريح، إذ يُحرم الرضيع من أمه، وتحرم منه. وبحسب الدراسة، فإنّ 20 في المئة من الحوامل يحملن تلك البكتيريا في الإحليل والمهبل.

 

فيتامين "سي" أيضاً:

لكن ذلك لا يعني أنّ كلَّ حامل تحمل تلك الجرثومة ستلد بشكل مبكر، إنما يعني أنّ الاحتمال وارد معها أكثر من غيرها. وعليه، ينادي بعض الأطباء بضرورة إخضاع كلّ حامل لفحص إضافي لتقصي تلك البكتيريا (عبر أخذ عيّنات وتحليلها في المختبر). إضافة إلى التحاليل الاعتيادية المعمول بها. فالدراسة النمساوية المشار إليها أثبتت أيضاً أنّ كشف تلك الميكروبات، والقضاء عليها، يقلص احتمال الولادة المبكرة بنسبة 50 فس المئة. صحيح أنّ السلطات الصحية لم تستجب، حتى الآن، لتلك المطالبة، على أساس أنّ الدراسة في حاجة إلى إثباتات إضافية. لكن ما أثبتته الدراسة هو أنّ وجود تلك الجرثومة عند امرأة حامل يشكل، فعلاً، عاملاً حاسماً في اختزال فترة الحمل.

وثمّة عامل آخر، أثبتته دراسة أميركية، يؤدي أحياناً إلى الإنجاب المبكر. ويتمثل في قصور فيتامين "سي" عند الحامل. فالدراسة، التي أجريت بمشاركة بضع مئات من حوامل في الولايات المتحدة، بينت أنّ الولادة المبكرة مرتبطة بشكل واضح بنقص فيتامين "سي"، لاسيّما أثناء فترة الإخصاب وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. إذ وجد الباحثون أنّ تلك العلاقة (بين الولادة المبكرة ونقص فيتامين "سي")، تبدأ بالاضمحلال بدءاً من شهر الحمل الرابع، حيث يقل تأثير نقص الفيتامين في موعد الإنجاب. لكن اضمحلال ذلك التأثير لا يعني تلاشيه تماماً، إنما تنخفض احتمالات الولادة المبكرة بشكل ملحوظ في حال نقصان فيتامين "سي" أثناء الثلثين الأخيرين من الحمل. وفي هذا الشأن، يؤكد الباحثون وأخصائيو التغذية أنّ على الحامل تناول 80 إلى 100 ملليغرام يومياً من فيتامين "سي" وبخلافه، فضلاً عن رفع احتمالات الولادة المبكرة، يتفاقم عند الحامل الشعور بالتعب والإرهاق.

تلك الدراسة الأميركية أكدت استنتاجات دراسات أخرى، كانت قد أجريت قبلها، بينما جاءت دراسات لاحقة لكي تؤكدها بدورها. لذا، لم يعد عند الأطباء والباحثين أدنى شك في ضرورة أن تحرص كلّ حامل، من أجل تقليص احتمال الولادة المبكرة، على تناول كمية كافية من فيتامين "سي" يومياً، لاسيّما إذا كانت في فترة تتوقع فيها الإخصاب، وطبعاً عقب تلك الفترة أيضاً، وبشكل خاص أثناء الأشهر الثلاثة الأولى من حملها.

في المقابل، على عكس العاملين المذكورين، اللذين يسهمان في رفع احتمالات ابتسار الولادة (نعني وجود جرثومة معينة في منطقتي الإحليل والمهبل، من جهة، وقصور فيتامين "سي" من جهة أخرى)، ثبت مراراً أنّ ممارسة الحامل رياضات خفيفة، مرتين اثنتين إلى 4 مرات في الأسبوع، عامل يسهم إسهاماً ملحوظاً في تقليل احتمال الولادة المبكرة، وأيضاً في تقليل حالات الولادة بوزن أقل من المعتاد. فأحياناً، يولد الطفل في موعد ولادته المتوقع، إنما بوزن ضئيل، أقل من المعدل الشائع، البالغ عموماً نحو 3 كيلوغرامات. وبحسب دراسة أميركية أجريت مؤخراً في ولاية أوهايو، تنفع ممارسة الأُم تمارين رياضية في تفادي إنجاب طفل بوزن أقل من الطبيعي. وفي الوقت نفسه، على العكس تماماً، تسهم تلك التمارين في تجنيب الأُم مشكلة الوزن المفرط، طبعاً فضلاً عن تنشيط دورتها الدموية، وتهيئتها لولادة هادئة، من دون أوجاع مفرطة. لذا، ينصح الأطباء الحامل بممارسة تمارين خفيفة، كالمشي المعقول والسباحة، و"اللوحات السويدية".

 

لا علاقة للعلاقة الزوجية:

كما تبين من تلك الدراسة أنّ ممارسة العلاقة الزوجية الحميمة، أو الامتناع عنها، ليس لهما أي تأثير في الولادة المبكرة. وما دعا الباحثين إلى تقصي ذلك الموضوع هو أنّ بعض الحوامل يمتنعن عن العلاقة الزوجية بدعوى أنها قد تؤدي إلى تعجيل الإنجاب، وربما إلحاق تشوهات بالجنين. وتلك مجرد معتقدات شعبية، لا أساس علمياً لها. مع ذلك، وهذا ما أكدته الدراسة أيضاً، لا أحد ينكر حقيقة أنّ حالة الحمل في حد ذاتها، وما يترتب جراءها من اضمحلال الرغبة وصعوبة الممارسة، عوامل تفسر ضمور العلاقة الزوجية في فترة الحمل، لاسيّما خلال الأسابيع الأخيرة. أما عن وجود أي علاقة بين هذا الجانب واحتمال الولادة السابقة لأوانها، فالدراسات كلها تجمع على أنها مجرد شائعات.

 

باختصار..

يشكل الكحول والتدخين أوّل سببين لابتسار الإنجاب. لكن، ثمة أيضاً عوامل أخرى، أهمها:

-         بكتيريا معيّنة، موجودة بشكل طبيعي، وغير ضار، عند نسبة من غير الحوامل، في منطقتي الإحليل والمهبل. لكنها، عند الحمل، قد تسهم في ولادة مبكرة. لذا، ينصح بإجراء فحص لكشفها، والقضاء عليها، ما يخفض احتمال الإنجاب المبكر إلى النصف.

-         نقص فيتامين "سي" خصوصاً في فترة قبيل الحمل وأشهره الثلاثة الأولى، ولو أنّه ضروري طوال الحمل. إلى ذلك، في فترة توقع الحمل، يُنصح أيضاً بتلافي أي قصور في فيتامين "بي9" (المسمى أيضاً "حمض الفوليك")، لكونه يحفز انشطار خلايا الجنين، خصوصاً في الأيام والأسابيع الأولى، ما يُسهم في نموه نمواً سليماً.

ارسال التعليق

Top