• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المقياس الصحيح هو كتاب الله

المقياس الصحيح هو كتاب الله

قال الإمام الصادق (ع): «كلّ شيء مردّه إلى كتاب الله والسنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف». أطلق الإمام الصادق (ع) هذه الكلمة في بعض أحاديثه، ليضع بها الحدّ الفاصل بين الحقيقة الإسلامية الأصيلة، والزيف الخادع المزخرف، وليجعل منها المقياس الصحيح الذي نقيس به صحيح الحديث من كاذبة، وباطل الأُمور من حقّها، لئلا تتلاقفنا الأهواء وتلعب بنا الرياح.

كان الإمام الصادق (ع) يتحدّث بهذا الحديث في معرض التحذير من أُولئك الوُضّاع المرتزقة الذين اُبتلي بهم الإسلام في كثير من فتراته، فدسّوا ما شاءت لهم أغراضهم في ثنايا الأحاديث التي تتناول شؤون الإسلام عقائد وأحكاماً، حتى عادت الأحاديث تركة مثقلة بالدس والتحريف اللذين نلتقي فيهما بالكثير الكثير من المفاهيم الغريبة عن روح الإسلام وحقائقه الأساسية العظيمة.

كان الإمام الصادق يحدّثنا عن هؤلاء وعمّا فعلوه في سبيل حرف الخطّ المستقيم للإسلام، وفي سبيل البُعد به عن أهدافه وانطلاقاته. كان يحدّثنا عنهم ويحذّرنا ـ في أكثر من حديث ـ من أن نقع فريسة فكرية لأغراضهم وأهدافهم، أن نخدع بالباطل وهو يلبس ثوب الحقّ، أو نؤخذ بالكذب في مظهر الصدق.

ولم يكتفِ بالتحذير المجرّد، بالإشارة إلى وجود هذه النماذج البشرية في حياتنا العقائدية وتاريخنا الديني، بل حاول أن يرشدنا إلى الميزان الذي نميِّز به الحقّ من الباطل، والمقياس الصحيح الذي نرجع إليه كلّما التقينا بالشبهات في طريقنا، فكان كتاب الله هو هذا الميزان والمقياس الذي نرجع إليه ونأخذ به، فهو الحقيقة التي لم يلحقها الزيف ولم يعلق بها الباطل، فهي خالدة بأصالتها ونقائها، لم يعلق بها غبار الشكّ، ولم يعرض لها ضباب الزيف.

ومن هنا، كانت مفاهيمه التي يدعو إليها، وتشريعاته التي يطلقها، وخطّطه العامّة في الحياة والنفس والاجتماع والنظام الكوني بوجه عامّ، هي الحقائق الأُولى والأخيرة لهذا الدِّين، وهي الصورة الوضيئة لواقعه وحقيقته.

وإذا كانت القضية بهذا النحو، فمن الطبيعي أن نعرض عليه ما عندنا من هذه التركة المثقلة من الأحاديث، أن نرجع إليه كلّما داهمنا ظلام الشكّ أو واجهنا ضلال الباطل، فإذا التقينا بمفاهيمه الوضّاءة الصحيحة في هذه الأحاديث، فحسبنا بهذا دليلاً على صدقها وأصالتها وبعدها عن الزور والتزوير، أمّا إذا افتقدنا تلك المفاهيم في ما نقرأ من حديث، أو في ما يعرض علينا من سنّة، فلم نلمح روحها وطهرها وصفاءها في ما نقرأه وفي ما يعرض علينا، بل وجدنا العكس من ذلك تعقيداً وارتباكاً واضطراباً في الفكرة والأسلوب.. أمّا إذا كان هذا هو وقع الحديث، فلا نحتاج بعد ذلك إلى بحث في إثبات بطلانه وكذبه، لأنّه يبتعد عن المنطلق الذي تنطلق منه مفاهيم الدِّين، وينحرف عن الخطّ الواضح المستقيم الذي يسير فيه.

وعليه، فلا يمكن أن يكون صادراً عن القائمين على أمر هذا الدِّين المجاهدين في سبيله، أُولئك الذين عاشت إرادتهم في حياتنا من أجل أن يصل هذا الدِّين إلى شاطىء الحياة الآمن. ومن هنا، فإنّ علينا أن نرفض بكلّ قوّة وبكلّ إصرار، كلّ دعوة لا تقوم على أساس من قيم الإسلام، لأنّها تخالف كتاب الله الذي يقول: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين) (فصّلت/ 33).

أمّا الأعمال التي نقوم بها في حياتنا، فيجب علينا أن نعرضها على كتاب الله، لنعرف مدى موافقتها للقرآن ومخالفتها له، لنرفض ما يخالفه، ونسير على ما يوافقه.

وأخيراً، فإنّ على المسلمين ـ أينما كانوا ـ أن يلتقوا بالكتاب الكريم الخالد في جميع أطوار حياتهم وشؤونها، وأن يحدّدوا موقفهم من المبادئ ـ أيّاً كانت ـ تبعاً للمفاهيم والتشريعات التي قرّرها كتاب الله، من دون أن ينخدعوا بالشعارات الكاذبة والمفاهيم القلقة الحائرة المطاطة. كما أنّ عليهم أن يعيشوا المفاهيم القرآنية بوعي وعمق، وأن لا يتركوا أيّ مجال للدسّ والتحريف والتضليل، بل عليهم أن يكونوا دائماً في حذر من الأحابيل والأضاليل التي يحاول أعداء الله جاهدين أن يحرّفوا بها الإسلام ويبعدوه عن هدفه. ولتكن هذه الحقيقة التي قرّرها الإمام الصادق (ع): «ما خالف كتاب الله فهو زخرف»، نصب أعيُنهم، فهي طريقهم في الحياة، وهي سبيلهم إلى الرشاد.

إنّنا نعتقد أنّ التحريف الفكري الذي يحاول الكثيرون أن يحرّفوا به المفاهيم الإسلامية حتى يجعلوها مهيّأة لتقبّل أيّ فكرة جديدة، لا يقلّ خطورة عن التحريف والدسّ الذي عاشه المسلمون في صدر الإسلام، وجاء الإمام الصادق (ع) يحدّثنا بخطورته ويحذّرنا من عواقبه. وممّا يزيد القضية عمقاً، أنّ هذا التحريف الجديد للمفاهيم الإسلامية، يتّخذ صفة المحافظة على الدِّين والرعاية له وصيانته من الجمود والتحجّر.

وختاماً لكلمتنا هذه، نودّ أن نقول لهؤلاء الذين يحاولون أن يجعلوا من الإسلام ستاراً ينفذون منه إلى أغراضهم وأهدافهم، إنّ الإسلام وحدة قائمة بذاته، فلا تجزئة فيه ولا انقسام، ولا تفريق بين جانب وجانب. وليس هو مجرّد أهداف تتّفق مع كلّ وسيلة، بل هو الهدف والوسيلة معاً. لذلك، فإذا شئتم السَّير مع الإسلام، فيجب أن تكون وسائله هي التي توصلكم إلى الأهداف. أمّا إذا شئتم أن تأخذوا الهدف أو تتظاهروا بأخذه، وتتركوا الوسيلة؛ فاستريحوا قليلاً، وفكّروا قبل أن تستعيروا له اسم الإسلام، لأنّه لن يكون إسلاماً على كلّ حال، لأنّه مخالف لكتاب الله، و«ما خالف كتاب الله فهو زخرف».

 

المصدر: كتاب قضايانا على ضوء الإسلام.

ارسال التعليق

Top