• ٢٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأناقة في عمر الشباب

الأناقة في عمر الشباب

◄تختلف الأناقة من عصر إلى عصر، ومن عمر إلى عمر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى، ومن وظيفة إلى ثانية، ولكن يحكمها دائماً هذا الإحساس بأنّ الإنسان يجب أن يرتدي ملابسه لا أن ترتديه ملابسه...

وهذا ما سنتناوله بالتفصيل.

الهدف الأوّل للملابس هو الحماية من البرد أو وقاية الإنسان من الحر.

والهدف الثاني بطبيعة الحال هو اتباع "الموضة".

لكن الشباب غالباً ما ينسون الهدف الأوّل، وينغمسون في الهدف الثاني.

لا بأس من هذا الاهتمام بالملابس، وهو أمر موجود في كلّ العصور.

وغالباً ما تقف الفتاة أمام المرآة وتطلب من فستانها أن يقوم بعملية هامة جدّاً، وهي إخفاء عيوب الجسد ولفت النظر إلى مواطن الجاذبية.

وغالباً ما يقف الشاب أمام المرآة ويطلب من ملابسه أن تصنع منه نموذجاً للشاب القوي: إنّه يشد كمّ القميص لينتفخ وكأنّه صاحب عضلات، ويشد صدر القميص ليكبر حجم صدره وكأنّه مصارع، ويضبط وسط البنطلون ليجعله مشدوداً على ساقيه.

إننا نطلب من ملابسنا أن تصنع لنا جمالاً، ونطلب منها أن تخفي بعضاً من العيوب التي نراها غير جذابة فينا، ونطلب منها أن تضيف لنا إبراز ملامحنا الجذابة.

وعندما نريد إسعاد شخص ما أو جماعة نلتقي بها، فنحن نرتدي ملابس أنيقة. وعندما لا نريد إظهار أي اهتمام بالذين نلتقي بهم فنحن نرتدي ملابسنا بإهمال.

وهكذا يتميز الجنس البشري بسلوك متميز تجاه الملابس: "إنّه يستخدمها للفت الأنظار ومن أجل ذلك تغيرت موضة الملابس من عصر إلى عصر، ومن زمن إلى آخر، وكان الهدف دائماً – وما زال – هو أن تلتفت عيون الآخرين لترى جسد الشخص مضافة إليه الصورة التي يجب أن يظهر بها.

وبطبيعة الحال يختلف هذا التصرف تجاه الملابس من سن إلى أخرى.

ومن الغريب أنّ الإنسان في طفولته الأولى يحاول أن يعري نفسه، ولكنه ما أن يبلغ السادسة من العمر حتى يبدأ في الإصرار على الاحتشام أمام الآخرين، ويخجل من أن يراه الآخرون عارياً، ويصر على أن يغلق الباب عند دخول دورة المياه أو أثناء الاستحمام.

ويبدأ الشاب أو الفتاة في رؤية جسده بالتفصيل ليعرف الفروق بين مرحلة وأخرى من مراحل نموه. ويبدأ في استخدام الملابس التي تجعله يبدو أكبر سناً. إنّه يحب منذ بلوغه العام العاشر أن يبدو أكبر ولو بعام، ويستخدم الموضة من أجل هذا الهدف.
وما إن يدق الشاب باب المراهقة حتى يبدأ في محاولة إظهار حيويته ورجولته.

وما إن تكبر الفتاة لتصل إلى مراهقتها حتى تتحول عيناها إلى رادار حساس يكتشف كلّ جديد في عالم الأزياء وتحاول أن ترتدي هذا الجديد بما يتحدى في أقل القليل تقاليد المجتمع الذي تعيش فيه. أنها تحاول بشكل أو بآخر أن تلفت نظر الأُم إلى إنها قد نضجت، وفي نفس الوقت تلفت نظر الفتيان إلى أنّ هناك امرأة جميلة قد جاءت إلى هذا العالم، ويجب الانتباه إلى ذلك الحدث الضخم من وجهة نظرها الشخصية.

وتتغير الموضة من زمن إلى زمن، فعند اختراع موضة "الميني جوب" تبارت الفتيات في تقصير الفساتين إلى ما فوق الركبة. وصحب ذلك أيضاً موضة إظهار الكتفين دون أي غطاء. حدث ذلك في باريس وانتقل إلى روما ثم إنجلترا ثمّ دول الشمال ثمّ أمريكا، وحتى في منطقة الشرق الأوسط بكافة بلدانها.

أما في بعض البلدان التي تتميز بارتداء الفتاة غطاءً عاماً للجسم، فاستمرت الفتيات في ارتداء اللباس القومي، ولكن تحت هذا الزي القومي كانت هناك موضة "الميني جوب".

وبطبيعة الحال كانت هذه الموضة تحمل صدمة.

وانتشر ظن خاطئ استناداً إلى اعترافات الشباب والفتيات في أوروبا الغربية وأمريكا، وهم الذين عاشوا في فترة التمرد على كلّ أنماط الحياة بعد الحرب العالمية، ومارسوا نوعاً من التحدي العام للمجتمع فعاشوا في معسكرات للعراة مثلاً. فقد اعترف شبابهم أن رؤيتهم للنساء العاريات لا تسبب أيّة إثارة – اللّهمّ إلا بنسبة قليلة جدّاً – مادام العري صبغة عامة للحياة في هذه المعسكرات.

