• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مواجهة الفساد بين الإعلان وغياب الإرادة السياسية

د. حسين أحمد السرحان

مواجهة الفساد بين الإعلان وغياب الإرادة السياسية

كثر الحديث عن الفساد ومواجهة الفساد في العراق وبات منذ سنوات حديث العامة والخاصة، فضلاً عن أنّه حديث الفعاليات السياسية والحكومية والنيابية، حتى صار الشماعة التي تعلّق كثير المؤسّسات فشلها عليها. وهذا أسهم في التركيز على الظاهرة في العراق والتي نتلمس مخرجاتها في كلّ لحظة وفي كلّ مكان عبر مظاهر الفشل والإخفاق. وطالما تؤكّد الجماهير والرأي العام أنّ مَن ينجح في التصدي للظاهرة سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وسيكون هو الزعيم الحقيقي للدولة العراقية بعد 2003.

ما وصلت له الظاهرة من أبعاد خطيرة - لم تستثني قطاعاً إلّا ونخرته - أصبحت تهديداً وجودياً بعد أن أوجدت الظروف المناسبة لظهور اعتى التنظيمات الإرهابية في العالم وهو تنظيم داعش الإرهابي والذي وصل إلى حدود العاصمة بغداد.

في نهاية العام 2018، أعلن عن تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في العراق إلحاقاً بإجراءات سابقة حول الموضوع ذاته. ويبدو أنّه جاء التزاماً بالبرنامج الحكومي الذي عرضه رئيس الحكومة السيِّد عادل عبدالمهدي وصوّت عليه مجلس النواب العراقي. وأشاد بعض الساسة وقادة الرأي العام بتشكيل المجلس والمهام المُلقاة على عاتقه، لكنّ الكثير رأى أنّها خطوة صورية لا تعدو كونها تعبير من رئيس الحكومة لإثبات التزامه ببرنامجه الحكومي الذي تضمن مواجهة الفساد.

التغطية المكانية لظاهرة الفساد لتشمل كلّ إقليم الدولة العراقية، لا يمكن مجابهتها بدون توفر إرادة سياسية وطنية قوية. وعندما نقول إرادة سياسية نسلم بضرورة وجود إدراك لدى كلّ القوى والتيارات السياسية المشاركة في إدارة السلطة في الأجهزة والمؤسّسات التشريعية والتنفيذية بخطورة الفساد، وهذا الإدراك هو من يخلق الإرادة السياسية بعد توفّر عوامل مساندة كالضغط الجماهيري والرأي العام وأدواته.

لكنّ السؤال هنا، هل بإمكان القوى والتيارات السياسية الحالية في العراق بلورة هكذا إرادة؟

بداية، الإرادة (اسم) تأتي بمعنى العزم، والعزيمة، المشيئة، وهي تصميم واعٍ على أداء فعل معين قوي، ويستلزم هدفاً ووسائل لتحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى العمل الإرادي. وقوّة الإرادة تعني المثابرة على القيام بعمل ما برغم العوائق والمصاعب التي تعترض القائم بهذا العمل. أمّا الإرادة السياسية فيمكن أن نقول هي المشيئة أو العزيمة التي تتبنّاها الأجهزة والمؤسّسات والهيئات التي تباشر السلطة السياسية في بلد ما. وبالتالي لا يمكن تحقيق التغيير المنشود في جانب ما أو قطاع ما، إلّا إذا تحققت موافقة تلك الأجهزة والمؤسّسات والهيئات، على أنّ إصدار قرار بالموافقة على إجراء أو قرار سياسي باتّجاه التغيير أو تجاوز أزمة ما لا يكفي بحدِّ ذاته لكي يصبح التغيير حقيقة واقعة، بل يجب الاستمرار في إصدار القرارات اللازمة لوضع متطلبات هذا التغيير موضع التنفيذ.

الإرادة السياسية واحدة من مسلَّمات القوّة السياسية المرادفة للدول الراسخة، وتفرض وجودها على إقليمها وعلى المجالين الإقليمي والدولي.

إنّ وجود الإرادة السياسية يرتبط، كما هو معروف، بشكل النظام السياسي، وطبيعة النُّخب الحاكمة، ومرجعياتها الفكرية، والتزامها الاجتماعي، ومناهجها في البناء السياسي للدولة. لذا يمكن أن نؤكّد مبدئياً أنّه بدون وجود هذه الإرادة أن تصبح أي عملية تطويرية عرضة للأهواء وبالتالي عرضة للتقلّبات والانتكاسات.

أهم خطرين سايرا إعادة بناء الدولة العراقية بعد عام 2003 هما الإرهاب والفساد. وبغض النظر عن الأسباب التي يعرفها الجميع، لكن إذا ما راجعنا خطر الإرهاب نجد أنّ بدايته تعود إلى ظهور تنظيم القاعدة وتوسّع نشاطه، ثمّ ظهور تنظيم داعش وتمدّده من سوريا ليسيطر على مساحات واسعة من العراق.

استمرار الإرهاب بمختلف أنماطه وتعدّد حركاته منذ بداية التغيير السياسي لغاية بدء الحرب ضد تنظيم داعش لا تنم عن إمكانية لبلورة إرادة سياسية، ولكن بعد أن صار تهديد داعش الإرهابي تهديداً وجودياً تبلّورت إرادة وطينة جماهيرية شعبية مدفوعة بتوجيه المرجعية الدينية بفتوى الجهاد الكفائي التي ساندت الجماهير، ودعمت تلك الإرادة إرادة دولية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، في حين غابت الإرادة الوطنية للقوى السياسية.

لذا، وفي إطار مواجهة الفساد، لا يمكن لتلك القوى أن تبلّور إرادة سياسية ذات هدف رئيس (مواجهة الفساد)، وهذا سينعكس سلباً في استكمال وتعزيز الإطار التشريعي اللازم للأجهزة التنفيذية والرقابية والقضائية لأداء عملها وإنجاح مهمّتها، لأنّ تلك الأجهزة خضعت للمحاصصة الحزبية.

نرى أنّ نجاح المهمّة الكبرى ضد الفساد تحتاج إلى جهود الجميع وقيادة هذه الجهود هي مهمّة القوى السياسية. ومن دون أن تتخلّى تلك القوى عن آفاقها الضيِّقة وتضع بعين الاهتمام بناء الدولة، لن يُكتب النجاح للمجلس الأعلى لمكافحة الفساد ولا لأي جهة رقابية أو قضائية أُخرى وبالتالي لن يندحر الفساد، بل سيتعاظم وتتعزّز سيطرة الفاسدين ويكون عند ذاك الذهاب إلى المجهول حتمياً.

ارسال التعليق

Top