• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تطبيق مفهوم الصبر في التربية

تطبيق مفهوم الصبر في التربية

إنّ تطبيق مفهوم الصبر ضعف جدّاً في جوانب الحياة لأنّه يتعارض مع طبيعة الإنسان الفطرية، يقول الله تبارك وتعالى: (وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا) (الإسراء/ 11)، وتبرز أهميته بمثل حجم صعوبة تطبيقه في المواقف اليومية، ولا يشعر به إلا من ذاق طعم نتائجه رغم مرارة الطريق فيها كما يقول الشاعر:

الصبر مثل اسمه مُرٌ مذاقتهُ *** لكن عواقبه أحلى من العسلِ

لذلك لن يتذوق حلاوة طعم النتائج إلا من صبر على مقاومة فطرته البشرية التي تنجذب نحو العجلة والسرعة وتبتعد عن التأني والصبر، فالتناقض بين طريق الصبر المر ونتائجه العسلية منطقيٌ إذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن طريق النجاح والإنجاز مفروش بالأشواك والعقبات، ولكنك ستجد الورود والسجاد الأحمر في نهاية المطاف! لأن أهمية الصبر تكمن في وقت علاجنا لمشاكل أبنائنا، فلا فائدة للجهد الكبير الذي يقوم فيه المربي عند دراسة المشكلة والبحث عن أسبابها ووضع العلاج المناسب لها من دون أن تكون لديه صفة الصبر على مشاكل من حوله، إضافةً إلى التأني والتروي أثناء تقديم وصفة العلاج للأبناء.

وإن من أعظم المحفزات التي تجعلنا (كمربين) نصبر على التربية هي في حديث الرسول (ص): "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

 

·      تربية الأبناء تشبه زراعة شجرة البامبو!

هل سمعت يوماً عن شجرة البامبو؟ وهل سمعت كيف تتم زراعتها؟ وهل تعلم متى يجني زارعها الثمرَ منها؟.. هي شجرة مشهورة في الصين، يذهب الرجل ليزرعها ثمّ يسقيها كلّ يوم، ويغير السماد لها بين فترة وأخرى، ولا يظهر أي شيء أبداً فوق التربة! ويستمر الرجل في سقايتها وتغيير تربتها إلى مرور سنة أولى كاملة وهي لا تزال على نفس الهيئة دون أي تغيير، ثمّ تمر السنة الثانية والثالثة والرابعة، يستمر فيها المزارع المسكين بالعناية الفائقة ببذر شجرة البامبو التي لم تخرج فوق سطح الأرض بعد! إلى دخول السنة الخامسة من زراعتها، يظهر برعم صغير جدّاً، والمفاجأة أنّ خلال ستة أيام من خروج هذا البرعم الصغير يصل طولها إلى 90 قدماً فوق الأرض!

فعدم ملاحظتك – أيها المربي – لأي تطورات في سلوكيات أبنائك، لا يعني أن وصفة العلاج التي قدمتها لهم لا تنفع، بل سيأتي اليوم الذي ترى فيه علاجك ساريّ المفعول في شخصياتهم، المسألة هنا بحاجة للصبر والتأني كما صبر المزارع على شجرة البامبو خمس سنوات كاملة يرعى هذه الشجرة بكل إتقان وعدم استعجال، فكانت النتيجة المذهلة أنّه خلال ستة أيام فقط بعد هذه المدة الطويلة نبتت البذرة واستقام عودها إلى أن أصبحت تعانق السماء بـ90 قدماً، كذلك الأمر مع الأبناء، فعلاج مشاكلهم يحتاج منّا.. الصبر.

فمن تحمَّل المرارة.. حصد الحلاوة

 

·      الطبخ الممتاز يحتاج.. ناراً هادئة!

لن تحصل على الطبق الممتاز على وجبة العشاء إلا بعد وضع القدر على نار هادئة، واستعجال الإنسان عليها برفع درجة حرارة النار بحجة جوعه واستعجاله على الأكل لن ينفعه بل سيفسد بتصرفه كلّ ما قام به لإعداد تلك الوجبة، فلا تفسد أيها المربي جهدك العظيم وتدمر وصفة العلاج عندما تستعجل طلب الشفاء لمشاكل من حولك.

 

·      أن تكون صابراً لا يعني أن تكون مهملاً!

