• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مفهوم التعاون في الفكر الإسلامي

مفهوم التعاون في الفكر الإسلامي

◄من المعروف أنّ المجتمعات الموجودة في أي مكان على الكرة الأرضية، هي تكتلات بشرية، تربطها مجموعة من الروابط، والمصالح، والعلاقات، وتنظم حياتها مجموعة من القوانين الإلهية، أو الوضعية، ولكلّ مجتمع من هذه المجتمعات خصائص، وصفات، تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى.

والمجتمع الإسلامي أحد أبرز المجتمعات الإنسانية، وله ميزات، وخصائص، ينفرد بها عن المجتمع الرأسمالي، الذي يعتمد على النظرية الرأسمالية، وكذلك يختلف عن المجتمع الاشتراكي القائم على النظرية الماركسية (الشيوعية).

وإنّ الإنسان في الحياة الإجتماعية – وفي أي مجتمع كان – ، يقوم بممارسات اجتماعية كثيرة، لتنظم وتسير حياته.. فهو يبيع، ويشتري، ويشارك، ويتزوج، ويتملّك، ويتعاون، وينافس الآخرين، ويدرس، ويدافع عن حقوقه، ويختلف مع الآخرين، ويقاتل، ويرفه عن نفسه، وعن أهله، وكلّ ذلك يدخل في الحياة الاجتماعية للفرد والمجتمع.

وحين ننظر إلى المجتمع من حولنا نظرة فاحصة، نجد أنّ الناس متفاوتون، سواء كان ذلك من جهة القوّة الجسمية، أم من جهة القوّة العقلية.. ففي المجتمع يكون هناك أُناس أقوياء، وآخرون ضعفاء.. وهناك أُناس أصحاء، وآخرون مرضى.. وهناك أُناس أغنياء وآخرون فقراء، وهناك مَن يتميز بالعلم والمعرفة، وآخرون بالجهل والأُمّية، ومن هنا برزت الحاجة إلى ضرورة استيعاب الحياة، والروح التعاونية، التي تزرع مشاعر الحبّ، والاحترام، والإخاء، بين أفراد المجتمع كافة، وتعينهم على العمل، والتطوّر.

إنّ المجتمع البشري، يشبه إلى حدٍّ كبير الجسم الإنساني في تكوينه، وعمله، وأداء وظائفه، فجسم الإنسان مكوّن من أعضاء، وأجهزة، ولكلّ منها واجب دقيق، وعمل خاص يقوم به بشكل منظّم، بحيث لا يمكن لأي عضو أن يستغني عن بقية الأعضاء، فهي تعمل معاً بصورة مترابطة، ومنسقة من أجل حفظ الحياة وديمومتها.

والمجتمع البشري يتألف من الفلاح، والمعلم، والطبيب، والمهندس، والعامل، والتاجر... إلخ، وكلّ شخص من هؤلاء يؤدي واجبه، ويقدم خدماته إلى أبناء مجتمعه.

كما أنّ الإنسان مع ما أعطاه الله تعالى، من صفات، وسمات تميزه عن غيره من المخلوقات الموجودة على سطح الأرض، تظل قدراته الجسدية، والعقلية، قاصرة عن تحقيق كلّ ما يطمح إليه، من رغبات، وأهداف، ما لم يتعاون مع الآخرين، أخذاً، وعطاءً، ويتعاون الآخرون معه لتحقيق الأهداف المشتركة التي يصبون إليها.

أمّا الفكر الإسلامي، فإنّه يعمل جاهداً على إيجاد المجتمع المسلم المتعاون من خلال الاهتمام ببناء الإنسان أينما وجد، ليتربى وفق القيم السماوية التي أكّدها الله تعالى، كما في قوله جلّ وعلا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 29).

إنّ البر والتقوى من الأمور التي توحِّد الجماعة وتجمع صفوفها وتلغي عوامل الفساد والاختلاف والنزاع وعناصر التضاد والتدافع في الإرادات والرغبات والشهوات وتسيطر على أسباب الهوى والغضب والانفعال، وعمل البرّ والتقوى بالرغم من حسنه وميل الفطرة الإنسانية إليه إلّا أنّه عمل ثقيل وصعب لما فيه من جهاد النفس والبذل والعطاء وتحمل الآلام ولذلك كان يحتاج التعاون والاشتراك في المسؤولية والإنجاز.

والتعاون بذلك صلة ورابط بين الإنسان وأخيه الإنسان، يعمّق الشعور بالود، والتعاطف، والتقارب، بين أفراد المجتمع الإسلامي، ومختلف أفراد بني البشر، بعيداً عن اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو العرق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).

ويُشبه الرسول الكريم محمّد (ص) المجتمع بالجسد الواحد، ليعلِّم أبناء المجتمع الإسلامي مبدأ التعاون، ويثبت في نفوسهم الأخوة، والمحبة، والتضحية، فقد روي عنه (ص) قوله: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى".

وقوله (ص): "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسُلمه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة".

وقوله (ص): "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً".

وعندما نطلع على سيرة الرسول الكريم محمّد (ص)، نراه يؤكّد على التعاون الذي بواسطته استطاع الرسول (ص) أن يُنمِّي ويُكوِّن المجتمع الاسلامي في المدينة المنورة، فبتعاون المسلمين، وبالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومؤازرة الغني للفقير، والقوي للضعيف، أصبحت أُمّة الإسلام أُمّة واحدة، استطاعت أن تنشر الإسلام، وتبني الدولة الإسلامية، وتحقق العدالة، والمساواة.►

ارسال التعليق

Top