• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لماذا القراءة؟

لماذا القراءة؟

◄عندما أطلق الروس قمرهم الصناعي الأوّل، اهتزّت الأوساط التربوية في أميركا، وكان السؤال الكبير هو: كيف استطاع الروس أن يسبقونا في مضمار الفضاء؟ وبعد الدراسات المستفيضة جاء الجواب: لقد أخفقت المدرسة الأميركية في تعليم تلامذتها القراءة الجيِّدة، ورفع المسؤولون عن التربية شعاراً يؤكد أنّ "من حقّ كلّ طفل أن تُهيأ له جميع الفرص ليكون قارئاً جيِّداً".

لماذا كلّ هذا الاهتمام بالقراءة؟ وهذا التركيز على أنّها كانت السبب الرئيسي في تخلُّف الأميركيين في جانب من جوانب العلم؟ ترى هل تساءلنا عن أسباب تخلُّفنا في كلّ جوانب الحياة؟ وهل لموقفنا من القراءة علاقة بهذا التخلُّف؟

سُئِل فولتير عمّن سيقود الجنس البشري، فأجاب: "الذين يعرفون كيف يقرؤون".

ولو رحنا نبحث في حياة المتفوّقين في تاريخ البشرية لوجدنا أنّهم كانوا قُرّاءً نهمين يتمثلون ما يقرؤون، ويضيفون إليه من ذوات نفوسهم وبنات أفكارهم ما يُحقِّق لهم فرص الإبداع والتفوُّق.

يقول عباس محمود العقاد: "لست أهوى القراءة لأكتب، ولا لأزداد عمراً في تقدير الحساب، إنما أهوى القراءة لأنّ لي في هذه الدنيا حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تُحرِّك كلُّ ما في ضميري من بواعث الحركة. القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة، لأنّها تزيد هذه الحياة عُمقاً، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب، فكرتك أنت فكرة واحدة، شعورك أنت شعور واحد، خيالك أنت خيال فرد واحد إذا قصرته عليك؛ ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، ولاقيت بشعورك شعوراً آخر، ولاقيت بخيالك خيال غيرك، فليس قصارى الأمر أنّ الفكرة تصبح فكرتين، وأنّ الشعور يصبح شعورين، وأنّ الخيال يصبح خيالين.. كلّا، وإنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات الفكر في القوّة والعمق والامتداد".

سأل أحد أبناء الفيلسوف الأميركي وليم جيمس أباه قائلاً: "إذا سألني الناس عن مهنتك، فماذا أقول لهم يا أبتاه؟"، فقال: "يا بُني، قل لهم إنّ أبي دائم التجوال ليلقى الأدباء والعلماء والمفكِّرين، من كلّ عصر وجنس ودين، يصغي إلى الأموات منهم، كما يصغي إلى الأحياء، يصافحهم على الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصله عنهم.. إنّه لا يعبأ بحدود جغرافية ولا فترات زمانية".

الكاتب الفرنسي مونتين يقول: "أن تقرأ، يعني أن تجد الصديق الذي لن يخونك أبداً".

وهذا المعنى هو عين ما قاله شاعرنا العربي في صياغة شعرية عذبة:

كتابي فيه بستاني وروحي      وفيه سمير نفسي والنديم

يجالسني وكلّ الناس حرب    ويسليني إذا عرت الهموم

ويحيي لي تصفح صفحتيه       كرام الناس إنْ فقد الكريم

إذا اعوجت عليّ طريق قومي  فلي فيه طريق مستقيم

قال الرئيس الأميركي الثالث جيفرسون: "إنّ الذين يقرؤون فقط هم الأحرار، ذلك لأنّ القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما من ألد أعداء الحرّية".

ويروى أنّ أحد العلماء جاءه رسول الخليفة يقول له: "أمير المؤمنين يستدعيك"، فقال له: "قل له عندي قوم من الحكماء أُحادثهم، فإذا فرغت منهم حضرت". فلمّا عاد الرسول إلى الخليفة وأخبره الخبر، سأله: "ويحك! مَن هؤلاء الحكماء الذين كانوا عنده؟"، قال: "والله يا أمير المؤمنين ما رأيت عنده أحداً". قال: "اذهب فأحضره الساعة"، فلمّا حضر سأله الخليفة: "مَن هؤلاء الذين كانوا عندك؟"، فقال: يا أمير المؤمنين

لنا جُلساءٌ ما نملُّ حديثهم       أمينون مأمونون غيباً وشُهَّداً

يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ورأياً وتأديباً ومجداً وسؤدداً

فإن قلت أمواتٌ فلم تعدُ أمرهم وإن قلت أحياءٌ فلست مُفَنَّداً

فعلم الخليفة أنّه يشير إلى (الكُتُب)، فلم ينكر عليه تأخُّره. ►

 

المصدر: كتاب القراءة... أوّلاً

ارسال التعليق

Top