• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

فن التربية باللعب

فن التربية باللعب

اللعب ظاهرة سلوكية تسود عالم الكائنات الحيّة (الإنسان والحيوان) ولا تقتصر على الإنسان، فالحيوانات تلعب ولذا نرى القطط والكلاب والطيور تلعب، وكأنّ اللعب جزء لا يتجزأ من حركة الحياة. واللعب حاجة فطرية يحتاج إليها الأطفال والمراهقون والشباب والراشدون والمسنون ولكلّ طريقته في اللعب.

واللعب هو كلّ حياة الطفل لا سيّما في مرحلة الطفولة المبكرة (ما قبل المدرسة)، والطفل الذي لا يلعب هو طفل غير طبيعي لأنّ اللعب نشاط تلقائي لا يتم تعلّمه.. فاللعب لا يقل أهميّة عن الأكل والشراب والتنفس، بل إنّ الطفل أحياناً يفضّل اللعب على الأكل فهو يعيش مع لعبته يحكي لها، يشكي لها، يضربها ويبوسها ويحضنها ويرميها ويفكها ويركبها. ولا شكّ أنّ اللعب أهميّة كبرى بالنسبة للطفل حيث تساعده على النمو النفسي والجسمي والعقلي والحركي والاجتماعي واللغوي والأخلاقي.

ـ المعتقدات الخاطئة عن اللعب:

هناك بعض المعتقدات الخاطئة عن اللعب، ومنها:

1ـ اللعبة مضيعة للوقت: والحقيقة أنّ اللعب استثمار للوقت لأنّ الطفل إن لم يلعب بعض الوقت.. سوف يلعب معظم الوقت ويقل تركيزه واهتمامه بالواجبات.

2ـ اللعبة مضيعة للجهد: ولكنّ اللعب هو تنقية الجهد بل مقوي للجهد.

3ـ عدم اللعب رجولة: فالبعض يعامل الطفل على أنّه رجل، والحقيقة أنّ لعب الطفل لا يتنافى مع الجدية وتحمّل المسؤولية بل هو مَن يصنع شخصية سوية، ومن ثمّ يصنع الرجال وربّما مَن لا يلعب في طفولته يكون رجلاً.. لكنّه رجلاً غير سوي.

ـ أنواع اللعب لدى الأطفال:

تتعدى أنواع اللعب عند الأطفال، ومنها:

1ـ اللعب الإيهامي أو اللعب الخيالي: ويظهر هذا النوع لدى الأطفال من سن سنة ونصف وهو مبنى على التخيل، فالطفل يصنع حواراً خيالياً مع اللعبة.

2ـ اللعب التلقائي: وهو نوع من اللعب لا يعتمد على قواعد منظّمة، وهو فردى، وفيه يتم تكسير اللعب بسبب نقص الاتّزان الحسّي الحركي.

3ـ اللعب الاستطلاعي: وهو نوع من اللعب يظهر في مرحلة الطفولة المبكرة حيث يكون لدى الطفل فضول وحبّ استطلاع ورغبة في اكتشاف المجهول وما وراء الأشياء، فالطفل أحياناً يكسر اللعبة ليعرف ما بداخلها.

4ـ اللعب الفردي: وفيه يلعب الطفل بمفرده، ويتحدّث مع اللعبة وكأنّها شخص حقيقي وهنا نوع من التعويض عن غياب الأب والأُم.

5ـ اللعب المتوازي: يجتمع الأطفال في مكان واحد للعب ولكن يلعب كلّ واحد منهما بمفرده.

6ـ اللعب التمثيلي: يقلّد فيه الطفل سلوك الوالدين، فالبنت مثلاً تضع مكياجاً وتقلّد الأُم، والولد يلبس النظارة ويجلس على المكتب ويقلّد الأب.

7ـ اللعب بالمشاركة: وفي هذا النوع من اللعب يشترك مجموعة من الأطفال في لعبة معيّنة لكن دون قائد.

8ـ اللعب الجماعي التعاوني: وهذا النوع من اللعب هو أقرب أنواع لعب الأطفال إلى لعب الكبار وفيه يلعب الأطفال معاً كجماعة ويكون لهم قائد يوجههم.

ـ أهميّة اللعب عند الأطفال:

لا شكّ أنّ للعب أهميّة كبرى في حياة الأطفال وله أدوار متعدّدة، ومنها:

أوّلاً- الدور الاستكشافي للعب، وهو كالتالي:

1ـ يكشف اللعب عن شخصية الطفل بشكل عام، فالطفل أثناء اللعب يتصرّف بتلقائية بما يسمح بالتعرّف على جوانب شخصيته.

2ـ التعرّف على جوانب القوّة وإيجابيات الطفل ومهاراته مثل: الذكاء والإبداع والقدرة على التواصل والشخصية والانبساطية والاجتماعية والقيادية.. إلخ.

