◄يربط الإسلام بين التقوى والتعلم حيث يقول تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة/ 282)، ويقول تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) (البقرة/ 255)، ويشير القرآن الكريم إلى أنّه سبحانه يصرف الذين يتكبرون في الأرض عن آياته يقول تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (الأعراف/ 146). فهناك علاقة بين المعرفة وأسلوب توظيفها وبين الإيمان بالله، فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وهناك مجموعة من المبادئ التي يجب الاهتداء بها خلال عملية التعلم، يمكن استنتاجها من الكتاب والسنة نوجزها فيما يلي:
أوّلاً: الربط بين النظرية والتطبيق:
يعد هذا المبدأ من أحدث مبادئ التعليم التي لم يتنبه إليها رجال التربية إلا مؤخراً، وقد سبق أن نبه القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 سنة إلى هذا المبدأ الهام، وهو ربط المعلومات النظرية بالتطبيق والممارسات العملية، يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (النساء/ 66)، ويتضح من قراءة القرآن الكريم أنّ الله سبحانه يقرن الإيمان بالعمل الصالح، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (البقرة/ 277). ويذكر ابن مسعود أنّ الرجل في زمن الرسول (ص) إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهنّ حتى يعرف معانيهن ويعمل بهن. ويحذرنا القرآن الكريم بعمل شيء خلاف ما نقوله وضرورة الالتزام بما نقوله قولاً وعملاً، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-3).
ثانياً: مراعاة استعدادات المتعلم وقدرته الاستيعابية والإدراكية:
نبه القرآن الكريم منذ 1400 سنة إلى ما يطلق عليه علم النفس الحديث الفروق الفردية Individual Differences فالأفراد تتفاوت قدراتهم العقلية واستعداداتهم وميولهم وذكائهم... كذلك فقد نبه القرآن الكريم إلى ضرورة أخذ خصائص كلّ مرحلة من مراحل النمو في الاعتبار عند إعطاء الجرعات التعليمية والتربوية للأفراد، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 286). ويمكن القول أنّ التدرج في التشريع الإسلامي – كما هو الحال في تحريم شرب الخمر وتحريم الزنا... – راعى القدرة الاستيعابية لأعضاء مجتمع الجاهلية وهو ما يطلق عليه اليوم الجوانب الاجتماعية للقانون Sociology of Law، وقد كان الرسول (ص) يستخدم الأساليب الحسية – أو وسائل إيضاح حسية مبسطة – ليقرب المعاني المجردة لأذهان المسلمين.
ثالثاً: تكوين الاتجاهات قبل الفهم واستيعاب المعلومات:
نبّه القرآن الكريم إلى ضرورة تكوين الاتجاهات الإيجابية نحو قضية أو علم أو موضوع ما قبل تلقي المعلومات والتفصيلات بشأنه، وهو ما يطلق عليه اليوم تحقيق التهيؤ الذهني والنفسي لدى المتعلم. ويتضح هذا في أوّل سورة البقرة التي توضح أنّ الكتاب الكريم موجه للذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم سبحانه... يقول تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة/ 1-5).
وما لم يتكون الاتجاه الإيماني السليم لدى المتعلم (في مجال العقيدة)، فلن تجدي محاولات الإقناع والتعليم والبرهان.. إلخ. وقد بين سبحانه – على سبيل المثال – أنّ المعجزة لا تجدي مع من لم تتكون لديهم الاتجاهات الإيمانية والذين يكابرون، يقول تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (الحجر/ 14-15)، ويقول سبحانه: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الحجر/ 11). وقال تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا * وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (الإسراء/ 89-96). وقصة بني إسرائيل مع أنبيائهم تؤكد أهمية التهيؤ الذهني لتقبل الرسالة وهو ما يمكن أن نطلق عليه الاتجاه الإيجابي نحو الإيمان، وهذا المبدأ ينطبق على كلّ أنواع التعلم من تعلم العقيدة إلى تعلم الهندسة والطب ومختلف العلوم والمهن.
رابعاً: تسهيل العملية التعليمية وتيسير حصولها:
يحرص الإسلام باستمرار على التيسير على المؤمن فالدين يسر لا عسر فيه، وكان النبي (ص) يوصي بالرفق بالمتعلمين وتسهيل أمورهم.
