أسرة
1- الإحسان إلى (السّجين) في القرآن الكريم:
أن يُرفَق به فيُسقى ويُطعَم، وتكون له حقوق أقرّتها الشريعة بما سيأتي ذكره، حتى لتشعر أنّ حرِّية السجين ليست مُعطّلة تماماً:
قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان/ 8).
2- الإحسان إلى (السّجين) في الأحاديث والروايات:
أ- تذكر سيرة النبي (ص) أنّه عندما جيء بأسارى بدر، قايضهم بأن يُعلِّم كل واحدٍ منهم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، في مُقابل الإفراج عنهم، فكان (ص) أن أحسنَ من جهتين: أحسنَ للسّجناء والأسرى في أن لا يمكثوا في سجنهم طويلاً، وأحسنَ للمسلمين بأن وفّر لهم مُعلِّمين يُخلِّصونهم من أُمِّيّتهم.
ب- يقول الإمام علي (ع): "إطعامُ الأسير والإحسانُ إليه حقٌّ واجبٌ، وإن قتلتهُ من الغَد"!
وكان (ع) أيّام خلافته يُطعِمُ مَن خُلِّد في السّجن من بيت مال المسلمين.
وحينما أُلقي القبض على قاتله (أو ضاربه بالسّيف)، قال: "إحبسوا هذا الأسير، وأطعمُوه وأسقوه، وأحسِنُوا إساره"!
ت- الدعاء للسّجين بالخلاص والإفراج عنه من قِبَل الأحرار خارج السِّجن سواء من ذويه أو أصدقائه. فلقد دعا يوسف (ع) لأهل السِّجن بدعاء مَن ذاقَ مرارة السّجن، فقال: "اللّهمّ اعطف عليهم بقلوب الأخيار، ولا تعمّ (تقطع) عنهم الأخبار".
3- الإحسان إلى (السّجين) في الأدب:
أ- تعديل النظرة إلى السجن والسّجناء، فلا نتحدّث عنهم بلغة التعميم والإطلاق:
يقول المَثَل الرّوسي: "ليسَ كلُّ مَن في السِّجنِ لصوص"!
ويرى (المُتنبِّي) في أنّ السجن قد يضمّ أحراراً وغيارى وأصحاب فكر، فيقول:
كُن أيّها السِّجنُ كيفَ شئتَ فقد **** وطّنتُ للموتِ نَفسَ مُعتَرِفِ
لو كان سُكْنايَ فيكَ منقَصَةً **** لم يكن الدّرُّ ساكِنَ الصّدَفِ
ب- السجن ليس كلّه سلبيّات، ففيه من الإيجابيّات أيضاً:
يقول الشاعر:
أنا لا أشكو السّجنَ بل أشكُره **** فهوَ بالإخوان قد عرّفني
4- برنامج الإحسان إلى (السجين):
جاء في (الموسوعة الإسلاميّة المُيسّرة) ج 6، مادّة (السّجن)، نقلاً عن حاشية (ابن عابدين)، الإحسان إلى السجين في الموارد التالية:
1- يخرج للكسب على قول. (ربّما مخفوراً لئلّا تبقى طاقته مُعطّلة وحتى لا تُحرَم عائلته من المورد).
2- يخرج لجنازة أصوله وفروعه. أي (يُشيِّعها ويُصلِّي عليها ويدفنها).
3- يخرج لمرض. (للتداوي ثمّ العودة إلى السجن).
4- ويطأ جاريته. (أي يُعاشر زوجته في أوقات مُحدّدة).
5- يُطالبُ بديونه، ويُخاصم بديون عليه.
وبهذا الإحسان إلى السّجين، يتحوّل السِّجن إلى إصلاحيّة ودار تتوفّر فيها الغاية المرجوّة من القضاء على دواعي ودوافع الإنحراف التي تؤدِّي إلى ارتكاب بعض الجرائم.
وإذا كانت السجون لا توفِّر بعض هذه الحقوق الإنسانيّة، فلأنّ الناس ابتعدوا عن شريعتهم.
ولابدّ من التأكيد على إحسان السّجين، فقد لا يجد السجين داخل السجن مَن يلطف أو يرأف به إلا رفيقه أو صاحبه في السجن، الأمر الذي يوجب إحسان السجناء لبعضهم البعض، كما فعلَ يوسف (ع) مع صاحبَي السجن ومع غيرهم من السجناء الذين سبقوهم إلى السِّجن، فلقد رُوي أنّه (ع) كان يقوم على المريض (يرعاه ويُطبِّبه ويُعينه)، ويلتمس للمُحتاج (أي يؤمِّن له ما يحتاجه بقدر ما يستطيع)، ويُوسِّع على المحبوس (بلُطلفه ومحبّته وغرس الأمل والرجاء في نفسه).
بقي أن نشير إلى أن من الإحسان إلى السجين لا سيّما البريء، أو الذي سُجِنَ بتُهمة خفيفة غير مُخلّة بالشّرف، أو سُجِنَ بسببها ثمّ تابَ واستغفر وأصلح، أن يُصار إلى إعادة تأهيله في المجتمع، لأنّه إذا خرج ولم يجد مَن يفتح إليه أحضانه ليوفِّر له فرص التعلّم والعمل وكسب اللّقمة الحلال، أو الزواج، فقد يحقِد على المجتمع أو ينقم منه ليعود إلى السجن ثانية.
إنّ عملاً كهذا لا يُترك إلى مزاج الأفراد وانتقائيّة الأشخاص، بل لابدّ من ثقافة من نوع خاص تُميِّز بين المُجرم المُتضلِّع بالجريمة، وبين مَن يرتكب حماقات ويدفع ضريبتها بحرمانه من الحرِّية. وأن تتولّى بعض هيئات المجتمع المدني عمليّة التأهيل هذه بأن تأخذ تعهّداً على السجين وتُقدِّم الكفالة والضّمانة لأرباب العمل حتى يتجاوز مرحلة الشك وانعدام الثِّقة بالسجين الذي قد يُظلَم مرّتين: مرّة حين سُجِنَ بتُهمةٍ مُلفّقة، أو لأسباب لا علاقة لها بالجريمة، إلّا ما يُسمّى بالجريمة السياسية، ومرّةً حين ظلمه المجتمع فلم يمنحه فرصة جديدة ليثبت أنّه أهل للإندكاك في مجتمعه وممارسة حياته بشكل طبيعي.
ارسال التعليق