• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المجتمع والدين

المجتمع والدين

◄إنّ للدِّين أهمية كبيرة في المجتمع ولا يوجد مجتمع بغير دين، وأهمية الدِّين مقترنة في الواقع بوجود المجتمع نفسه، ومن هنا فإنّ التنشئة على الدِّين هي من أهم الأصول الحياتية التي يحتاجها أفراد المجتمع ليُسَّيروا بها حياتهم ومعيشتهم الدنيوية، وليلتزموا بمعايير ومحددات هذا الدِّين ليفلحوا ولينهضوا ولتكن لهم كلمة وسط أقرانهم من المجتمعات الأخرى.

والتربية والتنشئة الإسلامية للمجتمع هي أفضل شيء لهذا المجتمع ولأفراده، لأنّها تقوم على إطار متناسق من النفس الفكري الذي يبدأ بالعقيدة، وبالقيم، وبالتصورات وبالنظريات الإسلامية وبمناهجها في كافة مجالات الحياة البشرية المختلفة، فالعقيدة تؤكد مبدأ وحدانية الله ثمّ يُبنى عليها كافة التشريعات والنظم في الحياة كلّها، ثمّ المنهج العملي الذي يستهدف توجيه الواقع ليقضي على ما فيه من سلبيات ويؤكد على الإيجابيات ويُعدل ويغير ما يراه بحاجة إلى تغيير، ومن هنا كان الإسلام واقعيّاً طالما كان التغيير في إطار المسموح به في الكتاب والسنة ولا يمس العقيدة.

والقرآن ليس كتاباً فلسفيّاً تاريخياً وإنما هو منهج حياة ودستور للمجتمع وللبشر في كلّ زمان ومكان.

كما أنّ القيم التي يحض عليها الإسلام في القرآن والسُّنة النبويّة لا ترتبط بالأخلاق فحسب ولا بقيم عليا عن الحياة الآخرة ونعيمها فقط، وإنما يربط ما سبق كلّه بكلّ ما يعمر الدنيا من عمل وإنتاج وإتقان وجودة وتحسين مستمر، بما فيها من تطلعات للثواب الإلهي في الدنيا والآخرة معاً.

فثواب الدنيا يتمثل في البركة والخير الذي يعم على الفرد بسبب مراعاته لمراقبة الله في عمله، وثواب الآخرة يتمثل في جنات عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

والإسلام مليء بقيم كثيرة ومتنوعة ترتبط بفكر الإنسان وتعامله مع الجماعة وعن نفسه ومكانته الحاكمة للطرفين معاً وبمفردهما، والتي تمثل أصولاً حياتية لكلّ مَن يريد أن يعيش في هذه الحياة ويزاول أعماله ويتعامل مع الغير، ومَن منا لا يريد ذلك!

وعلى النقيض نجد أُناساً لا يرغبون في السير في حياتهم على نُسق أخلاقي قيمي، لا تحكمهم أيّة مقدسات ولا أساسيات، تجد هؤلاء الناس وقد نجحوا في ظاهر أعمالهم فترة من الزمن – قد تطول أو تقصر – وفي نهاية أعمالهم وأعمارهم يتمنون ولو بدأوا على منهج رشيد من الأصول الحياتية السليمة غير التي عاشوا عليها دهراً من أعمارهم، وحتى وهم في ظل نجاحاتهم – كما قد يتصور مَن حولهم من الناس ذلك – تجدهم وهم في:

- عدم توافق نفسي حيث القلق والاكتئاب والتوتر وسرعة الغضب والعناد والميول العدوانية الهجومية وأحلام اليقظة والكذب.. إلى غير ذلك من مظاهر الاضطراب النفسي.

- الشعور باليأس والقنوط، وبالتالي عدم الجد والاجتهاد والبحث عن موارد مالية بطرق الغش والخداع، وصدق فيهم قول الله عزّوجلّ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 155)، ويقول: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة/ 10).

- الغش الاجتماعي: حيث الغش في الكلمة وفي الحقوق وفي الواجبات والأموال والعلاقات والتظاهر بمظاهر معيّنة في مواقف معيّنة على غير الحقيقة والصورة الصحيحة، وصدق فيه قول الرسول: "وتجدون شرّ الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه".

وقال القرطبي: إنّما كان ذو الوجهين شرّ الناس لأنّ حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل والكذب، مدخل الفساد بين الناس.

والعلاج لهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس/ 57)، فمَن أراد الخير والعافية التي يبحث عنها كثير من الناس فعليه بكتاب الله وسُنة رسوله ففيها سعادة الدنيا والآخرة.

وأنتَ ماذا تريد في بداية حياتك العملية، خير الناس أم شرّ الناس، كتاب الله وسُنة رسوله (ص) أم عظات الشياطين التي لن تغني ولن تسمن هذه الحياة.

لن تجد مفرّاً من اتِّباع كتاب الله وسُنة رسوله في حياتك العملية، وأنتَ في هذه الحياة تحتاج إلى أصول حياتية ثابتة معك تستند إليها – بعد الله عزّوجلّ – وتسير بها نحو هدفك في عملك هذا.

·       لماذا:

لأنّه كما قال الأستاذ سيد قطب في الظلال: "إنّ العقل لا يصلح وحده أن يكون ضابطاً موزوناً ما لم ينضبط هو على ميزان العقيدة الصحيحة، فالعقل يتأثر بالهوى كما نشهد في كلّ حين ويفقد قدرته على المقاومة في وجه الضغوط المختلفة، إذا لم يقم إلى جانبه ذلك الضابط الموزون".►

 

المصدر: كتاب تصحيح مسار (أصول حياتية)

ارسال التعليق

Top