خامساً: التعزيز من خلال الاستفسار والمراجعة والمناقشة:
يوضح لنا القرآن الكريم والسنة المطهرة إمكان النقاش والاستفسار من أجل الفهم وزيادة اليقين، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة/ 260). وكان أصحاب الرسول (ص) يكثرون الاستفسار منه (ص) من أجل زيادة الفهم وتأكيد اليقين.
هذه هي أهم المبادئ الأساسية للتعليم في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهناك مجموعة من المبادئ العامة التي يجب الاسترشاد بها والتي تعد أصولاً للنظرية التربوية الإسلامية يمكننا إيجازها فيما يلي:
أوّلاً: التطوُّر، سنة من سنن الحياة:
يفرق الإسلام بين أمرين: العقيدة، والأمور الدنيوية. فالعقيدة ثابتة والشريعة الإسلامية تلائم كلّ عصر ولا تغيير فيها، أما الامور الدنيوية فإنها تتغير تبعاً لتطور العلوم والتكنولوجيا، ولم ينه الإسلام عن مواكبة التطور والتغير والأخذ بالعلوم الحديث – التي يدعو الإسلام إلى تطويرها وإعمال العقل في كلّ مخلوقات الله سبخانه – بشرط عدم تعارضها مع مبادئ الشريعة الأساسية قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (الأنبياء/ 73)، وقال (ص): "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
ثانياً: التبصر في التراث وإعمال العقل وعدم التقليد الأعمى:
سبق أن أشرنا إلى أنّ الإسلام يعيب على المقلدين تقليدهم الأعمى ويدعو إلى إعمال العقل لا تعطيله، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة/ 170). وقد يعتمد الناس في تبريرهم فعل الفواحش على أنها مسألة تتعلق بالتراث يقول تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...) (الأعراف/ 28-29)، وتشير الآية إلى أنّ الناس قد تخلط بين العادات والتقاليد والممارسات السلوكية المنحدرة من الماضي وبين قضايا الدين المقدسة من أجل إضفاء قوة على ما ينحدر من الماضي مع بطلانه. ولهذا يدعو القرآن الكريم إلى ضرورة تمحيص التراث ودراسته قبل إقراره والعمل به، ومعيار السواء والانحراف أو الرفض والقبول، هو مبادئ الشريعة الإسلامية.
ثالثاً: الانفتاح العقلي على مختلف التجارب والخبرات البشرية مع تقييمها من المنظور الإسلامي والاستفادة مع ما يتفق منها مع مبادئ الإسلام ورفض ما يتعارض معها، ويقول (ص): "الحكمة ضالة المؤمن فحيثما وجدها فهو أحق بها"، ومما نعى به القرآن الكريم على اليهود والنصارى انغلاق كلّ فريق وتقوقعه ورفض الحوار أو التفكير فيما لدى الآخر من تراث وأفكار، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة/ 113). كذلك يندد القرآن الكريم بإصدار أحكام مسبقة على أي أمر من الأمور أو أي فكرة أو رأي تنبثق عن انغلاق سلبي وخوف أو تخوف من المناقشة الحرة المفتوحة دون فهم أو وعي بطبيعة الأمر أو الرأي المرفوض أصلاً، ويشير سبحانه أنّ هذا الرفض السلبي المنغلق للأفكار الجديدة دون دراسة وفحص، يؤدي إلى الهلاك لأنّه يؤدي إلى الجمود والتحجر الفكري والثقافي والاجتماعي. قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ * وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الأنعام/ 25-28).
ومن أبرز خصائص الإسلام دعوته إلى إعمال العقل والانفتاح على خبرات البشرية، ذلك لأنّه دين عقلي فإذا أعمل الإنسان عقله، وفكر بمنطق سليم فسوف يكتشف الحقيقة وهي أنّه لا إله إلا الله وحده لا شريك له (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر/ 28)، فوحدة الكون ووحدة القوانين العلمية والحتمية العلمية كلها تشهد بوحدانية الله سبحانه، (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء/ 22)، وقد استدل القرآن الكريم بهذه الآية – وغيرها – من وحدة الكون على وحدة الإله، كما استدل بوحدة الإله على وحدة القوانين واستمرارها (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) (الفتح/ 23). ويدعو الإسلام إلى التفاعل مع الخبرات الإنسانية المختلفة من أجل الاستفادة بما يوجد فيها من خير، ومن أجل تقويم ما يوجد فيها من اعوجاج حتى ينتشر دين الله ويعم الأرض كلها.
