• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ما الذي يعوق نوم الطفل؟

ما الذي يعوق نوم الطفل؟
نوم الطفل هانئاً يشكل، بالنسبة إليه، ضمانة لنمو سليم، جسدياً وذهنياً، وبالنسبة إلى والديه راحة بال وطمأنينة، وطبعاً القدرة على الاستمتاع بنوم هانئ بدورهما. فما هي العوامل التي قد تعوق نوم الطفل؟ من اليسير تعداد الحالات التي، على الأغلب، تؤدي إلى اضطراب نوم الطفل، بالتالي إعاقة نموه على نحو المرجو. إذ يُجمع الأخصائيون على أن أهم تلك العوامل تتمثل في الاضطرابات الآتية: - الخوف من الظلام والكوابيس. - الرغبة في النوم في سرير الوالدين. - الشخير وانقطاع التنفس. - الـ"سرنمة" (السير أثناء النوم).   1- الخوف من الظلام والكوابيس: الرضيع الصغير جدّاً لا يعرف شيئاً اسمه الخوف. لذا، ينصبُّ أفضل حلٍّ على تعويده مبكراً، في سن أيام أو أسابيع، على النوم في غرفته الخاصة، إن أتيح ذلك. لكن، بدءاً من سن 12 إلى 24 شهراً، يبدأ الصغير في الإحساس بالخوف، بحسب ذكائه: كلما كان أذكى، يبدأ الخوف بشكل مبكر. وعموماً، بدءاً من 24 شهراً، لا يسلم أي طفل من الخوف من الظلام، لغاية سن 5 سنوات، وأحياناً أكثر بقليل. فالظلام، في عيني الطفل، يمثل "بؤرة مخاطر" كامنة، متخيلة طبعاً، يرى فيها أشباحاً ووحوشاً وكواسر. كما يمنعه من السيطرة على ما يحيط به، ما يولِّد الـ"ستريس"، ويجعله يتساءل عن موقعه المضبوط في السرير، وموقع السرير في الغرفة. فيغفو بصعوبة، وإن غفا قد يستيقظ، وربما يبكي، وينادي على الوالدين. التصرف الأمثل، في تلك الحال، ينصبُّ على الذهاب إلى غرفته، وليس تركه القدوم إلى غرفة الوالدين، وإشعال ضوء خافت، وطمأنته، والتحدث معه. مثلاً، افتحي باب الخزانة، أو انظري تحت السرير، وخلف الستائر، وما إلى ذلك، وقولي له: "انظر، لا يوجد شيء سوى ملابسك ودفاترك وأحذيتك"، إلخ. فإن تكررت الحالة، يمكن التفكير في ترك مصباح خافت جدّاً مضاءً طوال الليل، أو أقله ترك ضوء الممر مضاءً. فالعتمة غير التامة تختلف تماماً عن الظلام الدامس في تأثيرها في نفسية الطفل. وما من داعٍ للإلحاح على جعله يتقبل الظلام التام، أو القول: "إن لم تنم في الظلمة، لن تصبح رجلاً" أو "لن تصبحي قوية"، وما شابه. فالخوف من الظلام أمر طبيعي عند الطفل، ولا ينبغي جعله يشعر بعقدة الذنب جراءه. وتظل راحته هي الأهم، إذ سرعان ما سيتجاوز ذلك الخوف من تلقاء نفسه، في سن الـ5 أو الـ6. إذن، تحدثي معه، واسعي إلى إبداء تفهمك تجاه خوفه، لكن من دون أن تقولي، من باب "التضامن"، إنك تخافين أيضاً من الظلام. فذلك يفاقم خوفه. حاولي، مثلاً، أن تجدي خوفاً كنت تعانينه في صغرك، لكنه لا يوجد عنده، وتحدثيه عنه، ما يجعله يشعر بأنّه أقوى. مثلاً، إن كنت تخافين من الماء، بينما لا يخاف هو منه، شددي على ذلك، لجعله يحس بنقاط قوته، ما يعينه على تخطي خوفه من الظلام.   2- الرغبة في النوم في سرير الوالدين: عموماً، يبدأ توجه الصغير نحو القدوم إلى سرير والديه في حدود سن 24 شهراً. وهو أمر محير لهما، إذ من العسير رفض هذا الطلب لفلذة الكبد، من جهة، وفي الوقت نفسه، يعلمان أن من الأفضل عدم قبول تلك الرغبة، لأن من شأنها تعويده على تكرار الأمر، ولأنّها ليست الحل الأمثل لإعانته على تخطي مخاوفه الأخرى، كالخوف من الظلام، المشار إليه. فهذا النوع من اضطراب النوم، أي الرغبة في الانضمام إلى الوالدين، متأتٍّ تحديداً من سابقه، الخوف من الظلام، أغلب الظن. لكن، قد توجد أسباب أخرى. ففي تلك السن، تحديداً، يصبح الطفل نظيفاً، بمعنى يسيطر على التبول، فلا يعود ضرورياً إلباسه حفاضات. وهذه "الاستقلالية"، الجديدة عليه، تقلقه نوعاً ما، إذ تنهي آصرته القوية مع الأُم، بما أنها تخفض اعتناءها المباشر به، مثلما اعتاد عليه طوال عمره الغض. هكذا، يشعر بالحاجة إلى العودة إلى حضن الأم ودفء الأمومة، وما يولّده عنده من طمأنينة وأمان. وبما أن فترة "الحضائن" والحفاضات انتهت، ومعها تمضية أوقات أكثر مع الأُم بشكل مباشر، يبقى أمامه "حل الاندساس في سرير الوالدين و"التعويض" عن الخسارة. إلى ذلك، فالطفل فضولي بطبيعته، حتى في تلك السن. لذا، عبر السعي إلى "فرض نفسه"، يود أيضاً اكتشاف طبيعة العلاقة بين والديه، ويتساءل: "هل تحب ماما باب مثلما تحبني، أم أكثر مني؟". فإذا كانت رغبته في القدوم تنبع حقاً من خوف حقيقي من الظلام، مثلاً جراء كوابيس مزعجة، يمكنك "التفاوض" معه، كأن تقولي: "طيب، في هذه المرة تبقى معنا، لكن سأصطحبك إلى سريرك بعد قليل، وأبقى معك إلى أن تنام، ولا يجب أن يتكرر الأمر". وعليك تطبيق ذلك فعلاً، وبحزم، أي إعادته إلى سريره والبقاء معه قليلاً. فإن تقاعستِ، مثلاً تكاسلاً، سيمحو له تكرار المحاولة. وإن استمرت الحال بعد سن الـ3، أو على الأكثر الـ4، فذلك يعني أنّ الطفل، من دون وعي طبعاً، "يعارض" العلاقة بين والديه، وليس لأنّه يخاف حقاً من الظلام. هكذا، يود الصغير أخذ مكان الأب في قلب أمه، أو تود الصغيرة الاستحواذ على مكان الأُم في قلب أبيها. لذا، بعد سن الـ4، يجب منعه، أو منعها، بشكل واضح وصريح. وعلى الاثنين كليهما، الأب والأُم معاً، أن يبديا إصرارهما. فتهاون أحدهما يشجع الطفل على مواصلة ذلك السلوك، الذي لا يعود مقبولاً بتاتاً بعد سن الـ4 على أبعد تقدير.   3- الشخير وانقطاع التنفس: يُعدّ الشخير من أسوأ الاضطرابات الوظيفية ذات العلاقة المباشرة بنوعية نوم الطفل. فبغض النظر عن تأثيراته في النوم، يعكس الشخير قصوراً تنفسياً، قد يكون خطيراً. لكن، ينبغي التذكير بأن شخير الطفل أثناء إصابته بنوبة برد، كالرشح والزكام، أمر طبيعي ولا يستدعي القلق. فتلك حالة زائلة، تنتهي مع انتهاء المسبب، من دون ترك تداعيات. وشخير الطفل، باتفاق الأطباء، لا يعد مشكلة صحية إلا إذا استدام، لاسيما أنّه، والحال تلك، يرتبط بانقطاع التنفس أثناء النوم. هكذا، يفيق الوالدان بسبب صوت الشخير، ثمّ ينتابهما القلق بسبب انقطاعه. ويظل الطفل من دون هواء جديد في رئتيه لبضع عشرات من الثواني. ومن تداعيات ذلك عليه: - الصحو بمزاج عكر. - الشعور بالتعب أثناء النهار. - تدني المقدرات الدراسية (إذا كان في سن الذهاب إلى المدرسة). - الشعور بالعطش ليلاً، وجفاف منطقة الحلق. - ارتفاع احتمالات السلس (التبول اللاإرادي) ليلاً. - الإحساس بالصداع. - النشاط المفرط أثناء النهار. وهذه من المفارقات، إذ يُفترض العكس. لكن، أثبتت دراسات أجريت مؤخراً في الولايات المتحدة أن اضطراب نوم الطفل، على عكس المتوقع، يجعله مفرط النشاط نهاراً، وفي الوقت نفسه عُرضة للنعاس أكثر، بالتالي لأخذ قيلولات مطولة نهاراً. وبحسب الإحصاءات، تخص حالة الشخير الانسدادي بين 1 و3 في المئة من الأطفال دون سن الـ6. وصحيح أن أعراض شخير الطفل، وانقطاع تنفسه، مشابهة لما هي عليه عند البالغ، لكن أسبابها قد تختلف. فعند الطفل، في الأغلبية العظمى من الحالات، تنجم عن تضخم اللوزتين. وتضخم اللوزتين، الذي كان نادراً جدّاً عند الصغار لغاية عقود خلت، حالة آخذة في التزايد بشكل مقلق عند الأطفال في سن دون الـ3. ويعزو الباحثون هذه الظاهرة إلى التلوث. في الأحوال كلها، إن كان طفلك يعاني الشخير وانقطاع التنفس، عليك باستشارة الطبيب، لكي يجري فحوصاً خاصة، دقيقة، ويحدد العلاج الأنسب لطفلك. فليس ثمة علاج شامل، ينطبق على جميع الأطفال، إنما تُدرس كل حالة على حدة.   4- الـ"سَرنمة" (السير أثناء النوم): يعاني الـ"سَرنمة" نحو 20 في المئة من الأطفال بين سني 4 و8 سنوات، و10 إلى 15 في المئة بين سني الـ8 والـ12 (تضمحل النسبة لدى البالغين: من 2 إلى 4 في المئة، وفق الإحصاءات المتباينة). كما ترتفع نسبة التبول الليلي اللاإرادي عند الأطفال الـ"مُسرنمين": 25 إلى 33 في المئة منهم. والـ"سَرنمة" مصطلح مستحدث عن "السير أثناء النوم"، ما يحلّ عموماً أثناء الانتقال من المرحلة الثالثة إلى الرابعة من دورة النوم، عقب بضع ساعات من الإغفاءة. وأثناء النوبة، يدخل الدماغ في حالة "استفاقة معلقة"، لا هي نوم، ولا هي صحو. لكن، لحسن الحظ، فإن شدة الإصابة، عند معظم الأطفال الـ"مسرنمين"، طفيفة جدّاً. إذ يقتصر الأمر على النهوض لمدة خاطفة، والسير نحو الباب من دون وعي، ثمّ العودة إلى الفراش. وكالبالغ، لا يتذكر الطفل "المسرنم" تلك الحلقة من حياته الليلية. المعضلة أنها تؤثر في نوعية نومه، وتفضي إلى إرهاقه في اليوم التالي، وربما حدة مزاجه بسبب اضطراب نومه.

ارسال التعليق

Top