• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نعم للتأديب.. لا للعقاب

نعم للتأديب.. لا للعقاب

 أسلوبان تربويان يحددان شخصية طفلك

    بين التأديب والعقاب خيط رفيع، لا يراه الأهل في أحيان كثيرة. لكن الفرق بينهما شاسع في النتائج. فالتأديب وسيلة تربوية ناجعة تُنشئ طفلاً حسن السلوك، سوي الشخصية، بينما العقاب هو أقصر طريق إلى اختلال شخصية الطفل.

    التأديب يعني توجيه الطفل وتعليمه التصرف الجيِّد والتحكم في انفعالاته، ويجب أن يكون سبب التأديب واضحاً ومفهوماً من قِبل الطفل، وأن تكون له علاقة بالخطأ الذي ارتكبه. فالتوجيه الإيجابي يمنح الطفل شعوراً جيِّداً نحو ذاته، ويشجعه على التفكير قبل القيام بأي عمل، ويمنحه الفرصة لتحمُّل مسؤولية أعماله ولتصحيح أخطائه، ويُعزز من قدرته على السيطرة على ذاته.

    إنّ الهدف من التأديب هو تعليم الطفل الفرق بين السلوك المقبول وغير المقبول، ومساعدته على تغيير تصرّفه، من مُتهوّر وعشوائي، إلى تصرُّف مُتَّزن مسيطر عليه. وعند تأديب الطفل يجب التركيز في الدرجة الأولى على ما يُسمح له بفعله، كما يجب أن يكون مقروناً بالتعليم والحزم، وبتذكير الطفل دائماً بالقوانين المفترض أن يلتزم بها، وبحدوده.

    أمّا العقاب، فهو تقنية من تقنيات التأديب. وقد يكون العقاب جسدياً (الصَّفع، الضرب) أو نفسياً (الاستهجان أو الرفض، العزل عن الآخرين، التجريد من الامتيازات). وتعتقد الأُم أنها بمعاقبة الطفل تُقوّم سلوكه وتمنعه من القيام بتصرف غير مقبول. لكن عليها، بدلاً من معاقبته، تعليمه مهارة تحمُّل مسؤولية تصرّفه، حتى يتعلم السيطرة على ذاته، وهي مهارة يحتاج إليها الطفل في كل مراحل حياته.

    إنّ ضرب الطفل وتعنيفه بقسوة إذا خربش على الحيطان مثلاً، يُعتبَر عقاباً. والعقاب لا يُعلّم الطفل شيئاً. أما إعطاؤه ورقة ليخربش عليها بدلاً من الحيطان، فيُعتبر تأديباً. والتأديب يُعلم الطفل الامتناع عن القيام بتصرفات سيئة ويُوجّهه الوجهة الصحيحة.

    

    - هل العقاب فعّال؟

    قد يُسهم العقاب في وضع حَدٍّ لتصرُّف الطفل السيء لحظة معاقبته. إلا أنّ العقاب وحده لا يمنعه من القيام بمثل هكذا تصرف على المدى البعيد. ولكن، إذا اقترن العقاب القَمْعي بتعليم الطفل القيام بأعمال مقبولة، بدلاً من الأعمال السيئة، وإذا تمّت مراقبة تصرفاته غير المقبولة، عندها فقط يُصبح مفيداً ومقبولاً. لكن، استخدام العقاب القاسي كأسلوب وحيد ومُطلَق في تأديب الطفل، يمكن أن يعطي نتائج مُدمّرة.

    وفي الأغلب، لا يؤثر كثيراً في تقويم تصرفات الطفل، وقد لا يكون له أي تأثير إطلاقاً. فالطفل الذي يُعاقَب بالصفع أو الصراخ أو التهديد، يمكن أن يتعلم تجنُّب التصرف الموجب للعقاب بوجود الشخص المسؤول عن تقويم سلوكه. لكن، لا يستطيع هذا الشخص ضمان عدم قيام الطفل بتصرف سيئ عندما يكون بعيداً عن عينيه.

    

    - هل العقاب مُؤذٍ؟

    إنّ اتّباع أسلوب العقاب القاسي دائماً مع الطفل، يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، وأحياناً  كثيرة إلى نتائج هدّامة. فقد ينظُر الطفل إلى العقاب على أنّه نوع من العنف يمارسه الكبار ضد الصغار، كما يمكن أن يُولّد العقاب القاسي الشعور بالاستياء والعنف المضاد وبالذل عند الطفل، وأن يدفع به إلى عدم التعاطف مع آلام الآخرين.