الصبر والإهمال يشتركان في صفة الانتظار أو السكون، لكن الاختلاف المهم بينهما والذي يجب أن ينتبه له المربي جيداً: أنّ الصبر فيه انتظار، لكن مع متابعة ومراقبة للتطورات والتغيرات أثناء فترة علاج المشكلة النفسية أو السلوكية، فيلاحظ المربي بدقة إذا ما كانت التغيرات للأسوأ فإن عليه أن يتدخل بهدوء لمعالجة الأمر وتغيير نوعية العلاج المتبع، أو إذا كانت التغيرات للأفضل فيتدخل أيضاً عن طريق كلمات التشجيع المعنوي للمتربي والتحفيز المادي له.

أمّا الإهمال فأيضاً فيه صفة الإنتظار لكنها دون متابعة ومراقبة من المربي لسلوكيات المتربي، ويكون التصرف بأن يترك المربي متابعة العلاج فور البدء وتركها للظروف كي تتحكم بها، والعلاجات في مفهومها التربوي بحاجة لمتابعة دائمة مع بداية العمل مع صاحب المشكلة، وكذلك عند الانتهاء من العلاج، فيجب أن تستمر المتابعة لمراقبة التطورات المرتقبة أو التغيرات المفاجئة.

وعلى قدر أهمية الصبر في تربية أبنائنا، فإنّها سلاح ذو حدين قد ينتج عنه تعديل لسلوك صاحب المشكلة وعلاج له، وقد ينتج عنه سوء وتفاقم لمشكلته، ومن يحدد الخيار في هذين الإتجاهين هو مراعاتك أيها المربي لجزئية الصبر مع المراقبة والمتابعة دون إهمال إجراءات في العلاج.

 

·      تسلّح بهذه النصائح:

8 نقاط مهمة ستساعدك أيها المربي على الصبر على علاج مشاكل المتربين:

1-    تعامل مع مشاكل من حولك بناءً على مبادئك وليس كردة فعل على مشاكلهم.

2-    اعلم أنّ النتائج (الصلاح والهداية) بيد الله عزّ وجلّ، وأنت مطالب فقط ببذل الأسباب.

3-    طبِّق دائماً خطوات قاعدة (التشخيص قبل التوصيف) بدراسة المشكلة ثمّ تشخيص الأسباب وأخيراً توصيف العلاج.

4-    تذكر أنّ الخطأ طبيعة بشرية (كل ابن آدم خطّاء) وأن مشاكل أبنائك جزء من هذا الخطأ.

5-    "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". (حديث شريف)

6-    تيقّن أن استعجالك للحصول على النتائج (كمن استعجل أكل الفاكهة قبل نضوجها)، فلن تحصل على الطعم المرجو منها!

7-    ابنك لم يجرب صعوبة الحياة ولم يشتد عوده إلى الآن، فهو لا يملك الفهم والخبرة الكاملة التي تمكّنه من تعديل سلوكه بشكل سريع.

8-    فكِّر بإيجابية بأنّ القادم أجمل، وتواصل معهم دائماً عبر الكلمات المحفزة والتشجيع المعنوي والمادي.

في زمن السرعة الذي نعيش فيه، نحتاج لأن ندرك أنّ الصبر هو العلاج لكثير من مشاكل المربين في تربيتهم، فعندما تدرك أيها المربي حين تتعامل مع من حولك أنهم ليسوا (آلات حاسبة) تضغط على زر الأرقام التي تريدها فتظهر لك بشكل مباشر النتيجة المطلوبة، بل أنت تتعامل مع عقول تدرك أحياناً وأحياناً أخرى لا تدرك، وتتعامل مع قلوب تحب أحياناً ما نقوم به معهم وأحياناً كثيرة لا يحبونه، لذلك كان عنصر الصبر في عملية التربية أساساً لا يُتخلى عنه.

 

·      أخيراً:

الصبر يحتاج لهدوء نفسي داخلي واتزان لدى المربي لأنّ العملية التربوية شاقة ومتعبة، وكلما اتصفْتَ بالهدوء والسكون الداخلي كنت أقدر على تطبيق الصبر بشكله الصحيح بأن تتعامل مع المتربي على أساس القواعد التربوية الصحيحة وليس بناءً على ردة فعل على اخطاء من حولك ومشاكلهم، والتي قد ينتج عنها انفجار المربي في وجههم وعدم السيطرة على نفسه، ففي هذه الحالة قد ينتج عنه سقوط الثقة والحب والأمان بين المتربي ومربيه!

 

(ومضة)

يقول الله تبارك وتعالى:

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص/ 56).

ابذل كل الأسباب الصحيحة أيها المربي، لكن اعلم أنّ النتيجة على الله وليست عليك. (المؤلف)

 

المصدر: كتاب المُربِّي/ كيف نربي في الزمن الحديث؟ 12 قاعدة مبسطة ومبتكرة للكاتب عبدالمحسن العصفور

ارسال التعليق

Top