• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

جوهر الأخلاق في القرآن الكريم

جوهر الأخلاق في القرآن الكريم

القرآن نور لمن استضاء به:

قال الله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) (النساء/ 174). وقال عزّ من قائل: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة/ 15-16).

عن عليّ (ع): قال رسول الله (ص) وهو يصف القرآن ويحث على الالتزام به والاستضاءة بنوره: "فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفّع، وما حل مصدّق. ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جَعَلَه خلفه ساقهُ إلى النار. وهو الدليل يدلّ على خير سبيل، وهو الفصل ليس بالهزل... فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة".

وعن الحسن بن عليّ (ع) عن رسول الله (ص) أنّه قال: "من ابتغى العلم في غيره أضلّه الله" وعن عليّ (ع) في وصفه للقرآن العظيم: "لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه، ولا تنجلي الشبهات إلّا به".

 

الأخلاق جوهر الشخصية الإنسانية:

قال تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (الإسراء/ 84).

وعن رسول الله (ص): "لو يعلم العبد ما في حُسن الخُلق لعلم أنّه محتاج أن يكون له خُلق حسن".

وعنه (ص) أيضاً: "أوّل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حُسن خُلقه".

وعنه (ص) أيضاً: "حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة".

وعنه (ص) أيضاً: أشبهكم بي أحسنكم خُلقا".

وعنه (ص) أيضاً: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقا".

وعن عليّ (ع): "حسن السيرة عنوان حسن السريرة".

وعنه (ع): "حسن الخُلق خير قرين أفضل الدين رأسُ كلّ بر" و"ما أعطى الله سبحانه العبد شيئاً من خير الدنيا والآخرة إلّا بحُسن خُلقه وحُسن نيّته".

وعنه (ع): "لا عيش أهنأ من حُسن الخُلق"، "وصول المرء إلى كل ما يبتغيه.. بحسن نيّته وسعة خُلقه".

وعن الرسول (ص): "الخُلق وعاء الدين"، و"الإسلام حُسن الخُلق". "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

 

استنتاج:

إذن القرآن أغنى وأصفى ينبوع للمعرفة.

وأهمّ ما يهمّ الإنسان هو مصيره – سعادته وشقاؤه –.

وقد اهتمّ القرآن العظيم بكل ما يرتبط بمصير الإنسان. فليس لنا إلّا التوجّه نحوه واستخراج كنوز معارفه.

وقد لاحظنا – وسنلاحظ أيضاً – بأنّ أخلاق الإنسان هي جوره، فمصيره وسعادته وشقاؤه تَبَعٌ لما يكسبه من مَلكات أخلاقية في حياته الدنيا. فلابدّ له من اختيار نظام أخلاقي يضمن له سعادته ويعصمه من الانزلاق في هاوية الشقاء.

ولكلِ نظام أُسس نظرية يبتني عليها، ويستمدّ قيمته منها.

ومن هنا ينبغي لنا الاهتمام بمعرفة النظرية الأخلاقية الإسلامية أوّلاً لأنّها هي روح النظام الأخلاقي الإلهي حيث نحصل فيها على السرّ الكامن في أفعال الإنسان وصفاته المؤدّي إلى اتصاف بعضها بقيمة إيجابية – فتسمّى بالفضائل والمكارم، واتصاف البعض الآخر بقيمة سلبية فتسمّى بالرذائل والمساوي والسفاسف – ثمّ يجدر الدخول إلى تفاصيل النظام الأخلاقي للإسلام.

 

النظرية الأخلاقية في القرآن الكريم:

 المبادئ العامة للأنظمة والنظريات الأخلاقية:

لكل نظرية أخلاقية: مبادئ تنطلق منها وتبتني عليها، وعناصر تتكوّن منها، ونتائج تترتّب عليها.

والمبادئ منها ما هو عام، تشترك فيه كلّ النظريات والأنظمة الأخلاقية، ومنها ما تختص به بعض النظريات دون بعض.

والمبادئ العامّة لكل النظريات الأخلاقية هي:

1-    إنّ الإنسان كائن حر في سلوكه، فهو مختار متحرّك بالإرادة.

2-    لكل إنسان هدف أقصى يسعى إليه في الحياة.

3-    للإنسان قدرة على الوصول إلى الكمال اللائق به.

4-    إنّ سلوك الإنسان وأفعاله الإراديّة هي التي تصنع له مصيره النهائي من سعادة أو شقاء.

وكلّ نظام أخلاقي يتضمّن دعوة للإنسان إلى تغيير أخلاقه وترشيد سلوكه باتجاه ما يرسمه ذلك النظام الأخلاقي للإنسان من كمالات وفضائل أخلاقية.

وهذه الدعوة تتضمّن الإيمان بقدرة الإنسان على تغيير سلوكه وأخلاقه، كما تتضمن الإيمان بحرّية الإنسان المدعوّ لتغيير خُلقه وصياغة سلوكه. فله أن يسير نحو ما يدعو إليه ذلك النظام وله أن يرفض ذلك.

والتسليم بأنّ الإنسان يفتقد خصالاً وملكاتٍ يُدعى للوصول إليها معناه أنّ هناك كمالاً للإنسان – بحسب تصوّر ذلك النظام – والإنسان مدعوّ للسعي نحوه واستهدافه في سلوكه وفي جميع تصرّفاته.

فإنّ كلّ إنسان بحسب حبّه لذاته – فطرةً – يسعى لحفظ ما يملك من كمال بحسب تصوّره، وينزع إلى ما يفتقده من كمالات – بحسب تصوّره. وكلّ هذه الكمالات المتصوّرة تنتهي إلى كمال نهائي، وتتضمّن هدفاً أقصى يرسمه ذلك النظام أو يختاره الإنسان المؤمن بذلك النظام لنفسه بحسب ما يملك من رؤى وقناعات تسبق إيمانه بذلك النظام.

والأنظمة الأخلاقية حينما تدعو الإنسان إلى كسب الفضائل والكمالات تتضمّن الإيمان بقدرة الإنسان على وصوله إلى تلك الفضائل والكمالات والتحلّي بتلك الملكات اللائقة به بحسب تصوّر تلك الأنظمة الأخلاقية.

كما تتضمّن الإيمان بأنّ الإنسان بسعيه وسلوكه هو الذي يصنع لنفسه مصيره النهائي؛ من سعادة أو شقاء بحسب تصوّره؛ فإنّ الإنسان إذا لم يعتقد بأنّ ما يفعله دخيل في وصوله إلى أهدافه أو هدفه الأقصى الذي يتحرك باتجاههِ دائماً، فليس له أي داعٍ للتحرّك حينئذٍ. لأن حركته اختيارية، والمختار إنّما يختار ما يراه صالحاً لنفسه ولازماً لتحقّق مصالحه، ولا يختار ما يراه مضرّاً لنفسه أو لغواً وغير مفيد ولا دخيلاً في تحقيق مصالحه ومنافعه.

إذن فلكل إنسان هدف أقصى قد اختاره لنفسه في الحياة يسعى نحوه باختياره سعياً حثيثاً دائماً.

ولا يختلف اثنان في هذا الأصل، إنْ اختلفا في مصداق الكمال اللائق بالإنسان والهدف الذي ينبغي الوصول إليه.

كما أنّ كلّ إنسان يؤمن بوجود طريق اختياري في الحياة للوصول إلى ذلك الهدف الأقصى الذي اختاره، وإن اختلفت تصوّرات الأفراد في تشخيص ذلك الطريق الموصل إلى ذلك الكمال المقتنع به.

وهذا الطريق الاختياري هو مجموع التصرّفات والأفعال الاختيارية التي يعتقد الإنسان بتأثيرها في تحقيق ما استهدفه في الحياة وجعله لنفسه كمثلٍ أعلى يسعى إليه.

وهل هذا إلّا الإيمان من الإنسان – ومن أيّ نظام أخلاقي – بأنّ الإنسان هو الذي يختار مصيره النهائي وهو الذي يصنعه بيديه؟

وهذه هي الأصول الموضوعية والمبادئ العامة لكل نظام أخلاقي، وبالطبع لكل نظرية أخلاقية أيضاً.

إذن لا خلاف في ابتناء كلّ النظم الأخلاقية – ومنها النظام الأخلاقي الإسلامي – على هذه الأصول الموضوعية العامة وإن اختلفت الأنظمة والرؤى في تشخيص مصداق الكمال النهائي اللائق بالإنسان، وفي تشخيص الطريق الاختياري أو مفردات السلوك البشري الموصلة إلى ذلك الكمال اللائق بالإنسان.

 

القرآن وحرية الإرادة:

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس/ 99).

(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256).

(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف/ 29).

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ) (الشورى/ 48).

(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية/ 21-22).

(إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (الزّمر/ 41).

وهكذا بكلّ صراحة نرى القرآن الكريم قد فرز حرّية الإنسان في اعتقاده وسائر اعماله. وتكفينا نظرة سريعة على آيات القرآن لنجده كيف يلقي على الإنسان تبعة اختياره ويحمّله مسؤولية حرّيته. وحرّية العقيدة ليست إلّا عنصراً لا يتجزّأ من الحرية التامة الكاملة.

ويستعرض القرآن تاريخ البشرية، يفصّل الحديث عمّا لقي الأنبياء في سبيل دعوتهم من تكذيب واضطهاد، وكلّ الأديان مجمعة على أنّه تعالى لو شاء أن يهتدي الناس جميعاً لتمّت مشيئته. لكنه تعالى تلك الإنسان يحمل مسؤولية هذه الحرية وتبعاتها. وقد تهيأت له وسائل التمييز والهدى مادية ومعنويّة. (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3)، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد/ 10)، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس/ 7-8).

فالأنبياء ليس لهم إكراه الناس على الهداية، كما أنّ الشيطان ليس له إكراههم على الضلال والغواية، وقد أفصح عنه تعالى قائلاً: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الحجر/ 42). (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ...) (إبراهيم/ 22).

إنّ حرية الإرادة عنصر جوهري في الإنسان، قد أكّده القرآن الكريم بشتّى الأساليب فمِنْ بعثِ الأنبياءِ لهدايته وإرشاده، إلى تبشيرهم وإنذارهم له، إلى وعده بالثواب على الأعمال الصالحة ووعيده له تعالى بالعقاب على معاصيه، إلى تكليفه وتحميله المسؤولية في هذا الحياة، وسؤاله عن أعماله في يوم القيامة، إلى ابتلائه واختباره الدائم في هذه الحياة.

كل هذه الآيات تتضمن إقرار حرّية الإنسان والإيمان باختياره وقدرته على الانتقاء.

وهكذا آيات العهد والميثاق هي دليل آخر على قدرة الإنسان ليسير على هدى الله أو يُعرض عنه.

والآيات التي تنسب أعمال الإنسان إلى نفس هي صريحة في أنّه هو صاحب العمل الذي يصدر منه: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) (النجم/ 39-40).

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ) (الأنبياء/ 94).

(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) (آل عمران/ 17).

وأصرح الآيات هي التي جاءت فيها مشتقات المشيئة أو الإرادة منسوبة للإنسان أنظر قوله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف/ 29).

(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (التكوير/ 28).

(وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (الإسراء/ 19).

(وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا) (آل عمران/ 145).

ويحاول البعض أن يستشهد ببعض الآيات لشبهة الجبر مثل قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات/ 96).

وقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (فاطر/ 8).

ويكفي لردّ هذه الشبهة ملاحظة الآيات السابقة التي تصرّح بأنّ العمل الصادر من الإنسان هو عمله وأنّه هو المسؤول عنه والمثاب عليه أو المجازى به.

بل هناك آيات جمعت في سياق واحد بين المشيئتين "مشيئة الإنسان ومشيئة الله سبحانه" مثل قوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير/ 28-29).

فهذه صريحه في أنّ الإنسان هو صاحب المشيئة وهو الذي يختار أن يستقيم فيستقيم. وأنّ هذه القدرة على الانتقاء إنّما هي لأجل أنّ الله سبحانه أراد له أن يكون بل يصرّح القرآن الكريم بأنّ الله لو شاء أن يهدي الإنسان هداية جبريّة لأمكن ذلك، ولكنه لم يشأ ذلك، بل شاء أن تكون هدايته للإنسان من خلال إرادته التي اعطاها له ومن خلال الحرية التامة في أن يختار الهداية على الضلال أو الضلال على الهداية. ولهذا جاء بكلمة "لو" فقال: (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأنعام/ 149).

ومثل هذه الآيات تبيّن لنا قدرة الله المطلقة من جهة، كما تبين لنا أنّ الله سبحانه قد شاء أن يكون الإنسان حرّاً مختاراً في قبوله للحق أو رفضه له.

ولناحظ أيضاً الآيات التي تقرر أنّ الإنسان هو الذي يختار ويريد وأنّ الله سبحانه يعامله حسب ما يختار من حرث الدنيا أو حرث الآخرة: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (الشورى/ 20).

(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (هود/ 15).

فالجبر والحتمية في الجزاء والتبعات إنّما يترتّبان بعد ما يختار الإنسان ويتصرّف بحرية تامة، أُنظر قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ) (الرعد/ 11).

(فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال/ 52-53).

(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ... * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود/ 101-102).

وهكذا ينبغي دراسة المقطع القرآني بشكل كامل لنفهم كيف جعل الله سبحانه بحسب حكمته ومشيئته لكل مصير وعاقبة وجزاء سبباً وطريقاً يمرّ من خلال حرّية وبغير هذه الحرية تنتفي حكمة إرسال الرسل وحكمة التكليف والاختبار وسوف ينتفي قوله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ) (البقرة/ 38-39).

(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) (الإسراء/ 15).

(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) (البقرة/ 285).

(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر/ 8)

(لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء/ 165).

وأخيراً فإنّ حرية الإنسان وقدرته على الانتقاء هي السرّ في قابليّة أفعاله للتقييم "بالتحسين والتقبيح" وبدون ذلك لما استحقّ أحد أن يُلام أو يُدان، ولما أمكن تصوّر وجود متخلّف عن القانون على الأرض، ولما ساغت محاكمته ومجازاتته.

 

المصدر: مجلة رسالة الثقلين/ العدد الثالث السنة الأولى

ارسال التعليق

Top