    وعلى عكس ما يعتقد البعض، يمكن أن يُؤثر العقاب القاسي في قدرة الطفل على الاستيعاب، وفي السيطرة على التصرفات غير المرغوبة. وهذه الحقيقة تنطبق على العقاب الجسدي والنفسي. وفي جميع الأحوال، يمكن أن يكون العقاب مُؤذياً إذا كان قاسياً واستُخدَم بشكل دائم، وكان الأسلوب الوحيد المتَّبَع في تقويم سلوك الطفل.

    

    - هل العقاب سيِّئ دائماً؟

    لا بأس من مُعاقبة الطفل أحياناً (حرمانه من مُشاهَدة برنامجه التلفزيوني المفضَّل)، شرط ألا يكون العقاب قاسياً، وأن يكون مصحوباً بأساليب تربية إيجابية، مثل مدح الطفل أو مكافأته على تصرفه الجيِّد. ويمكن أن يؤدي العقاب المقبول إلى إيمان الطفل بصحة الأسباب التي دعت الأم إلى معاقبته، وعلى تنقية الأجواء بينهما، ويُريح الأُم من الشعور بالإحباط، خاصة إذا كان تصرف الطفل الذي نال عقاباً عليه مُثيراً للغضب. ويجب عدم معاقبة الطفل على تصرفات لا سلطة له عليها، مثل التبول في الفراش ليلاً، أو لو حصلت من دون قصد منه، مثل وقوع كوب الحليب من يده.

    ويجب ألّا يغيب عن بال الأُم الهدف من وراء معاقبة الطفل. فإذا كان الهدف مساعدته على تعلُّم السيطرة على انفعالاته، يجب أن تُبيّن له الخطأ الذي نال عليه العقاب، وأن تشرح له كيفيّة تجنُّب ارتكابه ثانية. إنّ مساعدة الطفل على فهم أسباب رفض التصرفات غير المقبولة، يُجبره على تعلُّم ما هو مقبول والالتزام به.

    والتأديب أداة يستخدمها الأهل لتعليم أطفالهم كيف يتصرفون في الحياة. فإذا لم يُؤدِّ أسلوب الأُم في ضبط سلوك طفلها إلى إدراكه الخطأ في تصرفه وما هو التصرف البديل الصحيح، فهذا يعني أنّ أسلوبها غير ذي جدوى.

    وهنا بعض الآراء التي يمكن أن تساعد الأُم على تربية طفلها لا معاقبته:

    - الوضوح في التعامُل: إذا لم تكن الأُم واضحة في تعاملها مع طفلها، وإذا لم تُبيّن له ما تتوقعه منه من تصرف، فإنّ الطفل لن يعرف أنّه خرق القوانين وأخطأ التصرف. فالطفل لا يعرف ما هو التصرف المقبول أو غير المقبول. وواجب الأم تعليمه التمييز بينهما. وعلى الأُم ألا تنزعج من تصرف طفلها في المطعم أو في السوبرماركت، إذا لم تكن قد علّمته كيف يتصرف في الأماكن العامة قبل خروجهما من المنزل.

    إنّ تحديد القوانين التي يجب أن يلتزم بها الطفل في المنزل وخارجه، من أولويات شروط التربية. وهذا لا يعني تكبيل الطفل بكثرة القوانين، وفرض قوانين خاصة بالمنزل وأخرى لخارجه، فتُسبّب إرباكاً للطفل وتجعله يعتقد أن ما لا يستطيع فعله في المنزل يمكن أن يفعله خارجه. لذا، يجب توحيد القوانين وكتابتهما على ورقة بخط واضح، وتعليقها في مكان ظاهر، ليراها الطفل ويعرف ما هو مُتوقَّع منه.

    - نبرة الصوت: إنّ نبرة الصوت أثناء التحدُّث إلى الطفل، من أهم المهارات التي يجب أن تتقنها الأُم، لأن لها تأثيراً قوياً في تربية الطفل. فالنبرة الصحيحة تُساعد على نجاح الأُم في ضبط سلوك طفلها وتربيته. فالنبرة الخفيفة مثلاً، تجعل الطفل يعتقد أنّ الأُم عاجزة، أو أنها لا تعني ما تقول، أو أن لا سلطة لها عليه. أمّا النبرة القوية (أي الصراخ)، فتدل على إمكانية استخدام القوة كأسلوب تربوي، وهذا لا يفيد على المدى الطويل، أو تدل على توتر الأُم. إلا أنّ الصراخ لا يساعد على خفض نسبة التوتر، خاصة إن كانت تتعامل مع طفل مُراهق. لأنّ صراخ الأم بسبب شعورها بالغضب أو الإحباط من تصرفات الطفل، لا ينتج عنه إلا صراخ مُتبادَل بينها وبين طفلها.