رابعاً: التكامل بين العلم والإيمان:
سبقت الإشارة إلى أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي يحض على العلم وإعمال العقل والمنطق، ويعيب على المقلدين والمقدسين للماضي دون فهم والرافضين مناقشة الجديد عن انغلاق وتحجر، وما ذلك إلى لأنّ الإسلام دين الفطرة وحيثما وجهت نظرك وعقلك فسوف تدرك الحقيقة متمثلة في وحدانية الله سبحانه، ومصدر العلم هو الله سبحانه وتعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) (البقرة/ 31). وإذا كان الله سبحانه وتعالى هو المصدر الوحيد للعلم الصادق، (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) (الأحقاف/ 23)، وهو سبحانه خالق الإنسان والأكوان فلا تعارض بينهما، فالكون هو كتاب الله المنظور والقرآن الكريم كتاب الله المقروء. وإذا حدث تعارض فهذا دليل على زيف العلم والعلم الزائف Psoudo Science يؤدي إلى التهلكة، قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) (غافر/ 83-84).
خامساً: التكامل بين العقل والنقل أو الإيمان بالغيب ومنطق العلم:
يتطلب الإيمان الكامل اليقين المطلق بالغيب كما جاء ذلك في أوّل سورة البقرة، هذا الإيمان لا يخضع لمنطق العقل والتجريب مباشرة، وذلك لقصور العقل ومحدوديته. غير أنّ الاستخدام السليم للعقل – في ميدانه – سوف يؤدي إلى تعميق الإيمان بالغيب، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصّلت/ 53). وقد ترك الرسول (ص) للعقل البشري مطلق الحرية في البحث في العلوم الطبيعية حيث قال (ص): "أنتم أعلم بأمر دنياكم".
سادساً: ضرورة أن يكون العلم موجهاً لما يرضي الله سبحانه:
يجب أن يكون طلب العلم ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى وعدم توجيهه لدمار الإنسان أو في مجال الشرور أو ابتغاء المكاسب الدنيوية الرخيصة وقد استعاذ رسولنا الكريم من شر علم لا ينفع.
سابعاً: ضرورة العمل على نشر العلم وتعليم الناس:
أشار الرسول الكريم إلى أن خير الناس هم من يتعلمون القرآن الكريم، ويعلمونه لغيرهم، واعتبر القرآن الكريم أن حرمان الناس من التعليم ذنباً يقترفه العلماء الذين يجب عليهم نقل ما منّ الله به عليهم من علم إلى الآخرين، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ) (البقرة/ 159).
ثامناً: استمرارية التعلم وعدم تقيده بسن:
ينبهنا القرآن الكريم إلى أنّ الله سبحانه وتعالى هو مصدر العلم وهو سبحانه الذي علم الإنسان ما لم يعلم، ومهما نما علم الإنسان فهو قليل، (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) (الإسراء/ 85)، وطلب العلم فريضة على كل مؤمن من المهد إلى اللحد، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف/ 76).
تاسعاً: ضرورة إيجاد علاقة شخصية وطيدة بين المتعلم والمعلم:
وقد طبق الرسول (ص) هذا المبدأ حيث كان يجمع المسلمين في المسجد ويوجههم ويربيهم ويرشدهم ويعلمهم مبادئ دينهم الحنيف. وهذه العلاقة لها أهميتها حيث أنّ القضية لا تتعلق فقط بالمعلومات وإنما تتعلق بالسلوك والقدوة. وفي أحاديث الرسول (ص) ما يشير إلى أهمية صحبة المتعلم لأستاذه وأثر ذلك في تقويم السلوك وتصحيح القيم والاتجاهات.►
*أستاذ الاجتماع بجامعة الأزهر
المصدر: كتاب البناء الاجتماعي للمجتمع الإسلامي
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق