◄الصّلاة (نهر):
يقف الرسول (ص) ذات يوم ليصف الصلاة للمسلمين، فيقول: "أرأيتم لو أنّ أمام دار أحدكم نهراً يغتسلُ فيه في اليوم خمس مرّات هل يبقى عليه شيء من الدرن؟!". والدرن يعني الوسخ.
أنّ هذا التشبيه هو تقريب للغاية التي من أجلها وضعت الصلاة: إنّها (مُغتَسل).. (حمّام).. (مَطْهَرة).. فكما أنّك في الحمّام تزيح عن بدنك كلّ ما يعلق به من أوساخ ونجاسات وقاذورات، فكذلك الصلاة، فهي حمّام روحيّ يطهِّر النفس مما علق بها من ذنوب وآثام.
إنّ تكرار الحمام خمس مرّات في اليوم يُفترض أن لا يدع شيئاً من الرذائل والمعاصي التي توسّخ القلب وتلوّثه وتقذّره، فكلّما علق بالقلب ذنب جاء نهرُ الصلاة ليغسله.
الصّلاة (سلاح):
بعض الأحاديث وصفت الصلاة بأنّها سلاح، كما في هذا الحديث: "الصلاة سلاح الأنبياء".
تأمل عزيزي الشاب في معنى (السلاح)، فللسلاح مهمّتان: دفاعية وهجومية وأعداؤنا كثيرون!
(الشيطان) الذي يزيد في ذنوبنا.. والذي يزيِّن لنا السُّوء.. ويستدرجنا إلى مواقع الهلاك والفحشاء والبغضاء والفتنة.
و(الدنيا) التي تغوينا فتصرفنا على طلب الآخرة ومرضاة الله تعالى.
و(النفس) الأمّارة بالسُّوء، التي يلعب بها الغرور والتكبّر والعجب والهوى، فتبطر وتطغى ويميل بها هواها فتتعصّب وتتطرّف.
والتحدِّيات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
هؤلاء الأعداء وغيرهم يحتاجون إلى سلاح قويّ لا ينكسر، فما هو هذا السلاح؟
الإسلام يجيبنا: إنّه الصلاة.
هذه الركعات المعدودات سلاحاً قويّاً في المواجهة مع هؤلاء الأعداء، أنّ الصلاة سلاح معنويّ وروحيّ ونفسي يزوّد المصلي بقوّة نفسيّة كبيرة لمواجهة التحدِّيات، وبمقدار ما تحقّق الصلاة من القرب من الله، بمقدار ما تكون سلاحاً فعّالاً.
الصّلاة (معراج):
حديثاً آخر يصف الصلاة بأنّها (معراج) أي سلّم، حيث يقول الحديث الشريف: "الصلاة معراج روح المؤمن". فكما يمكنك أن تصعد إلى الأعلى بارتقاء سلّم، كذلك تفعل الصلاة في السموّ بروحك إلى الآفاق العالية المتحرّرة من أسر القيود الماديّة.
تأمّل مليّاً في هذه الصورة.. صورة الروح التي تحلّق في الأعالي وكأنّها تنسلّ من الجسد خلال الصلاة، أو أنّها تجعل منه شيئاً روحياً بالإضافة إلى كونه ماديّاً.
أنّ ارتقاء الروح في الصلاة يعني ارتقاء الشخصيّة في مدارج الكمال، فترى عقلها مضيئاً بمعاني الصلاة، وقلبها شفافاً بحبّ الخير واعمالها تنحو نحو الصلاح والاستقامة، وتذكّر أنّه كلّما صلّى دعا الله تعالى أن يمكّن روحه من العروج في طريق الهداية: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ (الفاتحة/ 6-7).
هل وصلت بنا صلاتنا إلى مرتقى معيّن، أم أنّنا نراوح في الصلاة مكاننا لا نبرح الأرض التي نقف عليها؟
وإذن، كيف يمكن أن نجعل من صلاتنا معراجاً وسلّماً إلى الفضائل ومكارم الأخلاق؟
الصّلاة (قربان):
حديث شريف آخر يقول: "الصلاة قربان كلّ تقيّ". معنى (قربان) كلّ ما يتقرّب به العبد من أعمال صالحة إلى ربّه ليفوز بقربه الدائم.
فهو حينما يفتتح صلاته بنيّة القرب "أصلِّي قربة إلى الله" إنّما يعبِّر عن حالة الانشداد والانجذاب والدنوّ والقرب القريب من الله تعالى، وقفزت إلى ذهنه الآية المباركة: ﴿.. وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ...﴾ (العلق/ 19).
الصلاة (ميزان):
أنّ النبيّ (ص) كان قد وصف الصلاة بـ(الميزان) أيضاً، وذلك في قوله (ص): "الصلاة ميزان، مَنْ وفّى استوفى".
أما عن وجه الشبه بين (الميزان) وبين (الصلاة) فنرى أنّ للميزان كفّتين، والعدل أن تتوازن الكفّتان فلا ترجح إحداهما على الأخرى، وكذلك الصلاة فمن وفّاها حقّها وأدّاها على خير وجه في وعي وخشوع وانتهاء عن الفحشاء والمنكر، كانت الكفّة الثانية أن ينال مكافأة جزيلة على صلاته وهي (الفلاح): ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾(المؤمنون/ 1-2).
في الحديث: "إذا قام المصلي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من عنان السماء إلى عنان الأرض وحفّت به الملائكة، وناداه ملكٌ لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل".
وكثرت الأحاديث التي يصف كلٌّ منها الصلاة بصفة، فالرسول (ص) يصفها بـ(عمود الخيمة) ويقول: "مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء، وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء".
ويقول (ص) معبّراً عن الصلاة بـ(وجه الدين): "لكلّ شيء وجه ووجه دينكم الصلاة، فلا يشينّن أحدكم وجه دينه". ذلك أنّ أوّل ما تقع عين الناظر على الوجه، فإذا كان جميلاً انجذب الناظر إليه، وإذا كان دميماً نفر منه، فالوجه هو الذي يترك الانطباعات الأولى عن الشخصيّة، ﴿.. وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ...﴾ (الفتح/ 29). ►مقالات ذات صلة
ارسال التعليق