    ويجب أن تكون نبرة صوت الأُم حازمة، تُبيّن للطفل أنها هي الأُم، وأنّ عليه تنفيذ ما يُطلب منه، وألا تكون خفيفة ومرحة، وألا تُكرر الأم قول: "من فضلك" أثناء توجيه طفلها، وألا تصرخ في وجهه، لأنّ مثل هذه التصرفات تدل على ألا سلطة للأُم على الموقف. إنّ اللهجة الجادّة، التي تدل على السُّلطة، تترك أثراً في الطفل أكثر من الصراخ أو من قول "من فضلك".

    - المتابعة: يُصبح استخدام النبرة الصحيحة عقيماً إذا لم تتم متابعته. صحيح أنّ التهديد يعطي نتائجه أحياناً، لكن الطفل يعمد دائماً إلى اختبار مدى جدية التهديد. فإذا لم تتابع الأم تهديدها وتطبّقه، تصبح وكأنها تنفخ في قربة مثقوبة. وتعتمد التربية في الدرجة الأولى، على متابعة القوانين والتأكيد من تطبيقها. وإذا هدّدت الأُم طفلها بأنها ستحرمه من اللعب بألعابه إذا لم يجمعها ويضعها في مكانها، عليها تنفيذ تهديدها إذا لم يقُم بجمعها.

    ملاءمة العقاب للخطأ المرتَكب: أحياناً، تشعر الأُم بالإحباط من تصرفات طفلها السيئة، فتُبالغ في عقابه، أو أنها تتعب منها فلا تفعل شيئاً حيالها. في جميع الأحوال، يجب أن يتناسب العقاب مع الخطأ المرتكب. وإذا كان الطفل صغيراً، يُمكن أن تعاقبه الأم بوضعه في الزاوية لفترة محدّدة من الوقت لسوء سلوكه. أمّا إذا كان أكبر سنّاً، فيمكن أن تمنع عنه بعضاً من امتيازاته. وإذا كانت الأم تعاقب طفلها بسبب شعورها بالغضب منه أو بالإغاظة، فعليها أن تراجع نفسها وتُغيّر من أسلوبها في التربية.

    - عدم التناقض: من أسوأ أساليب التربية هو تطبيق القانون أحياناً وإهماله أحياناً أخرى. إنّ مُعاقبة الطفل بقسوة عند خرقه القانون مرة من المرات، وعدم معاقبته إطلاقاً عند خرقه القانون نفسه، هو بمثابة رسالة خاطئة تشجع الطفل على التمادي في تصرفه.

    - عدم القضاء على اعتزاز الطفل بنفسه: إنّ وصف الأُم طفلها بالأحمق لا يدفعه إلى بذل الجهد ليثبت العكس. وبالمثل، فإنّ وصفه بالكسلا لن يدفعه إلى بذل المزيد من الجهد لتحسين مستواه الدراسي. ومعظم الأُمّهات يتصرفن بهذه الطريقة، وربما يكون تصرفهنّ نابعاً من شعورهنّ بالإحباط. لكنه أسلوب فاشل، لأنّه يقتل اعتزاز الطفل بنفسه، ويُعزز من تصرفه الخاطئ "إذا كانت أمي تعتقد أنني كسلا، إذن لا ضرر من أن أكون كسلا".

    إنّ وضع القوانين الواضحة، وتحديد النتائج، والأهم التكلُّم مع الطفل عن تصرفه الخاطئ، وأن تُوضّح له التصرف الصحيح، هي من أفضل أساليب التربية الجيِّدة. فالموضوع لا يتعلق بالعقاب أو بقسوته، بل بالدروس التي تعلّمها الأم طفلها عن التصرف الجيد الذي يمكن أن يساعده على النجاح في الحياة.

    ما هو الأسلوب التربوي المناسب لكل مرحلة عمرية؟

    مهما تكن سن الطفل، من المهم أن تُثابر الأُم في متابعة طفلها عندما يتعلق الأمر بضبط تصرفه. إنّه عدم مُبالاة الأُم بالتأكد من اتّباع الطفل القوانين، يشجعالطفل على عدم الاهتمام بها.

    هنا بعض الأفكار حول تكييف أساليب التربية بما يتناسب مع سن الطفل.