إن المشاهد يعيش هنا إثارة التوقع لما يحدث، لذلك فعلى الفتاة التي تقوم بمثل هذا العرض أن تمثل التردد وان تترك الملابس تقع منها ثمّ تشدها مرة أخرى على جسدها بأسرع مما ترى عين المشاهد. كلّ ذلك من أجل أن يقتنع المشاهد أنّه يرى مشهداً أقرب إلى الواقع".

وهكذا نرى أنّ العري تماماً محاولة الفتاة اصطناع الجرأة عندما تظن أنّ "المساواة" تقتضي أن تغازل هي الرجل وتقتحمه بخشونة. إنّ هذه الخشونة تجعل الشاب أقل سعادة، لأنّ القاعدة الطبيعية هي أن يكون الفتى هو الداعي للفتاة. إن إظهار الفتاة لعدم التأكد في ميلها إليه وتساؤلها هل ستسمح له بأن يتقدم إليها عاطفياً أم لا، هو السلوك الذي يثير الفتى ويدفعه إلى مواصلة التقرب إلى الفتاة.

ومما تقدم يمكن للفتاة أن تعرف أنّ الاحتشام أكثر فاعلية في جذب الاهتمام من الملابس العارية. وليست أغالي عندما أقول إن 95% من الفتيات على شاطئ البحر صيفاً هن أكثر جمالاً عندما يرتدين كامل الملابس، وقد يكون ما أعبر عنه الآن فيه تحيز ضد العري وأنا لا أخفي ذلك.

والمرأة على أيّة حال أكثر اهتماماً من الرجال بالتصميمات الحديثة للملابس وما الذي يتغير فيها، وهل طالت قبة الفستان أم قصرت وهل اتسعت الفساتين أم ضاقت.

والأجيال الجديدة في الأُمم الغربية تعيش منذ عام 1968 وحتى الآن ما يسمى بـ"ثورة الشباب"، وهي ثورة متعددة الأوجه أعطت لنفسها أكثر من أسلوب للتمرد على الواقع الاجتماعي الذي تعيشه أوروبا. فقد أعطت تلك الثورة لنفسها أسلوباً في العلاقات بين الشباب والفتيات هو الفوضى الكاملة في إقامة العلاقات الجسدية وأعطت لنفسها أسلوباً في السلوك الاجتماعي يرفض المنافسة والتفوق الدراسي، ويكتفي بالقليل من المال الذي يكفي الحياة. وكان من نتيجة ذلك ازدياد كبير في أعداد المرضى النفسيين، لأنّ الإنسان دون تنافس على العلم، ودون رغبة في تقدم الحياة ودون حرص على بناء حياة شخصية متوافقة مع المجتمع ومطورة للمجتمع، يصاب بأعراض من الخمول والاكتئاب وغير ذلك من الأمراض.

لقد وجه هذا الجيل النقد الحاد للأجيال السابقة، لكنه لم يستفد من بيت شعر من قصيدة روسية يقول فيها الشاعر: "إذا أطلقت الرصاص على كلّ الماضي فتوقع أن يطلق المستقبل المدافع على واقعك" وهذا ما حدث بالفعل: لقد أطلقت الأجيال الرصاص على الماضي فامتلأ الحاضر بالألم. وليس معنى ذلك أنني أدعو إلى تقديس الماضي، ولكني أدعو إلى تقييم الماضي مع العمل لبناء المستقبل.

وانعكست ثورة الشباب أيضاً على الملابس حين مارسوا التمرد على الأزياء، وصار الشباب يفضلون الملابس البسيطة والمظهر غير المهندم.

ولكن هذه الثورة كان لها وجه إيجابي يجب احترامه، وهو صرخة الجيل الجديد لحماية البيئة وقدرة الجيل على إنكار الذات والبدء في تطوير تعلمه الشخصي لأدوات الحياة المعاصرة مثل تعلم استخدام الكومبيوتر، ومحاولة اكتساب أسلوب العمل كفريق، وإبداء الشجاعة في المواقف الحاسمة. لقد بدأت المثالية تستيقظ من سباتها الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية.

ولي كثير من الأمل في أن تجد الأجيال الشابة طرقاً بنّاءة للتعبير عن التعاون الشجاع لمواجهة متاعب العصر.

وفي الوقت نفسه لي كثير من الأمل في أن يتجه الجيل الجديد إلى العناية بملابسه، ولا أقصد بذلك الرضوخ لموضة ما، ولكن ليغادر هذا الجيل تلك الفوضى المقصودة، وهذا الإهمال لتنظيف الملابس. إنني أدعو الجيل الجديد إلى أن ينفض عن أسلوب استخدام الملابس دون غسلها، وأدعوه إلى العناية بالنظافة الشخصية التي يسبب إهمالها الكثير من المتاعب الصحية.

إنني أؤمن أنّ الأناقة تكمن في النظافة، ولا أقبل من يقول إننا نحافظ على نظافة الروح ولا نحافظ على نظافة الجسد والملبس، لأنني أؤمن أن نظافة الروح أمر مطلوب بإلحاح وكذلك نظافة الجسد والملبس.►

 

المصدر: كتاب فنّ الحياة مع المراهق

ارسال التعليق

Top