• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رأسُ مال الوقت.. رؤية قرآنية

رأسُ مال الوقت.. رؤية قرآنية

في الاعتبارات المادّية والشعارات التجارية، الوقت (من مال)، وإذا ارتفعت قيمته أكثر من (الوقتُ من ذهب)، وبالنتيجة فالوقت رأسمال يمكن أن ينتج أموالاً وثروات كثيرة، لكنّه رأسُ مالٍ أهم من ذلك، هو (مَهرُ) الجنّة!!

وحتى يكون الوقتُ أو الزمن مهراً للجنّة، لابدّ من أن تكون (الدُّنيا مزرعة الآخرة) بمعنى أنّ الجنّة صناعة أرضية، نحنُ الذين نزرعُ جنّاتنا غداً، بما نزرعهُ في دُنيانا من أعمال صالحة، ذلك أنّ سعة وطبيعة كلّ جنّة تابعة لمدى الجدّ والجهد الدُّنيوي الذي بُذل من أجل وضع لبنات إضافية إلى قصورنا هناك، هي ليست مصمّمة تصميماً نهائياً وبقدر أو حجم معيّن، هي بناءٌ مفتوحٌ قابلٌ للاتساع والإشباع والإمتاع الأكثر، من جهدنا في زراعتنا الدُّنيوية وبنائنا الأرضيّ، بمعنى أنّنا يمكن أن نتخيل مساحة قصورنا في الجنّة بمساحة عملنا في الدُّنيا على نحو تقريبيّ، لأنّ سعة الرحمة توسّعُ في مساحة العطاء والجزاء.

إذا أدركنا هذا المفهوم الجنّتي الأرضي، يغدو سهلاً علينا أن نفهم أحاديث من قبيل: مَن قال: سبحان الله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، غرسنا له بكلِّ واحدة من هذه الأذكار شجرة في الجنّة، أو أنّ مَن قالها زاد في نفقة الملائكة في بنائهم لقصره هناك، وهذا يقرّبنا أكثر من فهمنا لـ(يا ليتني قدّمتُ لحياتي).

وكمحصلة لهذا الفهم، يمكن تفسير أو التقاط إشارات الآيات الآتية على أنّها (رأس مال) بل أثمن رأس مال بين رؤوس الأموال الأُخرى.. تأمّل:

1- (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8).

وإذا توافقنا على حساب (مثقال الذرة) باعتبارها أصغر شي بـ(الثانية) بصفتها أقلّ حساب زمني، فإنّ الثانية من العمر إذا حملت في إنائها عملاً صالحاً، بارّاً، مشكوراً، قد تكون سبباً في النجاة، والعكس صحيح.

2- ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ (القارعة/ 6-9).

و(ثقل الميزان) بثقل الأعمال لا بكمّها المجرّد أو المعزول عن نوعه، بل بالنوع حتى ولو انفصل عن الكمّ وهذه ... مرتبطة بتلك، هناك العمل المجيد المفرد، وهناك طائفة الأعمال المجيدة مجتمعة في ميزان الحساب، والعيشة الراضية (السعيدة) حيث يحتل الرضا أُمنية الأُمنيات وغاية الغايات (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (الضحى/ 5).

3- (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى) (النجم/ 39-41).

وهذا مصداقٌ لأنّ الجنّة صناعة أو زراعة أرضية، وأنّ سعةَ نعيمها بدمعة جهد الإنسان مضافاً إليها سعة الرحمة وفيض اللُّطف، وسبوغ العناية.

والأمثلة القرآنية على ذلك كثيرة، حسبنا منها هذه الشواهد التي تجيبنا عن سؤال عن الإنسان الرابح في الدُّنيا والفائز في الآخر؟ مَن هو؟

جوابه في قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر/ 1-3).

إذ القسم بـ(الزمن) الذي هو (العصر) أو (العمر) أو المساحة الزمنية التي يشغلها الإنسانُ من ولادته إلى مماته، والاستثناء من الخسارة العامّة مكتوبٌ للذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر.

وبالترجمة العملية للنصّ، فإنّ (الإيمان) و(العمل الصالح) والتشجيع عليهما (الإيمانُ حقّاً) و(العملُ صبراً) هو (الربح)، وبالترجمة الزمنية له، أنّ عمر الإنسان الرابح هو الحائز على الشرطين بتمامهما، وعمره الخاسر الفاقد للانتفاع بمعطيات الزمن المبارك.

إلى هنا نصل إلى أنّ (العمر) أو (الزمن الذي يشغله حياة كلٍّ منّا) هو مسؤولية توظيف رأس المال الموقّت توظيفاً سليماً يكفل لموظّفه الربح حينما يقفلُ الموتُ سجلَّ حساباته.

ارسال التعليق

Top