    * منذ الولادة حتى عمر السنتين: لا يحتاج الطفل في هذا العمر إلى تأديب، لأنّه لا يعمد لا إلى التصرف بطريقة سيئة، ولا إلى إثارة غضب الأُم. ولكن، ولأنّه فضولي بطبعه، على الأُم أن تُزيل كل ما يوجد في طريقه من أشياء، بشكل خاص أدوات التنظيف والأدوية، حتى لا تضطر إلى نَهْرِهِ. وعندما يزحف الطفل ليصل إلى غرض ما، على الأم أن تقول له "لا" بهدوء ولطف، وتُبعده عن الغرض، وتعطيه لعبة ليلهو بها.

    يُعتَبر وضع الطفل في زاوية مخصصة للعقاب عند سوء تصرفه، من الأساليب الفعالة التي يمكن اتّباعها في ضبط سلوكه، شرط ألا تزيد المدة على دقيقة واحدة. ويجب ألا تغض الأم النظرعن تصرف طفلها عندما يضربها أو يضرب أي فرد في العائلة، أو عندما يعضّ، أو عندما يلقي الطعام من فمه، بل يجب أن تقول له إنّ تصرفه غير مقبول، وأنّ تعاقبه بوضعه في الزاوية. إنّ زيادة العقاب على دقيقتين لا تجدي مع طفل يقل عمره عن السنتين.

    ومن المهم ألا تضرب الأُم الطفل أو تصفعه على وجهه مهما يكن عمره. فالطفل الصغير لا يستطيع الربط بين العقاب البدني وتصرفه. لذا، فإنّه عندما يُعاقَب بالضرب، فإنّه لا يتعلم شيئاً، بل يشعر بالألم فقط، ويجب ألا يغيب عن بال الأُم، أنّ الطفل يتعلم من الكبار، خاصة الأُم، لذا، عليها أن تكون حذرة في تصرفاتها.

    * من ثلاث إلى خمس سنوات: عندما يبدأ الطفل في فهم العلاقة بين الأفعال والنتائج، على الأُم أن تبدأ في وضع القوانين الخاصة بالتصرف. وعليها أن تشرح لطفلها عواقب تصرفه الخاطئ قبل معاقبته. مثلاً، إذا قام طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات بالخربشة أوّل مرة على حيطان غرفته بقلم التلوين، عليها أن تشرح له أنّه من غير المسموح الكتابة على الحيطان. أمّا إذا عاد وخربش عليها مرة أخرى، فعليها أن تُذكّره بالقانون وبعواقب مخالفته.

    يُفضَّل أن تشرح الأُم لطفلها في سن مبكرة، أنها هي مَن يضع القوانين، وأنّه عليه أن يلتزم بها. وقد تتجاهل الأُم تصرف الطفل السيئ أحياناً، أو قد لا تعاقبه عليه، لكن هذا التصرف من قِبَل الأم يعطي الطفل انطباعاً سيئاً. فعليها أن تُثابر على تطبيق القوانين مهما تكن الظروف، لأنّ المثابرة هي مفتاح فعّال في ضبط سلوك الطفل.

    وعلى الأُم مكافأة الطفل على تصرفه الجيِّد، مثلما عليها معاقبته على تصرفه السيِّئ. وعليها ألا تستخف بالنتائج الإيجابية لمدح الطفل. فالتربية لا تعتمد على العقاب فقط، بل على الأخذ في الاعتبار التصرف الجيِّد أيضاً. مثلاً، إنّ القول للطفل: "أعجَبَني تصرفك عندما سمحت لشقيقتك باللعب بألعابك"، له أثر أقوى من العقاب في حال لم يسمح لها باللعب بألعابه.

    * من ست إلى ثماني سنوات: يجب أن تُثابر الأم على التأكيد من احترام طفلها القوانين، وأن تحرص على تنفيذ وعودها في حال أحسن الطفل تصرفه، وإلا فقدت مصداقيتها. إذ، من الضروري أن يؤمن الطفل بأن أمه تعني ما تقول له. وهذا لا يعني أنها لا تستطيع منح طفلها فرصة ثانية، أو تسمح له بهامش من الخطأ لكن عليها الالتزام بكلامها.

    وعلى الأُم أن تتجنب التهديدات غير الواقعية بالعقاب. مثلاً، أن تقول لطفلها بغضب: "إذا أغلقت الباب بالقوة مرة أخرى، سأمنعك من مشاهدة التلفزيون نهائياً"، لأنّها إذا لم تُنفّذ تهديدها يضعف موقفها.

ارسال التعليق

Top