3ـ التعرّف على جوانب الضعف وسلبيات الطفل مثل: الخجل والانطواء والأنانية وعدم القدرة على التصرّف واليأس والإحباط السريع.. إلخ.

4ـ التعرّف على المشكلات النفسية والسلوكية للطفل مثل: العناد والعصبية الزائدة والعنف والعدوان والخوف ونقص الثقة بالنفس والكذب.. إلخ.

5ـ استكشاف العالم الخارجي: من خلال اللعب يستكشف الطفل العالم الخارجي، ومن ثمّ يتدرّب على التعامل معه رويداً رويداً.

6ـ اللعب فن تعلم الحياة، فاللعب بالنسبة للطفل يعدّ بمثابة إعادة بناء الحياة بحيث يمارس الطفل سلوكه في الحياة دون الخوف من النتائج، فاللعب مثل: الحياة فيه التعاون والتنافس والصراع والمكسب والخسارة والنجاح والفشل والحزن والسعادة، ومن ثمّ فهو الذي يعدّ الطفل للحياة.

ثانياً- الدور النمائي للعب، وهو كالتالي:

1ـ اللعب ينمّي شخصية الطفل في كلّ جوانبها.

2ـ اللعب ينمّي القدرات الجسمية للطفل حيث يمرّن الأعضاء فيساعد على نموّها وتقويتها.

3ـ اللعب ينمّي القدرات الحركية فهو ينمّي المهارات اليدوية ومهارة الفك والتركيب.. إلخ.

4ـ اللعب ينمّي الجوانب النفسية للطفل، مثل: الثقة بالنفس وتنمية القدرة على الاتصال الفعّال والشعور بتقدير الذات والقدرة على تحمّل الإحباط في حالة الفشل وكذلك الشعور بالمتعة والسعادة في حالة الفوز.

5ـ اللعب ينمّي الجوانب العقلية والمعرفية (الانتباه، الإدراك، التركيز، التفكير) حيث يتعرّف

الطفل على الأشياء وتصنيعها، وتعلّم المفاهيم والتفكير المجرّد، وتعلّم الأوزان والأطوال والمسافات والأحجام.. إلخ.

6ـ اللعب ينمّي الجوانب الإبداعية، مثل: حبّ الاستطلاع والتفكير الإبداعي القدرة على حل المشكلات... إلخ.

7ـ اللعب ينمّي الجانب الاجتماعي لدى الطفل أثناء اللعب الجماعي مثل: تنمية القدرة على المشاركة لعبة مثل: تشابك الأيدي مثلاً وغيرها الكثير والكثير.

8ـ اللعب ينمّي الجانب اللغوي، وذلك من خلال الحوار بين الأطفال أثناء اللعب والحوار مع الأُم أثناء اللعب، والتحدّث مع أخيه من خلال لعبة مثل لعبة التليفون.

9ـ اللعب ينمي الثقة بالنفس، وذلك من خلال المكسب والفوز والاستبصار بالقوّة الذاتية وإظهار القدرات الكامنة.

10ـ اللعب يساعد على تبادل المعرفة والثراء الثقافي عند الطفل من خلال لعبه مع الأطفال الآخرين.

11ـ يتعلّم الطفل التحكم في الذات، وذلك من خلال احترام قوانين اللعب، ومعرفة أنّ لكلّ شيء قوانين وحدود، ومن ثمّ يتدرّب الطفل على احترام معايير الصواب والخطأ والحلال والحرام.

12ـ تنمية الصفات الخلقية، مثل: الصِّدق والأمانة والعدل والتعاون.. إلخ.

13ـ التعلّم عن طريق اللعب، مثل: الحساب وذلك من خلال إعداد الأرقام، وتعلّم الحروف من خلال الورق المقوى والحروف المجوفة وما شابه، وكذلك يتعلّم الطفل أسماء وأشكال وأصوات الحيوانات، وكذلك تعلّم أنواع الفاكهة وجسم الإنسان والألوان.. إلخ. لا سيّما وأنّ الطفل أثناء التعلّم باللعب يكون له دور تفاعلي وليس مجرّد متلق سلبي كما يتم في التعليم التلقيني.

14ـ من خلال اللعب يتجاوز الطفل عمره الواقعي ويتخيل المرحلة العمرية القادمة، فالطفلة مثلاً تلعب بالعروسة وتنظفها وتغيّر لها ملابسها وتغني لها وتهدهدها كي تنام وكأنّها تلعب دور الأُم مستقبلاً.

ثالثاً- الدور الوقائي، وهو كالتالي:

1ـ اللعب يقي الطفل من العصبية الزائدة لأنّ اللعب يسعده.

2ـ اللعب يقي الطفل من النشاط الحركي الزائد، وليس اللعب مجرد تنفيس عن انفعالات مكبوتة وإنّما هو نشاط يؤدِّي إلى إعادة الاتّزان الحيوي والنفسي في حياة الطفل.

3ـ اللعب يقي الطفل من الاضطرابات العضوية.

4ـ اللعب يقي الطفل من مشاعر الخجل.

5ـ اللعب يقي الطفل من الاكتئاب.

6ـ اللعب يقي الطفل من المخاوف.

7ـ اللعب يقي الطفل من الشعور بالوحدة.

8ـ الطفل يعبّر من خلال اللعب عن صراعاته اللاشعورية، مثل: الخوف من الأب أو الأُم، أو من المدرسة، أو من الحيوانات ومن ثمّ يتم تدارك هذه المخاوف بسرعة، فبمجرّد رمي الطفل للعب هو تعبير رمزي عن شعوره بأنّه مُلقى، ومجرّد تكسير اللعب هو ـ في كثير من الأوقات ـ إسقاط لعدوان الطفل ضدّ الأب والأُم.

9ـ الطفل الذي يكون عنيفاً في اللعب يكون لديه مشكلة نفسية، ومن ثمّ يتم تداركها بسرعة قبل أن تتفاقم.

10ـ الطفل الذي تقع منه اللعب كثيراً ربّما يكون السبب في ذلك نوبة صرعية صغرى، وكأنّه (يفصل) لمدّة ثوان فيفقد التحكم في الأشياء فتقع منه، وهنا يجب التدخل لعلاجه.

11ـ احضر مجموعة من الدُّمى تمثّل الأب والأُم والأخوة ولاحظ علاقة الطفل بهم.

12ـ اللعب يقي الطفل من السوك العدواني، فالغضب يؤدِّي إلى العدوان غالباً، ولكنّ اللعب فيه تنفيس للغضب حتى لا يزيد ويتحوّل لعدوان.

13ـ اللعب يقي الطفل من الأنانية والتمركز حول الذات وذلك من خلال اللعب الجماعي.

رابعاً- الدور العلاجي:

كما إنّ اللعب وسيلة للتربية وله دور استكشافي ودور وقائي فإنّ له دوراً علاجياً، وهناك نوع من العلاج لمشكلات الأطفال يسمّى (العلاج باللعب).

وهو يؤدِّي إلى الآتي:

1ـ يساعد اللعب الطفل في التخلص من النشاط الحركي الزائد وفرط الحركة، وذلك من خلال تفريغ الطاقات الجسمية والانفعالية الزائدة بل استثمار الطاقات الزائد بدلاً من إهدارها (فاللعب أفضل استثمار للطاقة الزائدة) لأنّها سوف تخرج إمّا في اللعب وإمّا في العدوان، وذلك أشبه بالثلاجة فحينما تكهرب يقال لك (اعمل لها توصيلة أرضي) وذلك لسحب الكهرباء الزائدة ومثل عربات النقل التي تحمل المواد الملتهبة ونلاحظ أنّهم يضعون سلسلة تجر وراءها لتفريغ التفاعلات السلبية وحمايتها من الانفجار أو الاشتعال.

2ـ اللعب يساعد في التخلّص من العصبية، فاللعب يصفي صراعات الطفل اللاشعورية المكبوتة أثناء اللعب، كذلك يساعد اللعب الطفل في التعبير عن صراعاته بشكل مباشر في حين أنّ الراشد يعبّر عن صراعاته بشكل غير مباشر للحفاظ على شكله وعلاقاته، وكذلك يخلص اللعب الطفل من الطاقات العدوانية بشكل جيِّد.

3ـ يساعد اللعب في التخلّص من العناد فمثلاً تلعب الأُم مع ابنها بالمكعبات، وتقول له هات المكعب الأحمر أو الأخضر، أو المكعب الكبير أو الصغير وهو يستجيب بسهولة وينفّذ هذه الأوامر، ومن ثمّ يعتاد على تنفيذ الأوامر والنواهي ويقل عناده.

4ـ يساعد اللعب في التخلّص من الخجل لا سيّما اللعب التفاعلي أي اللعب مع الآخرين.

5ـ يساعد اللعب في التخلّص من الانطواء والشعور بالوحدة.

6ـ يساعد اللعب في التخلّص من العنف والعدوان بتفريغ الطاقات السلبية، فمثلاً قد يتخيل الطفل أنّ الحصان هو الأب الذي ضربه فيضرب الحصان ويرميه، وتتخيل الطفلة أنّ العروسة هي الأُم التي تضربها فتفقأ عينها وترميها.

7ـ اللعب يخلّص الطفل من الاكتئاب لشعوره بحبّ والديه والآخرين له.

8ـ اللعب يخلّص الطفل من المخاوف، فمثلاً لو أنّ هناك طفلاً يخاف من الحصان فنجعله يمثِّل دور الحصان لمرات عديدة، وفي لعبة أُخرى نجعله يركب عصا على أنّها حصان.

9ـ يستخدم اللعب في الثواب والعقاب، فالثواب أن تقوم الأُم باللعب مع طفلها في حاله مكافأته على سلوك جيِّد، والعقاب أن تعاقبه على سلوك سيء بالحرمان من اللعب.

ارسال التعليق

Top